ما الذي يدفع كاتبة قصيدة نثر إلى تحبير كتاب في مديح السلطة الإمارتية أو أي سلطة عربية؟ ما الذي يدفع كاتبة لأن تتحوّل إلى بوق دعائي مكشوف لنظام يتزعّم اليوم الثورات المضادة في مصر وبقية البلدان العربية ويعادي تطلّعات شعوبها؟ وهل يعتقد النظام الذي موّل إقامتها لتكتب كتابها البائس أن الإنسان العربي بسذاجة أن تؤثر في وعيه كتابات انحطاطية كهذه؟
في تقديمها لكتابها الجديد "إنهم يصنعون الحياة" الذي صدر مؤخّراً، تقول المصرية فاطمة ناعوت (1964) إنه يتناول "كيفية بناء الإنسان والمجتمع في دولة الإمارات من خلال نبذ التطرّف والتعصّب ويعرف كيف يتقبّل وجود آخر مختلف عنه".
تذهب "الشاعرة التنويرية" إلى وصف الشهور التي قضتها في البلد "المتعدّد" عام 2016 بأنها كانت "من أقسى الشهور وأحنّها في آن"، ذلك لأنها "ابتعدت عن الوطن وفارقت قططها وكلابها وعالمها وموسيقاها"، لكنّها تقول في الوقت نفسه إنّها "عاينت" "كيف تعلّم المواطن الإماراتي - على يد قيادته - منذ نشأته طفلاً كيف يكون رقيقاً متحضّراً مع كل إنسان، مهما كان عرقه ومهما كانت عقيدته ومهما كان لونه ومهما كانت طبقته الاجتماعية أو الثقافية".
ناعوت التي أقامت حفل توقيع ضمن فعاليات "معرض القاهرة الدولي للكتاب" قبل أيام، لم تلحظ - على سبيل المثال لا الحصر - أثناء رحلتها "الطيّبة" أن السلطات الإماراتية كانت قد اعتقلت الكاتب الأردني تيسير النجار لمجرّد أنه كتب منشوراً فيسبوكياً انتقد فيه الموقف الإماراتي من العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014.
لم تلتفت صاحبة "قارورة صمغ" (2008) إلى أن "الدولة التي زرعت في شعبها حبّ الآخر، فلا يهان ولا يقسى عليه"، صاحبة سجلات في القمع والمراقبة غير مسبوقة عربياً وأنها هي ذاتها التي أبقت النجار في سجنه عامين من دون أن توجّه إليه تهمة أو تسمح لأحد من ذويه بزيارته، قبل أن تصدر حكماً عليه في شباط/ فبراير من العام الماضي "بالسجن ثلاث سنوات بعد إدانته "بإهانة رموز الدولة"، وتغريمه 500 ألف درهم (نحو 140 ألف دولار)، وإبعاده عن الإمارات". وبالطبع لم تتذكر بناته الثلاث وزوجته في غمرة حفلة الزار التي تقيمها لتسامح النظام الإماراتي الذي بات أخيراً - أي تسامحه - يتسع لعلاقات طيبة مع "إسرائيل".
تجاهلت ناعوت كل هذا المشهد، وقامت بتأليف "كتاب يجمع بين أدب الرحلات والتأمل الثقافي"، على حدّ قولها، موضّحة في مقدّمته أن كتابها "حصاد تأمل ثمانية أشهر قضيتُها في "كوكب الإمارات". لم أنشغل بناطحات السحاب والنافورات الراقصة والشوارع النظيفة، إنما شُغِلتُ بالطيور الصادحة التي جمعها "الشيخ زايد"، رحمه الله، من شتّى بقاع الأرض حتى يتدّرب الطفلُ الإماراتي على سماع الشدو والصدح العذب، فينشأ إنساناً نبيلاً يُتقنُ فنون الإنسانية".
تناست الكاتبة أيضاً "قضايا صغيرة" مثل اضطهاد العمال في "كوكب الإمارات" (و"الكواكب" الخليجية الأخرى بالطبع)، و"قصصاً صغيرة" متواترة عن ترحيل لاجئين سوريين أو ترحيل السلطات الإماراتية في كانون الأول/ ديسمبر الماضي الشاعر الموريتاني المعارض عبد الله ولد بونا إلى بلاده بعد إقامة جاوزت ثلاثة عقود.
لكن ناعوت لم تنسَ توجيه الشكر للشيخ عبد الله بن زايد "أحد دعاة التنوير في العالم العربي"، بحسب وصفها، الذي وضع لها تصديراً للكتاب، والذي يُستغرب من شخص يشغل موقع "وزير خارجية" كيف يتقايض الثناء والوهم مع ناعوت بهذه اللغة الساذجة: "في كتابها الجميل، "إنهم يصنعون الحياة"، تحدّث فاطمة ناعوت عن التسامح في دولة الإمارات، وقالت إن السبب وراء ذلك كلمتان سحريتان: "التعليم، وتطبيق القانون. وأقول لها إنه لا يوجد خيارٌ آخرُ للبشرية سوى التسامح". هل تقع الثورات المضادة والانفتاح على "إسرائيل" ومحاولة غزو الأشقاء ضمن حالة التسامح؟ يبدو أن الأمر كذلك، ألم نقل إنها حفلة زار؟!