طالب رئيس حزب "البناء والتنمية" في مصر، طارق الزمر، السلطات المصرية بإعلان تنظيم "بيت المقدس" تنظيماً إرهابياً، واصفاً إياه بـ"تنظيم بيت السيسي الذي يخدم الانقلاب". وكشف الزمر، في حوار مع "العربي الجديد"، أن هناك مساعٍ لتشكيل "كيان موحد للقوى الثورية سيتم الإعلان عنه قريباً"، على أن يكون "تحالف دعم الشرعية" جزءاً منه. وحمّل الزمر الرئيس المعزول محمد مرسي مسؤولية "تمكين الثورة المضادة بحسن نية"، وذلك بسبب عدم نزوله إلى ميدان التحرير، ومطالبة الشعب بمساندته في مواجهة "مؤسسات الدولة العميقة".
وبالنسبة للزمر، فإنّ وزير الدفاع المستقيل، المرشح الرئاسي، عبد الفتاح السيسي، هو "امتداد لنظام جمال عبد الناصر الذي لم يورث مصر سوى الفقر والجهل وامتداده ورّثها اتفاقية كامب ديفيد ". ودعا الزمر السيسي إلى إعلان استيلائه على كرسي الرئاسة بالتزكية، نظراً لأنه المرشح الأوحد لانتخابات محسومة مسبقاً.
* كيف قرأتم في "التحالف" ترشيح المشير عبد الفتاح السيسي للرئاسة؟
- إعلان السيسي عن ترشحه بالبزّة العسكرية يؤكد موقف تحالف دعم الشرعية الذي يفيد بأن ما حدث في الثالث من يوليو/تموز هو انقلاب صريح من قبل المؤسسة العسكرية على أول رئيس مدني منتخب. ويشدد على أن دعم المجلس الأعلى للقوات المسلحة لترشح السيسي يؤكد أن العسكر يتعاملون كحزب سياسي، أي أن السياسة في مصر اليوم تُمارس من قبل كل من يحظر عليه العمل السياسي، أي الجيش والشرطة والأزهر والكنيسة، بينما تُقابل تحركات القوى السياسية والثورية بالرصاص والقتل.
* كيف تتوقع أن تتمكن تحركات الشارع المصري من إعادة الوضع إلى مساره؟
- تصورنا أن الحراك الشعبي الحالي الذى يعد امتداداً لثورة يناير، هو القوى الفاعلة في مصر اليوم، وهو الذي يرسم خريطة المستقبل، وما يقوم به الآخرون هو خارج القانون وخارج ارادة الشعب المصري، وأتصور أن الجيل الذي يقتل في الشوارع الآن هو الذي سيقضي على الانقلاب.
* من أوكل إليكم الحديث باسم ارادة الشعب؟
- هناك قدر كبير من التضليل الإعلامي وإعلام من اتجاه واحد، والعمل الممنهج لغسيل دماغ قطاع من الشعب المصري، ولكن الممارسات اليومية للانقلاب تعيد الاستفاقة للمصريين والقوى الثورية والسياسية، وأستطيع أن أقطع أن عدد الملتفين حول الثورة يتزايد يومياً.
* هل تتوقع ظهور مجموعات تتعامل مع السيسي بنفس منهجكم في التعامل مع الرئيس الراحل أنور السادات؟
- السيسي وطاقم قيادته هم مجموعة مخابراتية تفكر بشكل بوليسي ليس له علاقة بالسياسة أو القانون، وأحد أهدافهم الرئيسية أن يجروا قطاعاً من الشباب نحو العنف، وهذا سيكون المكسب الحقيقي للانقلاب بما يمكنه من توجيه خطاب للعالم بأنه يحارب الارهاب، وأتصور أنه من الخطأ الفادح أن يتم عسكرة تلك الثورة. أنا شاركت في اغتيال السادات، ولكن هل باغتيال السادات تم التخلص من نظامه؟
بين العسكرة والدفاع عن النفس
* لكن هناك أصواتاً من التيارات الإسلامية تدعو إلى عسكرة الثورة.
- بالفعل هناك أطراف هامشية وتمثل حالات فردية، وإنما القيادة المركزية لتحالف دعم الشرعية، تؤكد على السلمية، لأنها تدرك أن السلمية هي القوة الضاربة لهذه الثورة.
* لكن هل حرق سيارات الشرطة والجيش تعبر عن تلك السلمية؟
- لا نتمنى اللجوء لأي شكل من هذه الأشكال، لكن علينا أن نقدر حالة الشعب الذي يُقتل في الشوارع، وكل المواثيق الدولية تنص على حق الإنسان في الدفاع عن نفسه، ويمكن تفهم تلك التصرفات الفردية عن حالة رفض لهذا النظام.
* لماذا لم يصدر عن تحالف دعم الشرعية بيان يتنصل فيه من تنظيم "بيت المقدس"؟
- أستنكر كل عمليات العدوان والاعتداء الممنهج على القوات النظامية، لأنها جزء من الشعب المصري، ويجب أن تعود للشعب المصري، وهناك محاولة لتوريطها في قتال المصريين. ما يحدث في سيناء أتصور أنه افتعال لهذه المعركة بهدف توجيه رسالة للغرب مفادها أن النظام الحالي في سيناء يحمي إسرائيل، بالتالي ادعموني.
نحن نطالب هذا النظام بأن يعلن تنظيم بيت المقدس تنظيماً ارهابياً، وأتصور أنه "بيت السيسي" ويعمل لحساب السيسي، كما يعمل محمد دحلان في سيناء من خلال رجاله لتمكين هذا الانقلاب، وأنا أتهم رجال دحلان ورجال الحزب الوطني بالسعي إلى إشعال سيناء من أجل تبرير الانقلاب والإبقاء عليه.
* كيف تقيمون كلام الرئيس المؤقت عدلي منصور خلال القمة العربية مناشداً إسرائيل لرفع الحصار عن غزة؟
- السياسة الخارجية المصرية لم تتغير عن صياغات مبارك، وهي سياسة كامب ديفيد وقمع الحريات والفقر، وكل الأداء السياسي والاقتصادي السيئ هو نتاج كامب ديفيد. هذا النظام هدفه هو حماية كامب ديفيد وإسرائيل، حتى ولو باعوا نصف مصر، وهذا النهج يقوم على تجويع وقهر الشعب المصري حتى لا يفكر في السياسة.
* لكن ألا ترى أن التيار الإسلامي مسؤول كذلك عن بقاء نظام كامب ديفيد، وخصوصاً أنه كان صاحب الغالبية في صياغة الدستور المصري الجديد، الذي نص على الالتزام بالاتفاقيات الدولية؟
- أتصور أن الاتفاقيات لا يتم تعديلها بين يوم وليلة، أو إلغاؤها، لكن كان هناك اتجاه لتعديل هذه الاتفاقية عن طريق مجلس الشعب، وعبر إجراء استفتاء شعبي عليها، لكي لا تبقى سيفاً على رقاب المصريين، لكن الفترة التي قضاها الرئيس مرسي في الحكم لم تمكنه من ذلك.
* لماذا شعر أبناء التيار الإسلامي بالنشوة لإعلان السيسي عن ترشحه؟
- هذه رؤية فطرية صحيحة، بمعنى أن القوى المتنفذة كانت ترى أن السيسي يقوم بادارة الانقلاب من خلف الستار، ومن الآن سيبدأ السيسي بتحمل كل مسؤولية التدهور السياسي والاقتصادي منذ إعلانه عن عزمه السطو على هذا الكرسي.
* يعني ذلك أن هناك رهاناً أن عمر الانقلاب قصير؟
- بالتأكيد فهذا الانقلاب هو زوبعة في فنجان، وسيكون أقصر الانقلابات عمراً، بل وأطرف الانقلابات.
* هل ستشاركون في الانتخابات الرئاسية؟
- كلا، فما بُني على باطل فهو كذلك، وعلى السيسي إعلان استيلائه على الكرسي بالتزكية ومن دون انتخابات محسومة النتيجة مسبقاً.
* ما هي رؤية التحالف في حال سقوط الانقلاب؟
- لدينا رؤية متكاملة سواء لمواجهة الانقلاب، أو بعد القضاء عليه، والخطوة التي يجري التحضير لها هي توحيد كافة قوى الثورة أو قوى 25 يناير لإدراك الجميع أننا لن ننجح في كسر الانقلاب إلا بالتوحد الذي أسقط نظام مبارك، ولن يسقط النظام إلا باجتماع هذا القوة.
* هل نظرة الشراكة التي تتحدث عنها هي نظرة تكتيكية أو استراتيجية؟
- أتصور أن السنوات الثلاث الماضية أكدت أن الخطأ الرئيسي هو التفريط بوحدة صف 25 يناير لأنها الثغرة التي عادت منها الثورة المضادة، لذلك يجب إغلاق تلك الثغرة والاتفاق على كافة الأولويات والتصور المستقبلي لشكل الدولة وتركبية البرلمان، ولدينا العديد من التصورات حيال ذلك.
* لكن هناك حالة من عدم الثقة ونظرة تشكيك تجاه التيار الإسلامي.
- نحن بحاجة لبلورة رؤية شاملة، والوصول إلى كافة الاتفاقيات والضمانات التي لا تخل باستمرار الثورة وتحقق شعارتها وأهدافها.
* هل بدأتَ التواصل مع بعض القوى السياسية من أجل هذا الهدف؟
- نعم وهناك تفاعل واسع، لكن هناك بعض العراقيل، منها عدم الثقة وعدم اكتمال الرؤية المستقبلية.
* هل معنى ذلك أن هناك ملامح بروز كيان جامع قبل الانتخابات الرئاسية؟
- نسعى لذلك، ونحن اليوم في مرحلة الحديث بالشفافية ووضع التصورات لدولة ما بعد الانقلاب، وتلك الامور لن تُنجز إلا بالتوافق الكامل.
* كيف قرأت تصريحات جمال حشمت حول إعلانه عن استعداد الإخوان المسلمين لـ"التراجع خطوة للوراء"؟
- هي رغبة مناسبة بغض النظر عن الصياغات أكانت موفقة أو غير موفقة، وأتصور أنه يجب أن يكون هناك تنازلات اليوم من جميع القوى الثورية، لكن طبيعتها وحجمها سيحدده الحوار، وهدفها تمكين الثورة.
* لكن غالبية القوى الثورية على استعداد للتوافق شرط إسقاط مطلب عودة الرئيس المعزول.
- أعتقد أن هناك تصورات يمكن أن تجمع الفرقاء في هذه القضية، ولا تخلّ في الوقت ذاته بثورة يناير وهي بالفعل محل مناقشة حالياً.
* وصفت الانقلاب بزوبعة في فنجان، لكن إلا ترى أن ثمن مقاومته غالٍ؟
- هذا صحيح، وأنا متألم جداً لحجم التضحيات التي قدمها المصريون خلال السنوات الثلاث، وخصوصاً بعد الثالث من يوليو/تموز، وكان يمكن تجنب تلك التضحيات وهذه مسؤولية يتحملها الجميع، وإن كان التيار الإسلامي يتحمل الجزء الأكبر منها باعتباره التيار الأكبر، وكان يمكن أن يطرح رؤية مبكرة لتجميع الفصائل لقهر الثورة المضادة قبل أن تنجح في 3 يوليو، وكل تيار يتحمل المسؤولية بقدر وزنه في الشارع.
* كيف كان يمكن تجنب هذا السيناريو؟
- كانت هناك إجراءات يجب اتخاذها والتوافق عليها قبل انتخابات الرئاسة، وتفعيلها عقب وصول مرسي للحكم، وفي مقدمتها وضع برنامج عملي لاستكمال أهداف الثورة، وكان يمكن اتخاذ عدد من القرارات الهامة من خلال موقع الرئاسة، ولو اتُخذت لكان تأثيرها أكبر من حركة الملايين في الشارع. هذا هو الخطأ الجسيم الذى وقع فيه الرئيس مرسي حينما ركن إلى تصور أنه يمكن أن يكمل الثورة بالتصالح مع قوى الثورة المضادة والدولة العميقة في الوقت الذي كانوا يتآمرون عليه. اطمأنّ مرسي إلى أنه رئيس منتخب لا يستطيع أن يزيحه أحد من منصبه، وهذا خطأ جسيم، إذ إن الرئيس المنتخب مجرد أداة لا بد أن تُفعَّل لحماية الثورة والمجتمع. كانت قوة الرئيس في القصر مستمدة من الشعب، وفي 12 أغسطس/آب، بعد قرار إقالة المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، ارتفعت شعبية مرسي من 52 إلى 75 في المئة، وكانت تلك رسالة بأن الشعب يقول للرئيس أكمل ونحن معك، ولو نزل الرئيس مرسي لميدان التحرير، وقال إنني مفوَّض من الشعب ومؤتمن عليه، وإن مؤسسات الدولة العميقة تعيقه عن القيام بتلك المهمة، وإنه لا بد من معاونته شعبياً لتطهير تلك المؤسسات أو الاستقالة.
* هل تشعرون بوزر دماء الشهداء التي تتساقط نتيجة الاستجابة لدعوات تحالف دعم الشرعية؟
- لو كان التخلص من هذا النظام وزراً، فإن سقوط الشهداء إثم، وكل من يضحي يفعل ذلك مختاراً، وتضحيات الفتيات والنساء هي أشرف تلك التضحيات، وثورة مصر الحالية هي أعظم من ثورة 1919 من حيث المدى والعمق والتضحيات.
* كيف خرجتم من مصر؟
- خرجت لأنني لم أجد مكاناً للبقاء فيه بعدما عاد النائب العام الأسبق ليصدر قراراً بشأن منعي من السفر، نظراً لرفضي بقاءه في منصبه. لم يكن أمامي سوى خيارين: الخروج، أو السجن، بالتالي لا يكون لي دور في مساندة تلك الثورة ونقل المظالم إلى الخارج، ولم يحن الوقت بعد للاعلان عن تفاصيل رحلة الخروج التي جرت قبل فض اعتصام رابعة. حاولت أسرتي الخروج من مصر قبل شهرين، لكنها مُنعت من السفر من دون أي مبرر.
* نفيت حدوث لقاء مباشر مع محمد البرادعي، لكن هل بالفعل كانت هناك مبادرات لاقت قبولاً نسبياً من قبل وسطاء؟
- كانت هناك تحركات، ولكن جميع المبادرات تعبر عن وجهة نظر العسكر، وتقول ما يقوله العسكر، من الاعتراف بخريطة الانقلاب، ورفضنا لأنها نقطة سوداء في تاريخ مصر، ما كان ليغفرها لنا الشعب المصري، والانقلاب شعر بالخطر من استمرار المنصات في الميادين والتي كان العالم كله يراقبها، وكانت تعطي رسالة لرفض الشعب المصري للانقلاب، ولم يكن أمام الانقلاب سوى البطش بتلك المنصات التي ستقضي عليه.
* هل هناك إعادة نظر في مشروعكم الإسلامي؟
- اليوم أصبح هناك مشروع الثورة والتحرر من كل قيود الاستبداد، والهدف الإسلامي الأول هو تحرير الشعب المصري من الظلم، ثم تحقيق العدالة الاجتماعية، وهي أولويات المشروع الإسلامي، وإذا ابتعدنا عن المصطلحات، فسنجد توافقاً مع الجميع.
* هل سيقبل التيار الإسلامي برئيس مدني بعيداً عن التيار الإسلامي في حال سقط النظام الحالي؟
- هذا ما كان يطالب به حزب البناء والتنمية قبل الانتخابات الرئاسية، ولذلك دعمنا عبد المنعم أبو الفتوح في المرحلة الأولى، ونحن مع أن يكون الرئيس المقبل بعد كسر الانقلاب مدنياً.