ضحك كالبكاء..
يقال: "كثرة الهموم تُضحك"، ولعلّ من ذلك ما تتداوله الأخبار عن قبيلة "حُماة الدين" التي أقام أهلها مؤتمراً، دعوا إليه شتى القبائل، وقرروا أن يحرموا على المرأة أن تقود ناقتها، فذلك، حسب شيوخ القبيلة وكهنتها، يقود إلى فتنة عمياء، تُهدر فيها القيم، ويختلط الحلال بالحرام. وبناءً عليه، فإن الشيوخ أجمعوا على أمرهم، وقرروا أن يصونوا عرض المجتمع من أن تنتهكه بنات حواء، اللاتي يرغبن في قيادة الإبل بمفردهن، من دون وصاية الرجال.
ويبدو أن بنات حواء مصرات على التظاهر في كل حين، حتى تلين قناة الشيوخ، ويسمحوا لهن بامتطاء الجواد، فالحاجة ماسة لذلك، ومتطلبات الحياة تفرض خروج المرأة إلى الحياة، لكي تبني عرش القبيلة جنباً إلى جنب مع الرجل.
طبعاً، استمر الجدل. أحياناً تميل كفّة النسوة، وأحيانا كثيرة تبدو شوكة شيوخ القبيلة مستعصية على الكسر، فهم، في نهاية المطاف، لم يمنعوا النساء إلا خوفاً على دين الأجداد أن "تتخرمه" نوائب الدهر، وأن يعبث به المجوس والذين أشركوا.
إنه لأمر عجب أن يُخشى على الدين من هند أو دعد، وهي تركب ناقتها، ذاهبة آيبة، ولا يُخشى عليه من منجنيق أعدائه الذين يهدمون معالمه، وينسفون مآثره، ويستبيحون حرماته، ويتربّصون بأهله الدوائر.
إنها كوميديا سوداء، تبعث في النفس إحساساً بضآلة أمة، كانت، في يوم من الأيام، تطاول السماء عزّاً، صباحها علم وعمل، مساؤها جد وسهر، كتب أبناؤها من الكتب والمصنّفات ما ينوء أولو العصبة عن حمله، فإذا بها بين عشية وضحاها، تغدو هي والعدم سواء، منشغلة بسفاسف الأشياء.
قديماً قال المتنبي:
أغايةُ الدين أن تحفوا شواربكم يا أمّةً ضحكت من جهلها الأمم