في كل مرةٍ أرى فيها مقطع فيديو لطفلٍ فلسطيني، يُشتم ويُعدم فيه على مرأى ومشهد من العالم، وأنا جالسٌ خلف حاسوبي دون أن أحرّك ساكناً، أشعر بنفسي نذلاً وحقيراً، يَغلي الدم في رأسي، ويصيبني الجنون مثل حيوانٍ محموم.
عندما أنظر إلى هذه الفيديوهات والصّور، تتفجّر الذكريات دفعةً واحدة. إنها لعنة الذاكرة، أرى جنوداً في الانتفاضة الثانية، مدجّجين بالحقد والأوامر العسكريّة، يضربون على باب دارنا بأعقاب بنادقهم "افتخ، افتخ"، يصرخ أخوتي الصّغار من الخوف، يهربون إلى أمي ويختبئون في حضنها. وأمي خائفة أكثر من أولادها، لكنها تتصنّع الشجاعة أمامهم. تدخل عصابة الهاغانا إلى بيتنا، أراهم يبحثون بين صحون المطبخ، وراء خوابي الزّيت وتحت أكياس الطحين، بين ألعاب أخوتي، يمزقون أغطية السرير الوحيد وبطانيّاته، فيتبعثر الصوف في أرجاء الغرفة.
الأطفال هم أكثر الفئات تضرراً في الحرب، لكن هيهات أن يَلتفتَ إليهم أحد. اليوم، يُقتلون بدمٍ بارد أمام عدسات الكاميرا، يندفعون نحو الموت بعد أن أغلَقت الحياة أبوابها، وتركتهم على العتبة عُرضة للخوف والصّقيع. ثمّة من يراهم أبطالاً وأكثر شجاعةً من القاعدِين والانهزاميين كما يسمّيهم، وثمّة من يراهم متهوّرين ومجانين، لا يحسبون عواقبَ ما يقومون به. ترتسمُ الابتسامات على وجوههم، سواء كانوا معتقلين أو شهداء، تُحدث قشعريرة في الجسد، وتتركُ ارتباكاً ووجعاً في القلب، وكأنهم يقولون لنا: هذا هو خيارنا، وذاهبون فيه حتى النهاية.
الاحتلال لا يترك معلومة أو صورة تتسرّب من بين يديه، وكلُّ المواد المصوّرة والتي تصلنا من إعلامه سواء كانت عن تحقيق أو اعتقال أو أعمال تصفية ومداهمات، يجب أن توضع في دائرة الشّك وعدم الأخذ بها، وعلى الباحثين والمختصّين في علم النفس أن يشرحوا ويوضّحوا لنا، لماذا قامت إسرائيل بنشر فيديو التحقيق مع أحمد مناصرة، ثم التصفيات الميدانية لأطفال وفتيات، وآخرها إطلاق النار على طفلتين في شارع يافا بالقدس ما أدى لاستشهاد إحداهن وإصابة الأخرى بجروح خطيرة، ومدى تأثيرها على وعي الفرد الفلسطيني، وتكوينه الفكري والشعوري، فنحن في خضم معركة المعنويات والإرادات والوعي الفردي والجمعي، وأعتقد أننا دخلنا في مرحلة كسر العظم.
وبعيداً عن كل الشعارات والرومانسيات. الحقيقة، أن هذا ليس مكانهم الطبيعي، ثمة طفولة يجب أن يعيشوها، لا أن يُزج بهم بينما تكتفي الفصائل بالتنديد والوعيد والتحريض دون أن تقوم بدورها. على الأهل أن يبعدوا أطفالهم عن هذه المشاهد قدر الإمكان، رغم الفضاء الإلكتروني المفتوح، ومهما حاول الاحتلال أن يقتحم حواسيبنا وقنواتنا التلفزيونية، وينشر عليها ما يوافق غاياته ومصالحه. وللأسف الشديد، ثمّة من يتماهى مع الرواية الإسرائيلية وخصوصاً عمليات الطعن، والتي تكون عبارة عن تصفيات ميدانية وقتل بناءً على النية، ثم تحظى الفيديوهات المسرّبة بمشاهدات كبيرة جداً. يبدو أن المجتمع الفلسطيني أصبح حقل تجارب للمخابرات الإسرائيلية، مستباحاً إعلامياً دون وجود أي وعي بما يصلنا من مواد مصورّة، وهذا ما يبدو جليّاً في صفحاتنا الفيسبوكيّة، وأحاديثنا اليومية.
عموماً، الأمر بحاجة إلى مزيد من اليقظة، والمشكلة تتجاوز وعي الأفراد، إلى غياب الحضور الفاعل من الخبراء والمحللين والإعلاميين، وكما نسمع دعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، على الفلسطينيين أن يعلنوا الحرب على الفيديوهات والصّور والتقارير الإعلامية الإسرائيلية.
(فلسطين)
عندما أنظر إلى هذه الفيديوهات والصّور، تتفجّر الذكريات دفعةً واحدة. إنها لعنة الذاكرة، أرى جنوداً في الانتفاضة الثانية، مدجّجين بالحقد والأوامر العسكريّة، يضربون على باب دارنا بأعقاب بنادقهم "افتخ، افتخ"، يصرخ أخوتي الصّغار من الخوف، يهربون إلى أمي ويختبئون في حضنها. وأمي خائفة أكثر من أولادها، لكنها تتصنّع الشجاعة أمامهم. تدخل عصابة الهاغانا إلى بيتنا، أراهم يبحثون بين صحون المطبخ، وراء خوابي الزّيت وتحت أكياس الطحين، بين ألعاب أخوتي، يمزقون أغطية السرير الوحيد وبطانيّاته، فيتبعثر الصوف في أرجاء الغرفة.
الأطفال هم أكثر الفئات تضرراً في الحرب، لكن هيهات أن يَلتفتَ إليهم أحد. اليوم، يُقتلون بدمٍ بارد أمام عدسات الكاميرا، يندفعون نحو الموت بعد أن أغلَقت الحياة أبوابها، وتركتهم على العتبة عُرضة للخوف والصّقيع. ثمّة من يراهم أبطالاً وأكثر شجاعةً من القاعدِين والانهزاميين كما يسمّيهم، وثمّة من يراهم متهوّرين ومجانين، لا يحسبون عواقبَ ما يقومون به. ترتسمُ الابتسامات على وجوههم، سواء كانوا معتقلين أو شهداء، تُحدث قشعريرة في الجسد، وتتركُ ارتباكاً ووجعاً في القلب، وكأنهم يقولون لنا: هذا هو خيارنا، وذاهبون فيه حتى النهاية.
الاحتلال لا يترك معلومة أو صورة تتسرّب من بين يديه، وكلُّ المواد المصوّرة والتي تصلنا من إعلامه سواء كانت عن تحقيق أو اعتقال أو أعمال تصفية ومداهمات، يجب أن توضع في دائرة الشّك وعدم الأخذ بها، وعلى الباحثين والمختصّين في علم النفس أن يشرحوا ويوضّحوا لنا، لماذا قامت إسرائيل بنشر فيديو التحقيق مع أحمد مناصرة، ثم التصفيات الميدانية لأطفال وفتيات، وآخرها إطلاق النار على طفلتين في شارع يافا بالقدس ما أدى لاستشهاد إحداهن وإصابة الأخرى بجروح خطيرة، ومدى تأثيرها على وعي الفرد الفلسطيني، وتكوينه الفكري والشعوري، فنحن في خضم معركة المعنويات والإرادات والوعي الفردي والجمعي، وأعتقد أننا دخلنا في مرحلة كسر العظم.
وبعيداً عن كل الشعارات والرومانسيات. الحقيقة، أن هذا ليس مكانهم الطبيعي، ثمة طفولة يجب أن يعيشوها، لا أن يُزج بهم بينما تكتفي الفصائل بالتنديد والوعيد والتحريض دون أن تقوم بدورها. على الأهل أن يبعدوا أطفالهم عن هذه المشاهد قدر الإمكان، رغم الفضاء الإلكتروني المفتوح، ومهما حاول الاحتلال أن يقتحم حواسيبنا وقنواتنا التلفزيونية، وينشر عليها ما يوافق غاياته ومصالحه. وللأسف الشديد، ثمّة من يتماهى مع الرواية الإسرائيلية وخصوصاً عمليات الطعن، والتي تكون عبارة عن تصفيات ميدانية وقتل بناءً على النية، ثم تحظى الفيديوهات المسرّبة بمشاهدات كبيرة جداً. يبدو أن المجتمع الفلسطيني أصبح حقل تجارب للمخابرات الإسرائيلية، مستباحاً إعلامياً دون وجود أي وعي بما يصلنا من مواد مصورّة، وهذا ما يبدو جليّاً في صفحاتنا الفيسبوكيّة، وأحاديثنا اليومية.
عموماً، الأمر بحاجة إلى مزيد من اليقظة، والمشكلة تتجاوز وعي الأفراد، إلى غياب الحضور الفاعل من الخبراء والمحللين والإعلاميين، وكما نسمع دعوات لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، على الفلسطينيين أن يعلنوا الحرب على الفيديوهات والصّور والتقارير الإعلامية الإسرائيلية.
(فلسطين)