أثارت المعلومات التي قدمتها صحيفة لوموند الفرنسية، حول مساعدة مصرف إتش إس بي سي سويسرا، وهو مصرف بريطاني في الأساس، زبائن أثرياء على التهرب الضريبي، معركة سياسية في بريطانيا حيث تبادلت الأحزاب الرئيسية الاتهامات بعدم التحرك ضد هذه الظاهرة.
ويقول مراقبون، إن شعار "مكافحة التهرب الضريبي" بات يتصدر قوائم البرامج الانتخابية للأحزاب البريطانية التي باشرت بالحشد للانتخابات العامة المقبلة في مايو/ أيار القادم. ومن المرجح أن تشتد المعارك السياسية بين الأحزاب الرئيسية حول هذا الملف بعد انفجار فضيحة اتش اس بي سي والمعروفة باسم "سويس ليكس". فمن جهة ستوجه الكثير من السهام الى صدر رئيس الوزراء، وزعيم حزب المحافظين، ديفيد كاميرون، الذي عين قبل أشهر قليلة مديراً لمصرف "اتش اس بي سي" السابق ستيفن غرين في مجلس اللوردات ثم أوكل له حقيبة وزير التجارة.
وبالمقابل، لن ينجو حزب العمال المعارض وزعيمه إيد ميليباند من الانتقادات لأنه -حسب الأوساط الإعلامية- امتنع عن مكافحة التهرب الضريبي أثناء حكمه ما بين الأعوام 1997 حتى 2010، وهي الفترة التي يُتّهم فيها فرع مصرف "اتش اس بي سي" الخاص في سويسرا بمساعدة عملاء أثرياء وسياسيين على التهرب من الضرائب.
وفيما يعتبر هجوماً استباقياً، هرع ديفيد كاميرون للدفاع عن قرار تعيين غرين، بل وأشاد بأدائه في الوزارة، وبالطبع لم ينس كاميرون تذكير الرأي العام البريطاني بعدم الاكتفاء بالمعلومات التي تُنشر حالياً عن فضائح "التهرب الضريبي"، لأن ذيول الأزمة تمتد إلى عهد حكم حزب العمال.
من جهته، أخذ حزب العمال بتسليط الضوء على بعض الأسماء التي وردت في قائمة المتهربين من الضرائب، بوصفهم أعضاء في حزب المحافظين، أو مقربين منه أو متبرعين له، وذلك بهدف تذكير جمهور الناخبين البريطانيين بعلاقة المحافظين التاريخية مع الأثرياء وأصحاب رؤوس الأموال الذين يتهربون من الضرائب، بينما يحصلون على الكثير من الامتيازات والتسهيلات من قبل حكومات المحافظين.
وبعيداً عن طبيعة المخرج الذي سيختاره كل من حزبي المحافظين والعمال للإمساك بالعصا من منتصفها في معالجة تداعيات فضيحة "سويس ليكس"، لم تتأخر السلطة التشريعية في النظام السياسي البريطاني، بالتحرك، إذ سارعت لجنة الحسابات العامة في مجلس العموم البريطاني بفتح تحقيق حول الفضيحة، وطلبت من مصرف "إتش إس بي سي" تقديم ما لديه من معلومات طواعية أو بالأمر، على حد تعبير مارغريت هودج، رئيسة اللجنة.
ومع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقبلة في مايو /أيار، ستظل فضيحة "التهرب الضريبي" أو كما باتت تعرف بالإعلام بفضيحة "سويس ليكس" تلقي بظلالها على الحملات الانتخابية، بل ولا شك أنها ستفرض على الحزبين الرئيسيين في بريطانيا، المحافظين والعمال، التفكير في معالجة متوازنة لتداعيات القضية. فمن جهة على كل من الحزبين صياغة برامج انتخابية تتضمن سياسات جادة في مجال "مكافحة التهرب الضريبي"، وبالمقابل ينبغي على كلا الحزبين توخي الحذر وعدم استفزاز رجال الأعمال والأثرياء بسياسات متشددة تؤثر على تأييدهم وتبرعاتهم المالية لكلا الحزبين.
ويواجه المصرف حالياً، تحقيقات جنائية في الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا والأرجنتين. وقال "اتش اس بي سي" إنه يتعاون مع السلطات، لكن في بريطانيا، حيث المقر الرئيسي للمصرف لم تتخذ أية إجراءات ضده.
وحصل اللورد ستيفن غرين، الذي كان رئيساً للبنك في ذلك الوقت، على منصب حكومي وأصبح وزيراً بعد ثمانية أشهر من حصول إدارة الضرائب والعائدات على الوثائق المسربة من بنكه، وظل يعمل وزيراً للتجارة والاستثمار حتى 2013.
وقال لبانوراما: "لن أعلق على أعمال البنك في الماضي والحاضر".