يبدو أن تخطي الصورة النمطية التي وصم بها اللاجئون السوريون في لبنان أمر بالغ الصعوبة، وذلك نظراً للحضور الكثيف الذي سجلته شخصية "اللاجئ السوري" في وسائل الإعلام اللبنانية، التقليدية منها والبديلة. حيث يكاد لا يمر يوم واحد دون أن تندرج قضية اللاجئين السوريين في برامج المحطات التلفزيونية والإذاعية، والتي عملت على تغريب اللاجئ السوري وتشييئه، ليبدو أشبه بـ"نمط" أو "كاراكتر" له سمات واضحة ويمكن تجسيده.
فعُرِضَت على الشاشات العديد من الفواصل الدرامية التي توضح الفروق بين السوريين واللبنانيين، مثل المقطع الذي انتشر على قناة "إل بي سي" والذي يقوم به الممثل اللبناني، فادي شربل، بتعليم اللهجة السورية. وساهمت الأعمال الدرامية اللبنانية، التلفزيونية والمسرحية والسينمائية، بتكريس هذه الصورة وتطبيعها لدى المتلقي، بالإضافة إلى العدد الكبير من المعارض الفنية والأفلام الوثائقية التي تتناول حياة اللاجئين السوريين الشخصية كموضوعة فنية، والتي تكرس النظرة السائدة حول ماهية اللاجئ السوري.
في المسرح
ففي الأعمال المسرحية التي تقدم في لبنان في الأعوام الأخيرة، كانت شخصية اللاجئ السوري أحد الأنماط الرئيسية الحاضرة بوفرة. وفي معظم الأحيان، يقتصر دور الممثلين السوريين في الأعمال المسرحية على سرد قصصهم الشخصية في محاولة منهم لاكتساب تعاطف الجمهور، ولاسيما في العروض المسرحية التوثيقية التي يشارك فيها السوريون بوصفهم لاجئين لا ممثلين. كما يحدث في عرض "صور وحكايا" الذي قدمه المخرج عمر فران في الدورة الثانية من مهرجان "س" الثقافي لمنظمة "بسمة وزيتونة".
وغالباً ما تبدأ القصة بسرد تفاصيل بسيطة عن الحياة الجميلة التي يحن إليها هؤلاء، مروراً بحدث الدمار والخسارات الكبرى الناجمة عن الحرب، ووصولاً إلى الحياة التي يعيشونها كلاجئين في لبنان. وقد تتضمن الفقرة الأخيرة التطرق للدور الإيجابي للمنظمات غير الحكومية التي تقدم الدعم في لبنان، والتي غالباً ما تكون الممولة المباشرة لهذه العروض. ويرسخ هذا النوع من العروض المسرحية الصورة النمطية السائدة عن اللاجئين السوريين، حيث يظهرون ككائنات توقفت لديها عجلة الزمن، مغلوب على أمرها، وغير قادرة على تجاوز ذلك الألم المشترك فيما بينها.
ولا يقتصر حضور السوريين في المسرح اللبناني على هذا النوع من المسرح التوثيقي، فهناك العديد من العروض التي تضمنت شخصية اللاجئ السوري؛ ففي مسرحية "طيور النورس" لعوض عوض، شاركت ممثلتان سوريتان في العرض الذي احتوى أيضاً على ما يزيد عن عشرة ممثلين لبنانيين. وفي حين تنوعت القضايا التي طرحها اللبنانيون عن أزماتهم الشخصية في العاطفة والعمل والهوية الجنسانية، فإن المقاطع الخاصة بكلتا الممثلتين السوريتين اقترنت بمأساة اللجوء. ورغم أن السوريين ارتبطوا بهذا النمط في "طيور النورس"، إلا أن العرض لم يتناول اللاجئين السوريين بطريقة تسيء لهم، فهذا النمط حدد أدوار السوريين في العروض التي يشاركون بها بنسبة كبيرة.
ولكن رغم أن نمط "اللاجئ السوري" هو النمط الأكثر شيوعاً بالنسبة للممثلين السوريين الموجودين في لبنان، إلا أن مشاركة الممثلين السوريين في المسرح اللبناني لم تقتصر على أداء هذه الشخصية؛ وبحسب الممثل السوري جوني مهنا، الذي عاش في لبنان ما بين سنة 2012 و2015، قبل أن ينتقل إلى النمسا، فإنه يقول لـ "العربي الجديد": "أثناء إقامتي في لبنان شاركت بالكثير من العروض المسرحية والأفلام السينمائية، وتمكنت من الخروج عن نمط شخصية اللاجئ بسبب إتقاني اللهجة اللبنانية، وقدرتي على الأداء فيها، وكذلك بسبب وجود عدد من المخرجين اللبنانين الذين لا يحدون الممثل السوري في تلك الزاوية الضيقة، كالمخرجة اللبنانية لينا أبيض، التي خضت معها أولى تجاربي في لبنان، والتي أسندت إلي أدوارا متنوعة دون أن تطلب مني أن أؤديها باللهجة اللبنانية".
إلا أن مهنا يرى أن حضور السوريين في المسرح اللبناني لا يخلو من بعض العنصرية، ومن الحوادث التي يذكرها مهنا: "في إحدى المرات تم الإعلان عن حاجة عرض مسرحي لبناني لممثل سوري، وتمكنت من الحصول على فرصة المشاركة بعرض "الباص رقم 2". والعرض مقتبس من مسرحية أميركية للكاتب كورماك مكارثي، ويتناول النص قضية العنصرية بين البيض والسود، من خلال شخصية بروفيسور أبيض وعامل أسود؛ وبالمعالجة الدراماتورجية، فكان من المفترض أن يؤدي شخصية البروفيسور ممثل لبناني، وأن يؤدي شخصية العامل ممثل سوري. شعرت بأن العمل يتضمن نوعاً من العنصرية، ولذلك سعيت أثناء عملي لإقناع المخرجة سيرين دردري من تحويل شخصية العامل السوري إلى شخصية عامل مصري، لأن أغلب العاملين في محطات الوقود اللبنانية هم من حاملي الجنسية المصرية، وبسبب عدم تطرق الإعلام لشخصية العامل المصري بنفس الطريقة العنصرية؛ وبالفعل استجابت الدردري لرغبتي، وأديت الدور باللهجة المصرية". وهنا يبدو أن الهروب من العنصرية ضد السوريين، قد يتم ببعض الأحيان من خلال اللجوء إلى أشكال أخرى من العنصرية ضد مجموعات بشرية أخرى، كالشعب المصري، أو الهنود والأفارقة في حالات أخرى.