استقالات نيابية وحزبية سبقت صدور النتائج الرسمية للانتخابات البلدية في مدينة طرابلس شمالي لبنان، بعيد إعلان لائحة "قرار طرابلس" المدعومة من وزير العدل المستقيل، أشرف ريفي، عن حصد 23 مقعداً من أصل 24، فيما تشير النتائج غير الرسمية إلى فوزها بـ18 مقعداً.
هذه النتيجة لم تكن متوقعة حتى من قبل أكثر المتفائلين بحظوظ "قرار طرابلس"، التي واجهت لائحة مدعومة من قبل رئيسي الحكومة السابقين سعد الحريري ونجيب ميقاتي، والوزيرين السابقين محمد الصفدي وفيصل كرامي، و"الجماعة الإسلامية" (الجناح اللبناني للإخوان المسلمين) و"المشاريع" (الأحباش) ونواب المدينة.
وقد أثار إخفاق المرشحين العلويين والمسيحيين من اللائحتين، حساسيات طائفية ومذهبية في المدينة التي أخرجتها خطة أمنية رسمية من جولات اشتباكات مذهبية بين المسلمين السنة في منطقة باب التبانة والمسلمين العلويين في منطقة جبل محسن، عام 2014. وبرزت على هامش هذه الجولات من الاقتتال المذهبي، بعض الأحداث المتفرقة التي استهدفت بعض الرموز المسيحية في طرابلس، كإحراق مكتبة الأب إبراهيم سروج وطلاء جدران بعض الكنائس بعبارات مؤيدة لتنظيمي "الدولة الإسلامية" (داعش) و"جبهة النصرة".
وعلى الرغم من عدم صدور النتائج الرسمية للانتخابات، حتى ظهر الثلاثاء، استبق النائب الطرابلسي، وعضو كتلة "المستقبل" النيابية، روبير فاضل، إعلان النتائج وقدم استقالته من مجلس النواب، معللاً إياهاً بـ"المسّ بالتعددية والعيش المشترك وتوازن مكونات لبنان الوطن، في الانتخابات البلدية الأخيرة". هذه الاستقالة تبقى شكلية، إذ ينص النظام الداخلي لمجلس النواب على وجوب تقديم الاستقالة خطياً إلى رئيس المجلس الذي يتلوها على الهيئة العامة لقبولها.
وقد حاول "العربي الجديد" التواصل مع النائب فاضل، لكن أكد مكتبه عدم القدرة على التواصل معه منذ إصدار بيان استقالته مساء الاثنين.
وفي هذا السياق، اعتبرت مصادر طرابلسية، لـ"العربي الجديد"، أن"خسارة 3 مرشحين مسيحيين ومرشح علوي على لائحة قرار طرابلس الفائزة بأغلبية المقاعد البلدية، لم يكن نتيجة حملة تشطيب طائفية، بل بسبب حماوة المعركة داخل البيت السني الواحد، وهو ما أدى في النهاية إلى وصول 23 سنياً إلى المجلس البلدي".
ولا يوجد في القانون اللبناني أي نص يوزع المقاعد البلدية بحسب الطوائف أو المذاهب، لتسيطر الأعراف المحلية على توزيع هذه المقاعد، وهو ما فتح باب الصراع في عدد من البلديات كبلدة قب الياس في البقاع، مثلاً.
وأوضحت المرشحة عن لائحة قرار طرابلس، رانيا عيسى، لـ"العربي الجديد"، أن المحاولات لتأمين تمثيل الأقليات المسيحية في طرابلس "فشلت نتيجة الخلافات المسيحية ـ المسيحية، وليس نتيجة أي تشنج طائفي".
وقالت عيسى، إن "اللواء ريفي حاول فتح باب التفاوض، من خلال تسمية كل لائحة لممثل مسيحي واحد، ويكون الاثنان مشتركين بين اللائحتين، فكان الرفض من الطرف الآخر".
ويبدو أن الخيبة من نتائج الانتخابات وحّدت مسيحيي طرابلس مع علوييها، فخيّمت أجواء الاعتراض داخل منطقة جبل محسن. وعبر العديد من الناشطين العلويين عن امتعاضهم من إظهار الجبل، وكأنه "جزيرة معزولة عن محيطه الطرابلسي".
في المقابل، قال بعض الطرابلسيين، إن "الحزب العربي الديمقراطي"، الممثل السياسي الأكبر للعلويين في طرابلس، دفع ثمن خياره السياسي بالتحالف مع لائحة الأحزاب في طرابلس، لكن مشاركة الحزب في لائحة "قرار طرابلس" لم تكن ممكنة نتيجة الخلاف السياسي الحاد بين آل عيد المتهمين بتسهيل خروج سائقي السيارات المفخخة، التي استهدفت مسجدي السلام والتقوى في طرابلس عام 2014، إلى سورية، وبين الوزير ريفي الذي يتهمهم بالتورط في تفجير المسجدين.
كما دفعت نتائج الانتخابات البلدية، بالمسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في طرابلس، إيهاب نافع، إلى تقديم استقالته.
وعلم "العربي الجديد" أن خيار المشاركة في اللائحة التوافقية للأحزاب كان مركزياً في الجماعة ولم يصدر عن المكتب السياسي في المدينة. ولاقت هذه المشاركة اعتراضاً واسعاً داخل صفوف الجماعة بسبب المزاج الطرابلسي العام المؤيد للائحة "قرار طرابلس"، وبسبب وجود مرشح من "جمعية المشاريع" التي تتعارض فكرياً وسياسياً ودينياً مع الجماعة في نفس اللائحة.
تفتح هذه النتائج في طرابلس، الباب أمام نقاش عن واقع الحال لو كان نظام الانتخاب في لبنان نسبياً وليس أكثرياً. وهو ما كان سيؤدي إلى ارتفاع حظوظ الأقليات في حجز مقاعد ضمن المجلس البلدي، دون الحاجة إلى صياغة تحالفات مع القوى السياسية والطائفية الكبرى في المدينة.
وتطرح النتائج الحالية أيضاً، تساؤلات عن واقع العمل الإنمائي الذي سيقوم به المجلس في المدينة التي تعاني من تعطيل منشآتها الاقتصادية كالمرفأ ومصافي النفط والمعرض الدولي، إلى جانب تقلص حجم الحركة الإاتصادية فيها، وتراجع البنية التحتية. وهل سيشمل هذا العمل كل مناطق المدينة المقسمة طائفياً، أم أنه سيقتصر على مناطق دون أخرى؟