طلبة مصر ومعركة الوعي

16 نوفمبر 2014
+ الخط -

تغيب قيادات ميدانية كارزمية ملهمة عن الحراك الثوري في مصر، وعوضاً عن ذلك، يتشكل الوعي الجمعي للحراك الطلابي بالاعتماد على التجارب اليومية، وترجع العضوية إلى المجموعة وصفاتها بدلاً من الصفات الشخصية، وترجع العضوية، أيضاً، إلى الاعتراف بين الطلبة الأعضاء في الحراك بالمصالح المشتركة، وأهمها إزالة الاستبداد، أو المساهمة في ذلك، ويحاولون، بعيداً عن الأيديولوجيا، تذكير النظام أنه غير شرعي، والأمر لم يستقر له بعد.

ونتيجة غياب أيديولوجيا تؤطر السلوك والخطاب للحراك في مصر، كما كان في الثورات التي حدثت في بعض دول أميركا اللاتينية، يبتعد الطلبة في مصر عن نصوص تكون قد كُتبت لهم، ويسعون إلى بناء هياكل ثقافية، يكون لها نفاذ على ثقافات وتجارب ثورية أخرى من ناحية، ويتردد صدى هذه العناصر الثقافية بين جمع الطلبة، من ناحية أخرى، وربما خير مثال على ما ذكرناه انتشار رواية 1984 لجورج أورويل، ومن قبل طبائع الاستبداد للكواكبي، واستحضار السياقات التاريخية لأشهر الانقلابات العالمية، وكيف كانت آليات مناهضتها.

يتشكل الهيكل الثقافي للطلبة الثوار بطريقة مواربة، وبعيدة عن الرصد (مرحليّاً)، لتشكل وفق ما سماه جيمس سكوت (James Scott) النص الخفي، الذي يحتوي على أفكار ومشاعر المظلومين، والنص الجمعي الخفي يمكّن المجموعات الضعيفة نسبيّاً من إنشاء وإعادة إنتاج الأيديولوجية والثقافة الخاصة بها، لمحاربة الهيمنة المفروضة عليهم.

تمارس السلطة الحالية في مصر كل ممارسات العنف والقمع والاضطهاد ضد حراك الطلبة في مصر، ففي كل يوم، نسمع عن ضحايا جدد لهذه الممارسات، وفي سياق آخر، وربما لا يقل ضراوة عن ممارسات العنف التي تنتهجها سلطة الانقلاب، فإنها تسعى إلى وصف الطلبة الثوار بكل الأوصاف الخارجة عن معاني الإنسانية، والتي تبرر قتلهم وتعذيبهم من ناحية. ومن ناحية أخرى، تدفعهم إلى الإحباط واستخدام العنف. وحينها، إذا وقع الطلبة في هذا الفخ، فإنها ستخُلط الأوراق في عمليات القتل الممنهج، ويزال بذلك العبء الأخلاقي الثقيل عن ممارسات الانقلاب ومن يدعمه.

ويمكننا أن نرى أن هناك سلسلة متصلة من المقاومة والتمرد، تأخذ أشكالاً مختلفة في حراك الطلبة في مصر، والتي لا تهدف إلى إسقاط الانقلاب فحسب، بل إلى التماسك النفسي وعدم الإحباط والانجرار إلى الدم والعنف. ومن مقابلاتي مع ناشطي الحراك الطلابي في مصر، تقول الطالبة خديجة يوسف، وهي إحدى الطالبات الناشطات ضد الانقلاب، والتي عبرت عن أهمية التماسك النفسي: "أهم شيء هو الغضب، اغضب، ثم اغضب، مضطرين للالتزام بالسلمية، هناك عدم تكافؤ في القوى، هناك ظلم وظلم وظلم، مشتاقون للحظة عدالة، وهذا ربما ما يجعلنا نفرح لحظة الإفراج عن أحد زملائنا، أو زميلاتنا من سجون الاستبداد، نفرغ الغضب بالاحتجاجات، المسيرات، نتضامن مع ذوي الضحايا، نساعدهم، وهذا لا يكفي، يجب إزالة الظلم، ويجب على الثائر أن يسيطر على نفسه، لكي لا يتحول إلى إرهابي، بل يتحول إلى مفكر، ملهم، كاتب، فاعل، بدل أن يصنع القنابل، يصنع ثورة تحقق أحلامنا وتلملم جراحنا".

وتتفق معها، أيضاً، الناشطة، أسماء إسماعيل، حيث قالت "هناك ظلم أريد أن أنهيه، سكوت المجتمع لن يحبطني، ولن يجعلني صامتة".

لعب الطلاب دوراً حيويّاً في النضالات الثورية في الماضي، وإلى اليوم. ففي أميركا اللاتينية، كان الطلبة القادة الأكثر حيوية وفاعلية في الحركات الاجتماعية، وفي فنزويلا، طرحوا أنفسهم "جنود الثورة"، وفي فرنسا، كانوا طليعة الدفاع عن حقوق غيرهم من العمال ضد سياسات الليبرالية الجديدة، وفي فلسطين هم من أشعلوا الانتفاضات، وكانوا الرافد الأكبر لتشكيلات فصائل المقاومة في غزة، والتي دافعت عن شعبها أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي. وتاريخيّاً، أظهرت الحركة الطلابية قدرتها على أن تكون وفق وصف إيما كلانسي (Emma Clancy) وسائط نقل سريعة لتطوير الوعي السياسي بين الطبقات الاجتماعية الأخرى في المجتمع، فمثلاً ابتعدت احتجاجات الحركة الطلابية في أندونيسيا لعام 1998 عن النخبوية، ووصلت إلى استنتاج أنه من الضروري تشكيل تحالف مع العمال والفلاحين والفقراء في المناطق الحضرية، لتحويل المجتمع إلى "حبل سياسي" متماسك وضاغط، وقد أثرت هذه السياسة، فعلاً، على السلطة المركزية الأندونيسية.

ما توضحه الأمثلة حقيقة، أن الطلاب قوة اجتماعية، لا يستهان بها، ويلعبون دوراً رئيساً في النضالات الثورية والتقدمية في جميع أنحاء العالم، ولهم دور طليعي في كشف التناقضات الاجتماعية والسياسات الديكتاتورية. وتتسم جبهتم بتماسك نفسي وفكري، في معظم الأحيان، أكثر من الموجودة في أوساط السلطة المركزية، ومؤيديها من النخب في بلدانهم.

avata
avata
حسن عبيد (فلسطين)
حسن عبيد (فلسطين)