طارق متري لـ"العربي الجديد": ليبيا غير مهدَّدة بالتقسيم

بيروت

ثائر غندور

avata
ثائر غندور
بيروت
أرنست خوري
أرنست خوري
مدير تحرير صحيفة "العربي الجديد".
10 يوليو 2014
69C153BC-3067-4CA3-BC01-E4CD30E594E1
+ الخط -

لا يبدو رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، طارق متري، نادماً على توليه مهمته الشاقة، رغم أنه قلق ومتعب إلى حدود اليأس. يقرأ متري، في حوار شامل مع "العربي الجديد"، الوضع الليبي بتفاصيله، والثورات العربية، ويعرّج بكلمتين على الملف اللبناني.
الدبلوماسي اللبناني، الذي تولى وزارات عدة، من الخارجية إلى الاعلام والثقافة، لن يستقيل على وقع الحملات التي تشنّها قوى ليبية عليه، بل سيعود إلى بلده فور انتهاء ولايته في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. هو قلق جداً على ليبيا، لكنه لا يخشى كثيراً تقسيمها. كما أنه يرى مبالغات في الحديث عن التدخل الخارجي في ليبيا، ويرى المشكلة الحقيقية في التنظيمات الليبية نفسها.


* هل يمكن وصف ليبيا اليوم بأنها نموذج لـ"الدولة الفاشلة"؟


- يطرح الليبيون باستمرار هذا السؤال، وأحاول أن تكون إجابتي مهذبة لكن دقيقة: ليبيا بلد بناء الدولة فيه متعثر، لأنه لم يكن هناك مؤسسات تعمل في ليبيا، بل قوى مسلحة تحتكر السلاح، والمؤسسات لا تعمل بصورة منتظمة.
أحياناً أميل الى القول إن ليس فقط بناء الدولة متعثر في ليبيا، إنما طبيعة النزاع السياسي الحالي يزيد من تعثر البناء، لأن التعامل مع الدولة يتم على اعتبار أنها غنيمة، والنزاع الحالي لا يميز بين السلطة والدولة. وغالباً ما أقول لليبيين أنتم في ليبيا (القوى السياسية) تتصارعون على السلطة قبل بناء الدولة.

* هل تشعر الأمم المتحدة بالقلق إزاء احتمال التقسيم في ليبيا؟ هل ترون أن ذلك وارد، وأنه قابل للحياة بين شرق وغرب وجنوب؟

- بدايةً، لا أعتقد أن هناك مخططاً أو مؤامرة لتقسيم ليبيا، ولا جهة سياسية في ليبيا تنادي بالانفصال، بل هناك فدراليون في الشرق، لديهم نفوذ يتنامى، ولكنهم لا يزالون أقلية.
والفدراليون في ليبيا ثلاث فئات: الفئة التي تذهب إلى حد المناداة بالانفصال، وهؤلاء تحديداً موجودون في مدينة برقة، التي يعتبرها أهلها ذات خصوصية تاريخية. ثم هناك فئة تريد نظاماً فدرالياً فعلياً. وأخيراً فئة اللامركزيين، الرافضين للنظام الاداري شديد المركزية في ليبيا، وهناك إحساس عند هؤلاء بالهامشية والدونية في الشرق والجنوب. ففي الشرق، اعتزاز بانطلاق الثورة من عندهم، وهناك شكوى من أن النفط، حقولاً ومنشآتٍ، موجود في الشرق، ولكن لا تستفيد منه هذه المنطقة بالشكل الكافي، فضلاً عن سوء توزيع الثروة الوطنية بين المناطق، وواقع أن التنمية في الجنوب لا تزال في أطوارها الاولى. مشاعر الشكوى هذه لا تؤول إلى التقسيم لأن القوى السياسية والمسلحة عابرة للمناطق، فضلاً عن أهمية عامل اجتماعي
يصعّب التقسيم؛ فخلال العقود الماضية، تمدّنت القبائل في الريف والمدن الصغيرة، وتوزعت على مدن ليبيا الكبيرة كلها. حتى بنغازي ومصراتة اللتان توصفان بأنهما متعاديتان، بات معظم سكان بنغازي أصولهم مصراتية.
إذا لم تُقَسَّم ليبيا، فذلك لا يعني أن الحياة الوطنية فيها تسير بانسجام بين المناطق والجهات، بل ستبقى النعرات الجهوية والخلافات السياسية التي ستتخذ شكلاً جهوياً.

* كيف تفسّر انطلاق الحملة على البعثة الخاصة للأمم المتحدة بهجوم لاذع في ليبيا، وعلى شخصك بعد دعوة الحوار الأخيرة والتي كان من المفترض أن تتم قبيل انتخابات مجلس النواب؟

- أعرف الظاهر، لكن لا أعرف ما هو مخفي. بين وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام في ليبيا، علاقة وثيقة، إذ يكفي أن يكتب شخص ما على صفحته في "فيسبوك" رأياً او شتيمة، لتنطلق حملة كاملة تتضمن وقائع لا أساس لها.

كل مرة نصدر فيها بياناً، نطلب من الليبيين قراءته للاطلاع على الموقف الحقيقي لبعثة الأمم المتحدة، لكننا قلما نلقى تجاوباً، فنتعرض لحملات بناءً على جملة على "فيسبوك" مثلاً.
ما حصل بشأن دعوتنا لحوار بين الفرقاء الليبيين، أنني كنت مكلفاً القيام بمساعي حميدة لحوار وطني حول أولويات بناء الدولة في ليبيا ونزع فتيل التوتر. وسبق أن دعينا في الماضي لجلسات حوار سياسي يضم كافة قادة الاحزاب. وقد رحبوا بذلك وعبروا عن سرورهم إزاء دوري، لكوني وسيطاً نزيهاً، وهو ما يمليه علي منصبي وقناعتي الشخصية. كنت حريصاً على أن أكون ميسراً للحوار، من دون تفضيل طرف على آخر.

قبيل 25 يونيو/حزيران الماضي، موعد الانتخابات البرلمانية، اتُّهمنا بفرض الحوار لإنقاذ الإسلاميين، بينما كل الأطراف السياسية طالبت بالحوار. كنتُ أقوم بوساطات موضعية لإلغاء احتمالات المواجهات المسلحة، وكنت أدعو للتعقل وحل المشكلات السياسية في إطار سياسي، وهذا كل ما أقدر عليه. وقبل الانتخابات، وبغية تلطيف الأجواء، طالبتني الأطراف بالدعوة للحوار، فجلتُ على الأطراف السياسية كافة وأخذت موافقتها، إضافة إلى دعم عربي وتفويض من مجلس الأمن.
حدّدنا الموعد (18 و19 يونيو/حزيران الماضي)، ثم ترددنا بشأن مكان إقامة الحوار في الخارج كجنيف مثلاً. ولكن مراعاة لحساسية الليبيين، قررنا إقامته في طرابلس.

أعددنا وثائق تحضيرية، وحضّرنا مشروع إعلان مبادئ للعمل السياسي كون الغالب في ليبيا هو ممارسة السياسية من دون قواعد. ثم بدأنا نحدد أوراق العمل غير الرسمية حول المواضيع الخلافية كمسودات، وفي بالنا رفض لفرض أي أمر على أي طرف. هنا، تذرّع البعض بأن إحدى الوثائق توحي، بناءً على تأويله، بأننا من دُعاة تأليف حكومة وحدة وطنية بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فاتُّهمت بالسعي إلى "اللبننة" والترويج للديموقراطية التوافيقة. الواقع أن العبارة التي فُسِّرَت خطأً، كانت تنص على قيام حكومة ذات تمثيل شعبي واسع. وهو أمر طبيعي في بلد مقسّم. والعبارة كانت قابلة للتعديل، لذلك أقول إنها كانت ذريعة للقول إن طارق متري هو السلاح الخفي للاخوان والاسلاميين ولقطر، التي كنتُ قد زرتها قبل فترة من ضمن جولة على جميع الدول المعنية بالملف الليبي. إنها حالة هذيان... هذيان حقيقي، فقبل زيارة الدوحة، اجتمعت مع (رئيس حركة النهضة في تونس) راشد الغنوشي وقبله (وزير الخارجية المصرية السابق) نبيل فهمي في القاهرة، وفي الامارات مع الشيخ عبد الله بن زايد... لكنه الهذيان.

الحملة ضدي تافهة، لكن الهذيان لا يطول، لأن من يهذي يتعب سريعاً. تفسيري للحملة الموجهة ضدي وضد بعثة الأمم المتحدة هو أن هناك قوة سياسية غيّرت رأيها بالحوار، بعدما صدر قرار المحكمة العليا ببطلان شرعية حكومة أحمد معيتيق، وانطلاق الحملة العسكرية للواء المتقاعد خليفة حفتر، فاعتبروا أن ميزان القوى تغير، وأن ذلك سينعكس لمصلحتهم في الانتخابات، بالتالي فإنّ الحوار يخدم الضعيف ضد القوي. بناءً عليه، اعتبر هؤلاء أن الحوار سيخدم الاسلاميين، وبالتالي فإن دعوة الحوار هي لإنقاذ الاسلاميين من هزيمة ساحقة ماحقة في الانتخابات.

ما استفزهم حقاً أنه في إعلان المبادئ الذي حضّرناه، قلنا بالتزام جميع الأطراف الإحجام عن استخدام لغة الكراهية والشجار والحملات الاعلامية. فاتهمتني وسائل الاعلام التي لا تعتاش إلا على الشتائم، بأنني أمارس كمَّ الأفواه.
والسبب الحقيقي هو اعتقادهم بتغير موازين القوى وأن الحوار سيأتي لمصلحة الجهة الاضعف، أي الاسلاميين. وفي مقابل هجوم الطرف الأول عليّ، خرج عبد الحكيم بالحاج وأشاد بالمبادرة، فأشاروا عليّ بالبنان، كما خرج الاخوان المسلمون للإعراب عن احترام دور الأمم المتحدة، وهو ما تم تفسيره ضدي أيضاً.

* هل سيستمر طارق متري على رأس البعثة الأممية، بعد هذه الحملة ضدك، أم أنك ستستقيل من مهمتك؟

- لن أستقيل. تنتهي مهمتي في شهر أكتوبر/تشرين الاول، وعندها أغادر عائداً للتدريس في الجامعة الأميركية في بيروت، ولن أوافق على التمديد لمهمتي. عندما وافقت على تولي المهمة في ليبيا، ظننت أن المهمة ستكون محدودة الأجل لعام واحد، وقد ترددتُ عند التمديد لعام آخر. تعبت جسدياً وعصبياً، ولكن من سيستلم هكذا مهمة لا ينظر للتعب، فأنا لستُ ممثل الأمين العام في سويسرا، بل في ليبيا!

لم تعد لدي قناعة أن مهمة الأمم المتحدة مثلما هي اليوم، قادرة على الاستمرار، لذلك سأرفع اقتراحات إلى الأمم المتحدة حول المهام المقبلة والمطلوبة من البعثة وحجمها، ولا أنصح أحداً بخلافتي في ظل ظروفنا الحالية. حتى حَرَساً لا نملك، وفي ظل المواجهات المسلحة، نحن عرضة للقذائف وللخطف والسرقة، والأمم المتحدة لم تعط نفسها وسائل الحماية الكافية، وحجم البعثة لا يزال صغيراً، يتألف من 300 شخص فقط مجردين من الحماية. 300 شخص لهكذا مهمة جبارة، فكيف نبني الدولة والمؤسسات والشرطة، والجيش والقضاء والادارة ونطلق المساعي الحميدة؟
نحن بحاجة لشريك ليبي، لا نستطيع بناء الدولة من وراء ظهر الليبيين، والشريك الحكومي هو نظري فقط؛ مثلاً عندما ننظم ندوات، تحضرها غالبية ساحقة من الأجانب، مما يُظهر ضعف المشاركة الليبية. في المقابل، يطالبوننا بالكثير من دون أن يتعاونوا معنا بشكل كافٍ.

* ألا تشعر بالتهديد الأمني على شخصك وعلى البعثة؟

- أحياناً أشعر بذلك، ولكن رغم الحملات لا أعتقد أن أي ليبي يعتبر في قرارة نفسه أن الامم المتحدة عدوّ له. حتى أنني اتخذتً قراراً بترحيل 60 من أعضاء البعثة بعد وصول المعارك ليل الاثنين ــ الثلاثاء إلى بعد مئات الأمتار عن مقر البعثة، وتساقط القذائف بالقرب منا، ونحن لا نملك ملاجئ ولا سلاحاً.

* مَن خطره أكبر على الطرف الآخر، الخطر الليبي على دول الجوار، أم خطر دول الجوار على ليبيا؟

- لا شك أن تونس والجزائر ومصر تعتبر أن انفلات الوضع الأمني في ليبيا خطر عليها، والأكثر تأثراً هي تونس التي زرتها، وقد شعر الجميع فيها، إسلاميون وغير إسلاميين، بتأثير الاضطرابات الليبية بشكل كبير وثقيل. المصريون لا يريدون دولة فاشلة على حدودهم، ويعتبرونها مشكلة أمن قومي. أما الجزائريون، فلا يتحدثون كثيراً عن الأمر، ويعتبرون أن ما يجري خطير، وهم الأكثر حزماً في ضبط الحدود. تونس غير متهمة في التدخل إلا في الأطر الحوارية وطرح المبادرات، كمحاولات توسُّط راشد الغنوشي في الأزمات.

لا مؤشرات على تدخل مصر والجزائر في ليبيا، وهناك حديث من دون أدلة عن دعم مصري لبعض الأطراف الليبية، ولكنني لا أرجّح أن تتدخل مصر بشكل مباشر في ليبيا، ذلك أن هناك حسابات عديدة ومعقدة لا تُختصر بالمصالح السياسية، إذ لا يمكن للقاهرة أن تخاطر بمليوني مصري يقيمون حالياً في هذا البلد. كما أن هناك قوتين أخريين، هما قطر والإمارات، وهناك مبالغة في حجم الدور الذي ينسب لهما.


* ما هو تقييم الأمم المتحدة لخطر الجماعات الاسلامية المتشددة في ليبيا؟

- إن بلداً مثل ليبيا لا دولة حقيقية فيه، وحدوده سهلة الاختراق، من السهل تحويله لأرض منازلة، ولنشاط الاستخبارات الأجنبية وللمسلحين من أصحاب الولاءات المتنوعة، والحركات الاسلامية المتشددة التي باتت لها معاقل في ليبيا. مثلاً، هي موجودة بقوة في درنة، وفي أوباري يُحكى عن تواجد مقاتلي القاعدة الذين حاربوا في مالي. كل ما استمر ضعف الدولة وتهريب السلاح من وإلى ليبيا، كلما تنامى وجود هذه الجماعات.

* ما هو موقف بعثة الأمم المتحدة من "عملية الكرامة" العسكرية التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في بنغازي منتصف مايو/أيار الماضي، وهل أنتم على اتصال مع حفتر أو أحد المقربين منه؟

- قلتُ أمام مجلس الأمن أن الجنرال المتقاعد حفتر يقود حركة في بنغازي ويلاقي تأييداً في أوساط ليبية واسعة، لأن حفتر يقدم نفسه كمنقذ من حالة اللااستقرار الأمني الذي تسبب به الإسلاميون المتطرفون. كما قلت في المقابل إن ما قام به حفتر هو انقلاب من وجهة نظر فئات أخرى. وكانت هذه الكلمة جزءاً من الحملة ضدي.

لم نتواصل مع حفتر سوى مرة بطريقة غير مباشرة، وإذا أرسل لنا موفداً، فسنستقبله.

* مَن يدعم الجنرال حفتر؟

- بصراحة، في أحاديث طويلة مع الاماراتيين، لم نأتِ على ذكره. لم أشعر لا في مصر ولا في الامارات، بدعم مفتوح لحفتر أو رهان على انتصاره.

* كيف تقيّم بعثة الأمم المتحدة الانتخابات البرلمانية الأخيرة في ليبيا؟ هل ترون أن البرلمان الجديد قادر أن يكون تأسيسياً فعلاً لمرحلة أفضل من السابق؟

- في الانتخابات، تم تسجيل عزوفين: عزوف عن تسجيل الناخبين، إذ تسجل في العام 2012 مليونان وسبعمئة ألف ممن يحق لهم التصويت، أما هذا العام فسُجل مليون ونصف المليون فقط. كما هناك عزوف عن الاقتراع، إذ اقترع 600 ألف، في مقابل مليون وسبعمئة الف في العام 2012.

عمر البرلمان الحالي سيكون حوالي عام واحد، وهي الفترة التي قد تستغرق إقرار الدستور. واقع الأمر أن البرلمان سيفتتح مرحلة انتقالية ثالثة بانتظار ولادة الدستور. وخلال هذه الفترة، يتوقف بناء الدولة على قدرة البرلمان على العمل والحكومة التي ستنبثق عنه.

* هل أنت متفائل إزاء مستقبل ليبيا؟

- لا أرى في الواقع الليبي اليوم ما يبدد قلقي، لأن القوى تلجأ للقوة لحل النزاعات السياسية، كما أن لا خطوات أُنجزَت لبناء الجيش والتفاوض مع الثوار بشأنه.
انتهت الانتخابات، لكن المعارك مستمرة. التوازن لا يزال قائماً لأن الكل يدرك أنه لا يستطيع الحسم عسكرياً لمصلحته، وبالتالي الحرب الأهلية الشاملة احتمال ضعيف، لكن استمرار الوضع كما هو يفكك البلد والمؤسسات والاقتصاد. مثلاً، احتل مسلحون منشآت البترول، فخفّضوا الانتاج من مليون إلى ثلاثمئة الف برميل يومياً من النفط، وقد استعان الانفاق بالاحتياطي الليبي، لكن ذلك لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.

* ألا تعتقد أن العجز عن بناء جيش وطني هو ضمانة بألا يتحول إلى أداة للديكتاتورية مجدداً؟

- يجب بناء الجيش بإجماع وطني، وأن يشارك الجميع فيه كي يكون ضمانة بألا يتحول الجيش إلى تربة خصبة لقيام ديكتاتور جديد أو حكم عسكري. كتبنا كأمم متحدة، "ورقة دفاع بيضاء"، وهي تصور لعقيدة الجيش ومهامه وتنظيمه، استناداً لخبرات سابقة للأمم المحدة، واقترحنا على الليبيين إنشاء حرس وطني كقوة رديفة لضم المقاتلين الحاليين، ما يوازن بين الاعتبارات القائمة، وضرورة بناء الدولة. اليوم، ضاعت ثلاث سنوات، وإن ضاعت سنة رابعة، فالمشكلة ستتعقد والحل سيصبح أصعب.

* أين أصبح ملف الأصول الليبية المجمدة بموجب قرارات من مجلس الأمن الدولي؟

- هي نوعان: الأصول المجمدة في الخارج تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والتي استعادها الليبيون بعد إثبات ملكيتها لهم. والنوع الثاني هو عبارة عن أصول أخرى مجمدة، ولكن الدول حيث تقع تلك الاصول تنتظر إثبات ليبيا لملكيتها كي تسلمها إياها، وهذه الأصول عينية ونقدية.

* هل أنت من القائلين بأن الثورات العربية انتهت من البوابة الليبية؟ 

- أدعو نفسي والجميع إلى التواضع، لأن لا أحد توقع الثورات العربية، ولا أحد يمكن أن يتوقع مآلاتها. البعض وقع بين واقعية الخيبة أو إلغاء التاريخ. كل الأنظمة التي سقطت تستحق السقوط، لأنها حرمت شعبها الحرية ولم تعالج المشاكل، وأصابت شخصية البشر في الصميم (الجرح النرجسي، والخوف من الآخر). أثر الأنظمة السلبي لم يقتصر على الاقتصاد والسياسة، بل طال صميم المجتمع.

الثورات انتزعت الحرية بالفعل ولا عودة عن هذا المكسب، لكن المشاركة الديموقراطية أكثر تعقيداً، وأنا أنتقد الامم المتحدة والغرب لأنهم يختزلون المشاركة الديموقراطية بالانتخابات.
يغالي الغرب في تقدير الانتخابات، في حين يجب العمل على المؤسسات واستقلال السلطات وضمان الحريات العامة... والغرب يختزلها بصندوق الاقتراع في مجتمعات لا تفرق بين السلطة والدولة.

هنا يكمن الفارق بين نجاح التجربة التونسية وإخفاق الليبيين، لأن المجتمع المدني حقيقي في تونس، والنقابات قائمة هناك ومترسخة، والاتحاد التونسي للشغل فعال، إضافة الى إقرار دستور متقدم، فضلاً عن مستوى تعليم الشعب التونسي.

* كيف تنظر الأمم المتحدة اليوم إلى دور حزب الله في الداخل وفي سورية، وهل أصبح الحزب كتيبة في الحرب ضد الارهاب؟

- لبنان ليس على شاشة رادار دول العالم المؤثرة اليوم، لأن الولايات المتحدة تنكفئ عن المنطقة، والملفات تعالج بالجزئيات، مثلاً مشاركة حزب الله في سورية يتم التطرق إليها من خلال الحديث عن الملف السوري في مجلس الأمن، لأن لا عمل دولي على حل في سورية. هناك رغبة دولية بألا ينهار لبنان، ولدى حزب الله دور في هذه الرغبة بالنسبة للأمم المتحدة، من خلال مساهمة الحزب في ضبط الوضع الأمني أو بالعكس، وشراكته في الحكومة تشكل عامل سرور للدول الغربية.

* لماذا أفُلت الحركة الاستقلالية في لبنان، وأنت كنتَ من رموزها؟

- ظننا أن هذه الحركة يمكن أن تكون عابرة للطوائف، لكنها لم تستطع أن تكون كذلك، لأنها واجهت مشكلة شيعية، فانكفأت إلى خطاب أقرب إلى الطائفي. وعلى الصعيد المسيحي، حشر الاستقلاليون المسيحيون أنفسهم في خلاف ميشال عون وسمير جعجع. هكذا فإن الخوف الطائفي يعطل العقل والجرأة.

ذات صلة

الصورة
مجزرة عين يعقوب في عكار شمالي لبنان 12/11/2024 (عمر إبراهيم/رويترز)

سياسة

تهيمن الصدمة والغضب على السكان، في بلدة عين يعقوب الواقعة في أقصى شمال لبنان، فيما يواصل مسعفون البحث بأيديهم بين أنقاض مبنى كانت تقطنه عائلات نازحة.
الصورة
غمرت المياه سيارات الإطفاء ومركبات بسبب الأمطار الغزيرة/23 ديسمبر 2023(Getty)

مجتمع

تداول مغرّدون لبنانيون مساء اليوم مقاطع فيديو وصوراً تُظهر غرق شوارع العاصمة بيروت والنفق المؤدي إلى مطار رفيق الحريري الدولي، بسبب الأمطار الغزيرة.
الصورة
دبابة إسرائيلية على حدود لبنان من جهة الناقورة، 13 أكتوبر 2024 (Getty)

سياسة

اشتدت حدة المواجهات البرية بين حزب الله وجيش الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان مع دخول المعارك شهرها الأول من دون أن تتمكن إسرائيل من إحكام السيطرة.
الصورة
قصف إسرائيلي في محيط قلعة بعلبك الأثرية، 21 أكتوبر 2024 (نضال صلح/فرانس برس)

سياسة

انضمّت مدينة بعلبك إلى الأهداف الإسرائيلية الجديدة في العدوان الموسَّع على لبنان تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة ومخطّط التدمير والتهجير الممنهج.