03 نوفمبر 2024
ضبط إيران في المنطقة
بعد ثلاث سنوات من الحيرة والضياع للسياسة الأميركية التي أعقبت حرب تقويض نظام صدام حسين في العراق، شكَّل الكونغرس، في العام 2006، لجنة لدراسة الحالة الأميركية في العراق.. تضمنت شخصيتين رئيسيتين من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، جيمس بيكر ولي هاملتون، فاشتهرت بلجنة بيكر هاملتون.. اعترف التقرير القصير الذي قدمته اللجنة بنفوذ إيراني في المنطقة، وقال إن هذا النفوذ لا يجب أن يشكل مانعاً للتنسيق معها بشأن العراق، كما تم التنسيق معها بشأن أفغانستان. مرّ التقرير، ولم يفلح في توليد صيغةٍ سياسيةٍ لإصلاح العطب السياسي الأميركي، فزاد النفوذ الإيراني في العراق، حتى أصبح أكبر من النفوذ الأميركي ذاته، وتغوّلت إيران في المنطقة، حتى أصبحت تهدّد بتقييد حركة النفط العالمية المارّة من المجاري المائية المحلية، ليس الخليج العربي فقط، ولكن عبر مضيق باب المندب أيضاً.
لم ينفذ الرئيس الأميركي في حينه، جورج بوش، توصيات اللجنة بالتنسيق مع إيران، ولكن خلفه باراك أوباما فعل، وحصل على ما اعتبره نصراً يتوّج مرحلتيه الرئاسيتين، ويمكن اعتبار الاتفاق النووي من أشكال الاستيعاب الذي لمح إليه التقرير، فكان النفوذ المتزايد من الأعراض الجانبية لهذا الاتفاق، وساعدت فيه حوادث الربيع العربي.
نحَّى الرئيس التالي، دونالد ترامب، كل هذه الملابسات جانباً، وكشَّر عن أنيابه، فقرّر أن يضع حداً لإيران، وكان قد وعد ناخبيه بأنه سيفعل شيئاً حيالها.. ما يرغب ترامب بتحقيقه حلم لذيذ خال من أي تحرّشات إيرانية، وانكفاءٌ فارسي إلى الداخل، مع تعامل ناعم مع شواطئ الخليج.
لا يبدو أن ترامب يملك خطةً لتحويل حلمه الحريري إلى حقيقة سياسية، لكنه أشعل فتيل البداية، بخروجه من الاتفاق النووي، مع جملة من الإجراءات العقابية، توجت بتهديد إيران بحرمانها من بيع نفطها.
ليس هناك رغبة جادة بتغيير النظام الإيراني، ويعرف الأميركان أن تكلفة تغيير القيادات السياسية بطريقة درامية، كالتي حدثت في العراق باهظة التكلفة، ولذلك يرغب ترامب بحرب استنزاف اقتصادية متسارعة ومؤثرة، تبدأ بالحصار، ولديه داعم أساسي في الخليج، يمكن أن يلعب دوراً فاعلاً في حرب النفط، إضافة إلى الضربات التي توجهها إسرائيل، بشكل أسبوعي تقريباً، إلى أهدافٍ إيرانية في سورية، وهجمات التحالف العربي الذي يحارب في اليمن مجموعاتٍ تدعمها إيران، يمكن أن تشكّل زعزعةً للنفوذ الذي تحاول إيران ترسيخه، ويتطلب منها مزيداً من الاعتمادات المالية الضخمة، وصولاً إلى لحظةٍ تقف فيها عاجزة عن التمويل.
لا تضمن هذه السياسات نهاية سريعة للحرب، ولدى إيران هامش يمكنها أن تتحرّك ضمنه لتلافي مضايقاتٍ كثيرة يُحدثها ترامب وتحالفاته، فتستطيع أن تردّ على التهديد بتهديد مقابل، وقد رد قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، المتجول في المنطقة على تغريدة ترامب التي قال فيها إنه يمكن أن يعاقب إيران بطريقةٍ لم يشهد التاريخ على شاكلتها كثيراً، وهي تغريدةٌ قد تنفع للاستهلاك المحلي، ليمحو بها آثار زيارته فلاديمير بوتين، التي جرَّت عليه انتقادات حارقة، ردَّ سليماني على التغريدة فقال: "نحن مستعدّون وجاهزون وبالانتظار"، ولدى إيران حضن دافئ في الصين والهند، وفي دول بريكس التي يسعدها أن تعد سياساتٍ مخالفةً لترامب، هذا لا يعني أن إيران تستطيع التحرّك بحرية، لكنه يعني أن المنطقة باقية على مرجلٍ غير مستقر، ويمكن أن يدفع هذا الوضع السياسي المستعصي الكونغرسَ الأميركي إلى تشكيل لجنة على غرار لجنة بيكر هاملتون، تقدِّم كاتالوج حل، أو سلسلة خطواتٍ يقوم بها ترامب، ليخرج من مشكلته مع إيران النهمة لمزيد من النفوذ، وهناك قد يكون لإسرائيل موقف لا يستطيع ترامب اتخاذه، وقد لا يكون بوتين أيضاً قادراً على إيقافه، وهو ضرب النقاط داخل إيران التي تغذّي رؤوس الجسور المبنية في المنطقة، بدل الاكتفاء بضرب رؤوس الجسور فقط، كما تفعل حالياً.
لم ينفذ الرئيس الأميركي في حينه، جورج بوش، توصيات اللجنة بالتنسيق مع إيران، ولكن خلفه باراك أوباما فعل، وحصل على ما اعتبره نصراً يتوّج مرحلتيه الرئاسيتين، ويمكن اعتبار الاتفاق النووي من أشكال الاستيعاب الذي لمح إليه التقرير، فكان النفوذ المتزايد من الأعراض الجانبية لهذا الاتفاق، وساعدت فيه حوادث الربيع العربي.
نحَّى الرئيس التالي، دونالد ترامب، كل هذه الملابسات جانباً، وكشَّر عن أنيابه، فقرّر أن يضع حداً لإيران، وكان قد وعد ناخبيه بأنه سيفعل شيئاً حيالها.. ما يرغب ترامب بتحقيقه حلم لذيذ خال من أي تحرّشات إيرانية، وانكفاءٌ فارسي إلى الداخل، مع تعامل ناعم مع شواطئ الخليج.
لا يبدو أن ترامب يملك خطةً لتحويل حلمه الحريري إلى حقيقة سياسية، لكنه أشعل فتيل البداية، بخروجه من الاتفاق النووي، مع جملة من الإجراءات العقابية، توجت بتهديد إيران بحرمانها من بيع نفطها.
ليس هناك رغبة جادة بتغيير النظام الإيراني، ويعرف الأميركان أن تكلفة تغيير القيادات السياسية بطريقة درامية، كالتي حدثت في العراق باهظة التكلفة، ولذلك يرغب ترامب بحرب استنزاف اقتصادية متسارعة ومؤثرة، تبدأ بالحصار، ولديه داعم أساسي في الخليج، يمكن أن يلعب دوراً فاعلاً في حرب النفط، إضافة إلى الضربات التي توجهها إسرائيل، بشكل أسبوعي تقريباً، إلى أهدافٍ إيرانية في سورية، وهجمات التحالف العربي الذي يحارب في اليمن مجموعاتٍ تدعمها إيران، يمكن أن تشكّل زعزعةً للنفوذ الذي تحاول إيران ترسيخه، ويتطلب منها مزيداً من الاعتمادات المالية الضخمة، وصولاً إلى لحظةٍ تقف فيها عاجزة عن التمويل.
لا تضمن هذه السياسات نهاية سريعة للحرب، ولدى إيران هامش يمكنها أن تتحرّك ضمنه لتلافي مضايقاتٍ كثيرة يُحدثها ترامب وتحالفاته، فتستطيع أن تردّ على التهديد بتهديد مقابل، وقد رد قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، المتجول في المنطقة على تغريدة ترامب التي قال فيها إنه يمكن أن يعاقب إيران بطريقةٍ لم يشهد التاريخ على شاكلتها كثيراً، وهي تغريدةٌ قد تنفع للاستهلاك المحلي، ليمحو بها آثار زيارته فلاديمير بوتين، التي جرَّت عليه انتقادات حارقة، ردَّ سليماني على التغريدة فقال: "نحن مستعدّون وجاهزون وبالانتظار"، ولدى إيران حضن دافئ في الصين والهند، وفي دول بريكس التي يسعدها أن تعد سياساتٍ مخالفةً لترامب، هذا لا يعني أن إيران تستطيع التحرّك بحرية، لكنه يعني أن المنطقة باقية على مرجلٍ غير مستقر، ويمكن أن يدفع هذا الوضع السياسي المستعصي الكونغرسَ الأميركي إلى تشكيل لجنة على غرار لجنة بيكر هاملتون، تقدِّم كاتالوج حل، أو سلسلة خطواتٍ يقوم بها ترامب، ليخرج من مشكلته مع إيران النهمة لمزيد من النفوذ، وهناك قد يكون لإسرائيل موقف لا يستطيع ترامب اتخاذه، وقد لا يكون بوتين أيضاً قادراً على إيقافه، وهو ضرب النقاط داخل إيران التي تغذّي رؤوس الجسور المبنية في المنطقة، بدل الاكتفاء بضرب رؤوس الجسور فقط، كما تفعل حالياً.