شهدت الأيام القليلة الماضية تعاوناً خليجياً على المستوى الاقتصادي رغم أزمة حصار 3 دول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين)، إضافة إلى مصر، لدولة قطر منذ نحو 10 أشهر.
واستطاعت نافذة المصالح المشتركة جمع فرقاء مجلس التعاون الخليجي على طاولة واحدة رغم مراوحة أزمة الحصار مكانها على المستوى السياسي حتى الآن، إذ اجتمع جميع محافظي البنوك المركزية الخليجية في الكويت لأول مرة، أمس الإثنين، منذ الحصار، واتفقوا على العديد من المشروعات منها تأسيس شركة المدفوعات الخليجية لتسهيل عمليات التحويلات المالية بين دول المجلس، كما ناقش محافظو البنوك المركزية لدول مجلس التعاون الخليجي عدة قضايا من بينها الجهود المبذولة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما أعلنت شركة قطر للبترول الحكومية، اليوم الثلاثاء، تجديد اتفاق امتياز حقل نفط مشترك مع الإمارات رغم الخلافات الحادة بين البلدين، إضافة إلى التقارب الاقتصادي لقطر مع الأردن والتي كانت إحدى الدول المؤيدة للحصار سابقاً قبل أن تعدّل موقفها خلال الفترة الأخيرة.، حيث زار وفد من غرفة تجارة عمان الدوحة قبل أيام وألتقى بعدد من المستثمرين القطريين.
وأكدت الأوساط الاقتصادية إمكان عقد اتفاقات خليجية جديدة في بعض المجالات، إلا أنها حذرت من تأثيرات سلبية في اقتصاد مختلف دول المنطقة حال استمرار حصار قطر لفترة طويلة.
قطر والإمارات
منذ بدء الحصار في 5 يونيو/ حزيران الماضي، لم تستخدم قطر الورقة الاقتصادية في الضغط على جيرانها المحاصرين لها كما فعلوا، بل أوفت بكل اتفاقاتها، وخاصة في مجال تزويد الإمارات بالغاز والتعاون في مجال الطاقة بين البلدين، والتنسيق في مجال أسواق النفط العالمية.
ووفقاً لموقع الشركة القطرية، فإن اتفاقية الامتياز الجديدة تحل محل الاتفاقية الأصلية لاستغلال حقل البندق والموقعة في مارس/ آذار 1953 بين أبوظبي وشركة دارسي للاستكشاف المحدودة، والتي تم تعديلها أكثر من مرة منذ ذلك التاريخ.
في المقابل، أكد مصدر مسؤول في المجلس الأعلى للبترول في الإمارات، اليومن، أنه لم يتم منح أي امتياز لشركة قطر للبترول، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الإماراتية (وام).
إلا أن المصدر قال: "إن حقل بندق مملوك مناصفة بين إمارة أبوظبي وقطر نظراً لموقعه الجغرافي، وكانت تتم إدارته من قبل ائتلاف ياباني منذ ما يزيد على 4 عقود".
وأضاف: "تم أخيراً تمديد هذا الامتياز من قبل الحكومات المعنية من خلال اتفاق فني مع الجانب الياباني، ولم يتم أي تواصل أو تفاعل مباشر مع الجانب القطري، واقتصر التواصل على الجانب الياباني فقط. ولم تنشأ أي علاقة تجارية أو تواصل يذكر بين دولة الإمارات وقطر نتيجة هذا التمديد".
ويأتي توقيع الاتفاقية الجديدة بعد انتهاء مدة الاتفاقية الأصلية في 8 مارس/ آذار 2018.
من جانبه، أكد الرئيس التنفيذي للشركة سعد شريده الكعبي، حرص قطر للبترول على الوفاء بالتزاماتها انسجاماً مع سمعتها العالمية كشركة نفط وطنية موثوق بها وكمزود عالمي للطاقة يمكن الاعتماد عليه تحت كل الظروف وفي جميع الأحوال.
وقال الكعبي، وفقاً للبيان المنشور على موقع الشركة اليوم: "إننا سعيدون لتوقيع اتفاقية الامتياز التي تضمن استمرار تطوير وتشغيل حقل البندق النفطي لسنوات عديدة قادمة".
في هذا الإطار، أكد رئيس لجنة التجارة بغرفة تجارة قطر، محمد الأحبابي، لـ"العربي الجديد"، على تفاؤله الحذر بالاتفاقات الاقتصادية المشتركة بين قطر ودول الحصار، خلال الفترة الأخيرة، سواء على المستوى الثنائي أو تحت المظلة الخليجية.
وتوقع الأحبابي اتخاذ خطوات لاحقة في هذا الاتجاه خلال الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن المصالح المشتركة دفعت الدول المتنازعة للتقارب في العديد من الفاعليات على رغم ضراوة المعركة بين الأطراف المختلفة سياسياً وإعلامياً خلال الفترة التي أعقبت الحصار منتصف العام الماضي.
وقال رئيس لجنة التجارة بغرفة تجارة قطرإن رئيس غرفة تجارة عمّان زار الدوحة هذا الأسبوع، لافتاً إلى أن الأردن كان من الدول التي أيدت حصار قطر في بداية الأزمة قبل أن تتراجع عن موقفها خلال الفترة الأخيرة.
وأضاف الأحبابي أن الحصار أثر سلباً في العلاقات الاقتصادية الخليجية، ما أضر دول مجلس التعاون وألحق أضراراً بالقطاع الخاص وبمعيشة مواطني الخليج، إلا أن قيادات هذه الدول يبدو أنها استوعبت أن مصيرهم مشترك، لا سيما في المجال الاقتصادي، وهذا ما بدا واضحاً في اجتماع محافظي البنوك المركزية الخليجية في الكويت.
وأشار إلى أنه على رغم توقف اجتماعات اتحاد الغرف الخليجية تأثراً بالأزمة، إلا أن غرف تجارة وصناعة دول الخليج كانت تجتمع تحت مظلة اتحاد الغرف التجارية العربية، ومنها الاجتماع الأخير في مصر الذي شاركت فيه قطر والسعودية والإمارات وغيرها.
تعاون خليجي
وجاء اجتماع محافظي البنوك المركزية الخليجية في الكويت، أمس، كأحد المؤشرات المهمة على أن نافذة الاقتصاد قادرة على جمع الفرقاء، واستخدم محافظ بنك الكويت المركزي، محمد الهاشل، في تصريحات صحافية عقب الاجتماع، لغة دبلوماسية، مؤكداً أكثر من مرة على سيادة "روح الأخوة والمحبة والتعاون" بين الوفود التي ترأسها جميع محافظي البنوك المركزية الخليجية، مشددا على أن القرارات التي اتخذت حظيت بالإجماع.
وقال الهاشل إن الاجتماع تم "بعيدا عن أي تجاذبات أخرى (في إشارة لحصار قطر)، وركز على الشق الفني والمهني المرتبط بأعمال البنوك المركزية والصالح العام والصالح الاقتصادي لدول المنطقة".
وناقش محافظو البنوك المركزية الخليجية عدة قضايا، من بينها الجهود المبذولة في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بالإضافة إلى الاتفاق على تأسيس شركة المدفوعات الخليجية لتسهيل عمليات التحويلات المالية بين دول المجلس.
بدوره، قال المحلل المالي أحمد عقل، لـ"العربي الجديد"، إن العوامل الاقتصادية المشتركة تساهم دائماً في امتصاص أي أزمات دبلوماسية مهما كان حجمها، وهذا ما نلاحظه في العلاقات الخليجية على المستوى الاقتصادي، حيث كسر اجتماع البنوك المركزية في الخليج حالة الجمود الاقتصادي الخليجي التي حدثت بعد حصار قطر، لا سيما في المجال المالي.
ولم يفلح اجتماع القمة الخليجية الأخير الذي عقد في الكويت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في تحريك أي من الملفات الاقتصادية المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي.
وأكد عقل أن دول الخليج تجمعها العديد من الروابط الاقتصادية المشتركة، مثل ثروات النفط والغاز وعضويتها في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وربط عملاتها بالدولار وسهولة النقل في ما بينها، ما يدفعها دائماً نحو التعاون الاقتصادي على رغم الأزمات العديدة التي يواجهها البيت الخليجي.
وأكد عقل على الارتباط الوثيق بين الخلافات السياسية وتراجع التعاون الخليجي، متمنياً حل أزمة حصار قطر خلال الفترة المقبلة من أجل تحريك العديد من الملفات الاقتصادية.
الدوحة وعمّان
وكان المؤشر الاقتصادي الثالث في إطار غلبة المصالح الاقتصادية على التوترات السياسية، التقارب الاقتصادي بين الدوحة وعمّان، حيث استقبل رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر، خليفة بن جاسم بن محمد آل ثاني، وفداً تجارياً أردنياً في مقر الغرفة، الأحد الماضي، برئاسة نائل الكباريتي، رئيس غرفة تجارة الأردن ورئيس اتحاد الغرف العربية.
وقال رئيس غرفة قطر إن بلاده تتطلع إلى زيادة التبادل التجاري مع الأردن ليتواكب مع الإمكانيات المتاحة، مشيراً إلى أن عدداً من الشركات الأردنية قد دخلت إلى السوق القطري أخيراً.
وأكد الكباريتي أن الحصار المفروض على قطر لم يؤثر سلباً في العلاقات التجارية بين القطاع الخاص في البلدين. وكان الأردن قد قرر تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع قطر، في أعقاب قطع السعودية والإمارات والبحرين ومصر لعلاقاتها مع قطر.
وقال نائب رئيس غرفة قطر السابق، عبد العزيز العمادي، لـ"العربي الجديد"، إن الدوحة تجني ثمار إدارة الحكومة القطرية المتوازنة لملف الحصار، مشيراً إلى أنها أبعدت الخلافات السياسية في تعاملاتها الاقتصادية وجعلت المصالح المشتركة معياراً أساسياً في التعامل مع مختلف الدول، وفي الوقت نفسه استحدثت بدائل تجارية جيدة لصالحها.