28 ديسمبر 2021
صفقة القرن.. ترغيب أقل وترهيب أكثر
كثيرة الأسئلة التي كانت مثار جدل وتناول وتداول إعلامي وفصائلي وشعبي، قبل بدء اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني، ترقباً لقراراته، وما إذا كانت هذه القرارات قابلة للتنفيذ، وليس مثل قراراتٍ عديدة بقيت تنتظر الجرأة في الإقدام على تطبيقها، استجابة لتحديات مصيرية ما فتىء الاحتلال الإسرائيلي يوقع السلطة الوطنية الفلسطينية في مصائدها وشباكها، من دون أن تخطو القيادة الفلسطينية خطوة إلى الأمام، في مواجهة واقع ووقائع احتلالية واستيطانية، وأخيراً في مواجهة قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، وما استجرّه هذا القرار من تغول احتلالي في مواجهة الفلسطينيين وقضيتهم الوطنية التي باتت أكثر عرضة للتصفية، بموجب بنود ما شاع اسمها "صفقة القرن".
لم تر معظم القوى الفلسطينية قرارات المجلس المركزي قابلة للتنفيذ، وقبل ذلك لم تر في انعقاد المجلس في رام الله خطوة صائبة، كونها تتم تحت حراب الاحتلال، وبالتالي لن تكون قراراته مفصليةً وقابلة للتنفيذ، ضاربين المثل بقرار المجلس بشأن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، الذي سبق اتخاذه في مارس/ آذار عام 2015، ولم يجر تنفيذه.
في المقابل، أكدت زيارة نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، إلى المنطقة، أن إدارة ترامب، ليست في صدد تعديل مواقفها من قضايا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وقد كشفت هذه الإدارة، عبر قرارها بشأن القدس، وصفعات "صفقة القرن" العتيدة، بطابع ترغيباتها الأقل وترهيباتها الأكثر، أنها في صدد الانحياز أكثر لصالح صهيونية الكيان الاستعماري الاستيطاني، في كل مسائل الصراع التي ترتبت على تنفيذ وعد بلفور، حتى المفاوضات اليوم أو "التسوية النهائية"!، وخط الانحياز الأميركي، وهو يخطو نحو مزيد من سلب الفلسطينيين أكبر ما يمكن من حقوقهم الوطنية والإنسانية، وإضافتها إلى رصيد الصهيونية المسيحية
والتوراتية وغيرهما من شلل "المؤمنين" بأخلاقيات البيع والشراء ومنطق المساومات والسمسرات، وبضمنها سياسات الصفقات التي بدأت تترى وتتكشف يوماً بعد يوم.
لهذا ليس من الغرابة أن يستمر حالنا العربي البائس على ما كان عليه قبل قرار ترامب، وتجاهل الاستيطان، وذلك في أول خروج أميركي – ترامبي عن المواقف الأميركية التقليدية، وما يتعلق منها بالمفاوضات ومسألة تسوية "حل الدولتين"، والاتجاه إلى استبداله بصيغة مختلفة تتناقض عما يدور في أذهان الفلسطينيين والعرب، أي ضمن حدود العام 1967، وبدلاً من ذلك، تأييد إقامة دولة "فلسطينية" في غزة. أما في الضفة ففي الوسع الإبقاء عليها مناطق "كانتونية" معزولة في إطار الدولة (الإسرائيلية) الواحدة؛ وربما كان هذا بشكل من الأشكال مضمون الصفقة الكبرى وجوهرها، وهي التي يراد لها أن تتحول إلى صيغة "الدولة الواحدة" تحت هيمنة حكم صهيوني تتحول معه تلك الدولة إلى دولة أبارتهايد عنصرية بتأييد من دونالد ترامب، ومن يستطيع أن يحشده لها من مؤيدين عرب وغير عرب.
الدولة الفلسطينية في غزة، كان هذا جوهر مقال لمستشار الأمن القومي السابق في إسرائيل، غيورا آيلاند، في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 21 يناير/ كانون الثاني الجاري، تحت عنوان "سياسة إسرائيلية مستقلة حيال غزة"، دعا فيه حكومة الاحتلال إلى الاعتراف بقطاع غزة "دولة مستقلة"، في خطوة تتجاوز فيها إسرائيل الأخطاء التي ارتكبتها في السنوات الماضية. ليرى أنه، من ناحية القانون الدولي، فإن مكانة المنطقة (قطاع غزة) لا يمكنها أن تكون إلا واحدة من ثلاث: إما دولة (أو جزءاً من دولة)؛ أو منطقة برعاية دولية؛ أو أرضاً محتلة، والنتيجة أن غزة لا تزال تعرف أرضاً محتلة من إسرائيل.
مهما يكن من أمر صياغات أو مقترحات كهذه، فقد يلاقي بعضها هوىً لدى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أو رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المهم أن صفقةً يمكن إتمامها بالمراوغة والتدليس، ولو بدعم إقليمي عربي و"بعض" دولي، رحيم في حق الفلسطينيين وحقوقهم أكثر من "بعض" عربي تجاوز كل الخطوط الحمراء، وصمت عن تهويد القدس وقبلها وبعدها هو الصامت الأبدي عن حقوق طبيعية وطنية وإنسانية، أضحت تعرض في سوق نخاسة القرن وصفقاته المخزية.
أما المفاوضات التي يراد لها أن تكون تحت رعاية دولية أخرى نزيهة، فمن المحال أن تتخلى أميركا الترامبية عن مسألة رعايتها، وفي الوقت نفسه من المحال أن يتخلى نتنياهو وحكومته عن طلب المزيد من رعاية "الصديق الوفي" لإسرائيل، كما يجري توصيف العلاقات الأميركية – الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، هناك تهميش متعمد للمجتمع الدولي بمؤسساته، أو على الأقل عدم اهتمام وإقصاء لمسؤولية العالم عن جرائم الاحتلال ومأساة شعبٍ طالت نكبته الكبرى كما نكباته الصغرى وانفكاك قياداته عن مسؤولياتها الوطنية، والانحياز لمصالح شخصية، في
مقدمتها هندسة تلك المصالح في سلطةٍ من أولوياتها الحفاظ على التزامات تحلل منها العدو، ومن معاهداتٍ لم يعد لها من أثر في سياسات السلطة التنسيقية والزبائنية والاقتصادية.
هناك منطق أعوج وأهوج، من جانبٍ يرذل فكرة الشراكة الوطنية، ويتجاوز أسس الديمقراطية وضرورة بناء الجبهة الوطنية المتحدة في مواجهة جبهة الأعداء، على أسسٍ أكثر كفاحية وتماسكاً. ومن جانب آخر، يتمسك بفكرة الشراكة مع الاحتلال اقتصادياً وأمنياً وتفاوضياً، وذلك كله على حساب الضرورات الوطنية التي لا يمكن تجاهلها في اللحظات المصيرية، ولو على حساب منطق سلطوي على جانبي الانقسام، افترقت أطرافه وتمترست جميعها خلف مصالح شخصية وزبائنية، بعيداً عن روح المسؤوليات الوطنية في أشد اللحظات حرجاً، حيث تتعرّض القدس للضياع والأرض للنهب والسرقة، والقضية بعامة للنكران والتجاهل، إن لم نقل للخيانة، من أشقاء تركوا القدس وحيدة، كما كانوا قد تركوا شعب فلسطين وحيداً، يواجه أقداره على مدى السبعين عاماً الماضية، وها هم يقدمون لأعداء هذا الشعب كل عون ممكن، في سبيل إنفاذ "صفقة القرن" الترامبية الجديدة، بعد أن نجحت "صفقة القرن البلفورية" في تمكين الحركة الصهيونية من احتلال وطن الفلسطينيين. وليس هذا وحسب، بل ترسيم "وطن أكبر"، وهندسته، تتناهشه العصبيات السلطوية من كل نوع؛ عصبيات القبائل والطوائف والمذاهب ومليشياتها، كما عصبيات العسكر وديكتاتوريات الاستبداد، و"سلطات ارتزاق عميقة" جارت على أوطانها وشعوبها، أين منها مقادير جور الأعداء الفعليين على بلادنا وشعوبنا.
لم تر معظم القوى الفلسطينية قرارات المجلس المركزي قابلة للتنفيذ، وقبل ذلك لم تر في انعقاد المجلس في رام الله خطوة صائبة، كونها تتم تحت حراب الاحتلال، وبالتالي لن تكون قراراته مفصليةً وقابلة للتنفيذ، ضاربين المثل بقرار المجلس بشأن وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال، الذي سبق اتخاذه في مارس/ آذار عام 2015، ولم يجر تنفيذه.
في المقابل، أكدت زيارة نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، إلى المنطقة، أن إدارة ترامب، ليست في صدد تعديل مواقفها من قضايا الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي. وقد كشفت هذه الإدارة، عبر قرارها بشأن القدس، وصفعات "صفقة القرن" العتيدة، بطابع ترغيباتها الأقل وترهيباتها الأكثر، أنها في صدد الانحياز أكثر لصالح صهيونية الكيان الاستعماري الاستيطاني، في كل مسائل الصراع التي ترتبت على تنفيذ وعد بلفور، حتى المفاوضات اليوم أو "التسوية النهائية"!، وخط الانحياز الأميركي، وهو يخطو نحو مزيد من سلب الفلسطينيين أكبر ما يمكن من حقوقهم الوطنية والإنسانية، وإضافتها إلى رصيد الصهيونية المسيحية
لهذا ليس من الغرابة أن يستمر حالنا العربي البائس على ما كان عليه قبل قرار ترامب، وتجاهل الاستيطان، وذلك في أول خروج أميركي – ترامبي عن المواقف الأميركية التقليدية، وما يتعلق منها بالمفاوضات ومسألة تسوية "حل الدولتين"، والاتجاه إلى استبداله بصيغة مختلفة تتناقض عما يدور في أذهان الفلسطينيين والعرب، أي ضمن حدود العام 1967، وبدلاً من ذلك، تأييد إقامة دولة "فلسطينية" في غزة. أما في الضفة ففي الوسع الإبقاء عليها مناطق "كانتونية" معزولة في إطار الدولة (الإسرائيلية) الواحدة؛ وربما كان هذا بشكل من الأشكال مضمون الصفقة الكبرى وجوهرها، وهي التي يراد لها أن تتحول إلى صيغة "الدولة الواحدة" تحت هيمنة حكم صهيوني تتحول معه تلك الدولة إلى دولة أبارتهايد عنصرية بتأييد من دونالد ترامب، ومن يستطيع أن يحشده لها من مؤيدين عرب وغير عرب.
الدولة الفلسطينية في غزة، كان هذا جوهر مقال لمستشار الأمن القومي السابق في إسرائيل، غيورا آيلاند، في صحيفة يديعوت أحرونوت يوم 21 يناير/ كانون الثاني الجاري، تحت عنوان "سياسة إسرائيلية مستقلة حيال غزة"، دعا فيه حكومة الاحتلال إلى الاعتراف بقطاع غزة "دولة مستقلة"، في خطوة تتجاوز فيها إسرائيل الأخطاء التي ارتكبتها في السنوات الماضية. ليرى أنه، من ناحية القانون الدولي، فإن مكانة المنطقة (قطاع غزة) لا يمكنها أن تكون إلا واحدة من ثلاث: إما دولة (أو جزءاً من دولة)؛ أو منطقة برعاية دولية؛ أو أرضاً محتلة، والنتيجة أن غزة لا تزال تعرف أرضاً محتلة من إسرائيل.
مهما يكن من أمر صياغات أو مقترحات كهذه، فقد يلاقي بعضها هوىً لدى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أو رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المهم أن صفقةً يمكن إتمامها بالمراوغة والتدليس، ولو بدعم إقليمي عربي و"بعض" دولي، رحيم في حق الفلسطينيين وحقوقهم أكثر من "بعض" عربي تجاوز كل الخطوط الحمراء، وصمت عن تهويد القدس وقبلها وبعدها هو الصامت الأبدي عن حقوق طبيعية وطنية وإنسانية، أضحت تعرض في سوق نخاسة القرن وصفقاته المخزية.
أما المفاوضات التي يراد لها أن تكون تحت رعاية دولية أخرى نزيهة، فمن المحال أن تتخلى أميركا الترامبية عن مسألة رعايتها، وفي الوقت نفسه من المحال أن يتخلى نتنياهو وحكومته عن طلب المزيد من رعاية "الصديق الوفي" لإسرائيل، كما يجري توصيف العلاقات الأميركية – الإسرائيلية. وفي الوقت نفسه، هناك تهميش متعمد للمجتمع الدولي بمؤسساته، أو على الأقل عدم اهتمام وإقصاء لمسؤولية العالم عن جرائم الاحتلال ومأساة شعبٍ طالت نكبته الكبرى كما نكباته الصغرى وانفكاك قياداته عن مسؤولياتها الوطنية، والانحياز لمصالح شخصية، في
هناك منطق أعوج وأهوج، من جانبٍ يرذل فكرة الشراكة الوطنية، ويتجاوز أسس الديمقراطية وضرورة بناء الجبهة الوطنية المتحدة في مواجهة جبهة الأعداء، على أسسٍ أكثر كفاحية وتماسكاً. ومن جانب آخر، يتمسك بفكرة الشراكة مع الاحتلال اقتصادياً وأمنياً وتفاوضياً، وذلك كله على حساب الضرورات الوطنية التي لا يمكن تجاهلها في اللحظات المصيرية، ولو على حساب منطق سلطوي على جانبي الانقسام، افترقت أطرافه وتمترست جميعها خلف مصالح شخصية وزبائنية، بعيداً عن روح المسؤوليات الوطنية في أشد اللحظات حرجاً، حيث تتعرّض القدس للضياع والأرض للنهب والسرقة، والقضية بعامة للنكران والتجاهل، إن لم نقل للخيانة، من أشقاء تركوا القدس وحيدة، كما كانوا قد تركوا شعب فلسطين وحيداً، يواجه أقداره على مدى السبعين عاماً الماضية، وها هم يقدمون لأعداء هذا الشعب كل عون ممكن، في سبيل إنفاذ "صفقة القرن" الترامبية الجديدة، بعد أن نجحت "صفقة القرن البلفورية" في تمكين الحركة الصهيونية من احتلال وطن الفلسطينيين. وليس هذا وحسب، بل ترسيم "وطن أكبر"، وهندسته، تتناهشه العصبيات السلطوية من كل نوع؛ عصبيات القبائل والطوائف والمذاهب ومليشياتها، كما عصبيات العسكر وديكتاتوريات الاستبداد، و"سلطات ارتزاق عميقة" جارت على أوطانها وشعوبها، أين منها مقادير جور الأعداء الفعليين على بلادنا وشعوبنا.