من "طبائع الاستبداد" في مصر

24 أكتوبر 2014
+ الخط -

في موقفين للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، متقاربين زمانياً، متباعدين منطقياً، أضفى صفة الشرعية على حلفائه المتخندقين معه في الخندق نفسه، وانتزعها من أعدائه السياسيين الذين لهم الحق في اكتسابها، وفق المعايير نفسها التي ارتضاها السيسي لحلفائه، وهي الشرعية الانتخابية. الموقف الأول يتعلق بليبيا، ففي لقاءاته مع وفد من أعضاء الكونغرس بتاريخ 28 آب/ أغسطس الماضي، أكد السيسي أنه مع "الشرعية الانتخابية". والموقف الثاني في خطابه في مؤتمر إعمار غزة في 12 أكتوبر/ تشرين أول الحالي، أكد أن من شروط تحقيق التهدئة في القطاع بسط سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع ممثلاً شرعياً ووحيداً، طبعاً أسقط كلمة " الانتخابية" التي استخدمها في الحالة الليبية، لأنه ووفق نتائج آخر انتخابات تشريعية فلسطينية حصلت حماس على الأغلبية. 

الديكتاتورية في مصر مُشرعَن للامنطقيتها من بعض دوائر القرار في الغرب، فالرئيس الأميركي، باراك أوباما، في كلمته في مبادرة كلينتون العالمية على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، مر على أسماء بعض نشطاء "مؤسسات المجتمع المدني" وضحايا أنظمتهم، وكان ممن مر عليهم في خطابه منسق حركة 6 إبريل، أحمد ماهر، وكأن وضع النظام في مصر قبل اعتقال ماهر كان ممتازاً، وما خدش ديمقراطيته هو اعتقاله، وكأنه لا يوجد آلاف المعتقلين والضحايا، ومنهم ماهر، والذين رفضوا الانقلاب وسياساته. وتتعاون الولايات المتحدة مع النظام المصري ضد الإرهاب، والنظام المصري يمارس إرهاباً وانتهاكات صارخة ضد معارضيه، وهذا ما أقرته المؤسسات الحقوقية العالمية.
 
تستشكل علينا السياسة في بعض الأحيان، أو كثير منها، ويسعى المفكرون والمحللون والمثقفون ذوي الاختصاص إلى قولبتها بطريقة يسهل التعاطي معها، ويسهل معها الدخول إلى حوار مجدٍ ومفيد، تنبني عليه سياسات واضحة المعالم. حتى في تفسير سياسات ديكتاتوريات سابقة، وما نتج عنها من خطابات، ترى تناسقاً وانسجاماً في تبريرات السياسات والأفعال. ومن ينسي دور كارل شميت في ألمانيا النازية، وهو أحد أهم المفكرين الألمان وأكثرهم إثارة للجدل، وقد وضع النظريات التبريرية لسياسات النظام النازي في ألمانيا.

وفي سياق تصريحات السيسي، وهيمنة أجواء الحرب على الإرهاب، يمكن، تماماً، فهم جدلية كارل شميت، فالعداوة السياسية يمكن أن يكون لها أسباب مختلفة، لا تقوم على التمييز الموضوعي من تلقاء نفسها، فمثلاً العداوة المستندة إلى أسباب جمالية تقوم على التمييز بين الجميل والقبيح، والمستندة لأسباب اقتصادية تقوم على التمييز بين الربح والخسارة، والمستندة لأسباب أخلاقية قيمية تقوم على التمييز بين الخير والشر، أو التمييز بين المبادئ والأيديولوجيا المُعتنقة، وما اختلف عنها، وأما الأسباب السياسية للعداء، وحسب شميت، فلا يمكن اختزالها إلى هذه الفروق، أو غيرها، إنما تعتمد، أساساً، على التمييز القطعي بين العدو والصديق، والحشد ضد العدو، وتعميم صورة نمطية سيئة عنه للأصدقاء الآخرين. والأعداء هنا قد يكونوا ذوي قيم أخلاقية رفيعة، لكن المصلحة استوجبت اعتبارهم أعداء، ولا يستوي للسيسي تصنيف أعدائه ضمن معيار واحد، فما بين أعداء الشرق والغرب سقطت كلمة الانتخابية عن الشرعية، كما سقطت، قبل ذلك، الكلمتان، في بيان الانقلاب في 3 يوليو/ تموز 2013.

نظّر شميت للشرعية من حيث هي إحدى منظومات الهيمنة والسيطرة، وليس من ضمن منظومات الأخلاق، ويروّج شميت في كتابه "اللاهوت السياسي" لإدارة الشمولية للمجتمع، وإعادة التأسيس الديكتاتوري لمعنى القانون والصالح العام. وتفشل الديكتاتورية في مصر حتى أن تكون كذلك. فتحت حكمها ينقسم المجتمع، وتغيب المصلحة العامة، وتضيع القيم. ولربما وقع عليها وصف عبد الرحمن الكواكبي، أحد رواد النهضة العربية ومفكريها في القرن التاسع عشر، حيث قال في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد: "المستبد يتحكم في شؤون الناس بإرادته، لا بإرادتهم، ويحاكمهم بهواه، لا بشريعتهم".

avata
avata
حسن عبيد (فلسطين)
حسن عبيد (فلسطين)