صهيونيات مكـمّلة
المعضلة الوجودية للصهيونية متجددة بالضرورة، لأن الصهيونية نقيضة للتاريخ، وبمنظور جدلي، نجد ساحة الحرب ضدها تتجدد بالتبعية؛ فالخصم هو التاريخ وليس أيديولوجيا أو جيشاً نظامياً.
وعداء التاريخ للصهيونية معركة صفرية، لا وجود فيها لمساومات، بل فقط للنهاية بالضربة القاضية، فالصهيونية هي لي عنق التاريخ، من خلال تقويل المعطيات الدينية والتاريخية والسياسية والثقافية، بما لم تقترف، وبما هو مضاد للسيرورة الطبيعية والإنسانية، تقويل على طريقة قاطع الطريق بروكوست.
وتظهر هذه الاستراتيجية المافيوية في نظرية الفوائض، حيث فائض القوة وفائض الأسطورة وفائض العرق وفائض الدين.. إلخ، وهذا المتاح لها بما أنها لا تمتلك الجذر ولا السردية الوطنية التاريخية أمام العالم وأمام الآخر؛ ففائض القوة، من منظورها، يجعلها تتصور أنها الأحق بالأرض.
القراءات الأفقية حول الصهيونية لن تكون كافية لبيان المسكوت عنه، فهي سجالاتٌ تقتصر على رؤية الذراع الصهيونية التي تمسك بمدفعه وبندقيته، لكنها عاجزة على الغوص في أعماق الظاهرة الصهيونية، وملاحقة الأقدام التي ترسو عليها. فالصهيونية على الرغم من ظهورها الواضح على المسرح، لكنها لا تستطيع القيام بأي حركة ذاتية، فهي محكومة بالقصور الذاتي، لأنها فكرة قسرية، وليس لها إمدادات أو جذور أو بذرة يمكن أن تتقبلها تربة الجماعات الإنسانية، لكي تمتلك خاصية النشوء والارتقاء الذاتي.
المدهش أن البيئة العربية، بأنظمتها السياسية ونخبها الثقافية، لم تحتج إلى وقت طويل، لكي تندمج في الرقصة الصهيونية، بل وقدمت إيقاعاتٍ، لم يتوقعها القاتل من ضحاياه، في تمديد رقصته العنصرية والاستيطانية. فبعد ثلاثة حروب وضحاياها، كان استيلاد الصهيونية العربية في حلقة جديدة من الصدام مع التاريخ، فكيف تجرّع العربي كأس السم مجدداً.
أصبح الشقيق الفلسطيني، والمقاوم بوجه عام، في مواجهة صهيونية الشقيق الآخر، وهذه أشد وطأةً وتنكيلاً، لأن مجالها الجديد ليس أرضاً وسلاحاً، بل مجالها هو الذاكرة!