عائلة أبو علي صلاح... حكاية صمود وتمسّك بالأرض

القدس المحتلة

محمد محسن

محمد محسن
31 مارس 2019
E9E7D01A-F37A-4BA1-8117-EBD0F7B07C05
+ الخط -

بمناسبة يوم الأرض الفلسطيني، الذي يحييه الفلسطينيون في 30 مارس/ آذار من كلِ عام، تبرز "العربي الجديد" حكاية عائلة أبو علي صلاح التي ما زالت متمسكة بأرضها وبيوتها على الرغم من كل مضايقات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين  
منذ عقدين أو أكثر، تعيش عائلة صلاح القاطنة في قرية بيت صفافا جنوب القدس المحتلة، صراعاً مع الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه حفاظاً على أرضها ومساكنها. ويدّعي مستوطنون قادمون من الولايات المتحدة ملكيتهم للأرض وما عليها، ويحظون بدعم من سلطات الاحتلال بدوائره المختلفة التنفيذية والقضائية، في محاولة لتجريد هذه العائلة من حقها في الإقامة وممارسة حياتها الطبيعية مثل جميع البشر، كما يقول رب العائلة محمد علي صلاح (أبو علي)، الذي التقته "العربي الجديد" في المسجد الأقصى.

ويتحدّث أبو علي عن دلالات ذكرى يوم الأرض بالنسبة إليه وإلى عائلته، التي عانت على مدى سنوات طويلة وهي تقارع المحتل ومستوطنيه دفاعاً عن أرضها وتصدياً لمحاولات مصادرة مساكنها، علماً أن الاحتلال كان يشكل على الدوام غطاء للمستوطنين، ويمنحهم شرعية لممارساتهم وانتهاكاتهم، بعدما يسحب من أصحاب الأرض الحقيقيين شرعية وجودهم على أرضهم. وما زال يسعى إلى تجريدهم من حقهم في الإقامة في مدينتهم.

ويروي أبو علي بعض فصول المعاناة المستمرة، التي لم تقف عند مضايقة أفراد عائلته، بل دوابه وقطيع الأغنام التي تعتاش منها العائلة المكونة من عشرة أفراد هم أبناؤه وبناته، إضافة إلى والديه الذين لم يسلما من عنف الاحتلال واعتداءات مستوطنيه. أبو علي اعتقل أكثر من خمس عشرة مرة وهو يقاوم المحتل، وما زال صامداً. يقول: "هذه أرضنا وما بنطلع منها إلا إلى قبورنا". لكنّ صمود هذا المقدسيّ القادم من ريف القدس يحتاج إلى من يقف معه ويؤازر أسرته ويدعم صمودها. "نحن صامدون على الرغم من كل الذي نتعرض إليه. اعتدوا علينا جميعاً: أمي وأبي وأشقائي. اعتقلت أكثر من خمس عشرة مرة، لكن يا جبل ما يهزك ريح".
ولا يخفي أبو علي شعور المرارة والألم، بعدما نجح المستوطنون، وبقرار قضائي نفذته شرطة الاحتلال، بالاستيلاء على أحد مساكن العقار حتى بات هو وهم جيراناً لا يطيق أحدهما الآخر. وهم لا يرتدعون عن استخدام كلابهم ضد العائلة، سعياً إلى تخويفها وإرغامها على الرحيل. "وهذا لم يحصل. نحن لا نرحل. هؤلاء الذين أتوا من أميركا عليهم العودة إليها. هذه أرضنا وهذا بيتنا ولن نرحل".

يتابع أبو علي لـ "العربي الجديد" أن عائلة صلاح تقيم في حوض طباليا شرق بيت صفافا منذ عام 1966، أي قبل الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس في 5 يونيو/ حزيران في عام 1967، وهو ما يوثقه مركز أبحاث الأراضي التابع لجمعية الدراسات العربية. وتعيش في بيت اشتراه الأب علي إبراهيم صلاح في عام 1966 من مالكه الأصلي سياط الأرمني كنسرجيان، الذي غادر إلى الولايات المتحدة في عام 1967. وكبرت عائلة صلاح وتزوج أبناؤه الثلاثة إسماعيل ومحمد ومحمود، وأضافوا للمسكن الأصلي مساكن لهم،، وأصبح عددهم اليوم أكثر من 60 فرداً، منهم 33 طفلاً.

بداية المعاناة

معاناة هذه العائلة، كما يقول أبو علي، بدأت في عام 1992، إذ بدأ مستوطن يهودي يدعى إسحق هيركوفتش من مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي مدينة الخليل، يعتدي على أرض العائلة بين الفينة والأخرى تارة برفقة مستوطنين مسلحين، و/أو بحراسة قوات الاحتلال، بذريعة أنه اشترى البيت من جمعية مسيحية أرمنية في الأرجنتين من دون أن يبرز إثباتاً رسمياً. أمر تنفيه عائلة صلاح التي اشترت البيت وبشهادة ثلاثة مخاتير من بيت صفافا وستة شهود آخرين بتاريخ 22 أغسطس/ آب 1984. كما يعيش المواطن علي إبراهيم صلاح في بيت سياط الأرمني منذ أكثر من 18 عاماً.



حينها، بدأت العائلة تخوض صراعاً قضائياً توّج بإصدار محكمة الاحتلال العليا قراراً بتاريخ 15 ديسمبر/ كانون الأول في 2009 لصالح المستوطن هيركوفيتش، بإخلاء مساكنها خلال 120 يوماً في مدة تنتهي في 14 إبريل/ نيسان في عام 2010، ودفع مبلغ 50 ألف شيكل (نحو 13 ألف دولار) بدل أتعاب المحكمة العليا الإسرائيلية. والشرطة الإسرائيلية ستحضر إلى الموقع للتفتيش والتحقق من تنفيذ عائلة صلاح قرار الإخلاء. كذلك، هددت الشرطة الإسرائيلية العائلة (إسماعيل ومحمد ومحمود) من خلال المحامي الذي اتصل بالعائلة محذراً وناصحاً بتنفيذ قرار المحكمة العليا. "أخلوا المسكن وإلا سيبهدلونكم ويخرجونكم وستتعرضون لحجوزات وغرامات أخرى وستدفعون 150 ألف شيكل (نحو 41 ألف دولار)". وأبلغ المحامي العائلة أيضاً أنهم سيخرجون لمسح قطعة الأرض التي عليها البيت.

وتحت طائلة التهديد من قبل شرطة الاحتلال وقرار المحكمة العليا والخوف من غرامات أخرى، أخلت عائلة علي إبراهيم صلاح بيتها في 20 إبريل/ نيسان في عام 2010، والذي تقيم فيه منذ عام 1966. وعمد مسّاح إلى مسح الأرض وتحديد قطعة الأرض التي يقع عليها البيت، ومساحته الكلية نحو 200 متر مربع.

وفي 29 إبريل/ نيسان في عام 2010، تسلمت العائلة قراراً من المحكمة الإسرائيلية بفرض غرامة مالية قدرها نحو 22 ألف دولار على المسن علي إبراهيم صلاح، والبالغ من العمر نحو مائة عام، وابنه إسماعيل نحو ثمانية آلاف دولار، وذلك بحجة أنها غرامات ومستحقات متراكمة من قبل. ويحمل التبليغ تهديداً ووعيداً إن لم تدفع العائلة المبلغ المطلوب، على أن تقوم دائرة الإجراء بتنفيذ الحجز على أموال عائلة صلاح وممتلكاتها، ما يعد خطوة للاستيلاء على مساكن عائلات صلاح وأراضيها.

صامد (العربي الجديد) 


وفي 2 مايو/ أيار في عام 2010، داهم عشرات المستعمرين اليهود المسلحين والعشرات من حرس الحدود البيت الذي أخلي قسراً، وقامت المجموعات التي يزيد عددها عن 150 مستعمراً بأعمال استفزازية ضد العائلة.

وبالتزامن مع ذكرى يوم الأرض أمس، تستمرّ مأساة هذه العائلة مع الاحتلال والمستوطنين، كما يقول رب العائلة الذي يجاهد على جبهتين، جبهة الدفاع عن أرضه ومسكن عائلته، وجبهة الاعتناء بأسرته وتربية أبنائه وتعليمهم. وفي كلا الجبهتين، نجح في الصمود والبقاء في أرضه. أما النجاح الكبير، فهو تعليم أبنائه وبناته وقد تخرج عدد منهم في تخصصات مختلفة.

تاريخ حافل بالاعتداءات

وفي توثيقه لما تعرضت له عائلة صلاح، يشير مركز أبحاث الأراضي إلى أن استهداف المجموعات الاستيطانية لعائلة صلاح يرمي إلى مصادرة الأرض التي تقع عليها بيوت العائلة، والتي تعد ضمن المخطط لبناء مستعمرة "جفعات همتوس" على أرض بيت جالا وبيت صفافا المحتلة.

في هذا الإطار، قامت اللجنة اللوائية للبناء والتنظيم في بلدية الاحتلال في فبراير/ شباط 2010، بالمصادقة على المشروع الرابع الذي يحمل مخطط رقم 5834/ب بمسطح 153 دونماً من حوض طباليا – بيت صفافا، وتبلغ مساحته ما بين 900 و1000 دونم، لبناء 549 وحدة سكنية استيطانية.

وسبق للجنة اللوائية الإسرائيلية أن صادقت على ثلاثة مشاريع سابقة على أراضي طباليا، مساحتها 1117 دونماً لإقامة مستعمرة "جفعات همتوس". وعدد الوحدات المقررة منذ عام 1991 هي 4600 وحدة سكنية في بيت صفافا، وتحمل الأرقام التالية: مخطط 5834/ج لبناء 2237 وحدة، مخطط 5834/د لبناء 1100 غرفة فندقية في فنادق تتكون من أربعة طوابق، ستكون في المستقبل جزءاً من مدينة التلال الثلاث التي يتطلع الاحتلال الإسرائيلي لبنائها لتكون بديلاً لمدينة بيت لحم وفنادق القدس الشرقية المحتلة.



وتأتي مصادقة اللجنة اللوائية على هذه المخططات لتكون جاهزة لحظة الشروع في إقامة هذه المشاريع الاستعمارية الكولونيالية، بدلاً من الوحدات السكنية المؤقتة (كونتينرات)، التي أقامتها وزارة الإسكان الإسرائيلية في عام 1991، وأسكنت عليها بعض يهود الفلاشا الذين استقدموا من إثيوبيا.

كذلك، أقدمت شرطة الاحتلال برفقة المستوطن هيركوفيتسش في 18 يونيو/ حزيران 2007، عند الساعة الحادية عشرة ليلاً، على اقتحام منزل عائلة صلاح وحجز أغنام العائلة التي هي مصدر رزقها. وحين رفضت العائلة، طلبت الشرطة منها مبلغ 20 ألف شيكل (نحو خمسة آلاف دولار) بدل القوة التي حضرت ليلاً إلى المكان. ودفعت العائلة المبلغ في مقابل فك الحجز عن الأغنام.

وفي 21 يوليو/ تموز في عام 2007، اقترح قاضي المحكمة المركزية الإسرائيلية على عائلة صلاح أن تُرفع عنها كافة الغرامات في مقابل إقامتها سنتين في بيوتها ثم إخلائها نهائياً. وإن لم تقم بذلك، تبت المحكمة فوراً بقرار الإخلاء، الأمر الذي رفضته العائلة وبقيت متمسكة بحقها.

في الأوّل من أغسطس/ آب في عام 2007، اعتدى المستوطنون على عائلة صلاح، مستهدفين الأب علي صلاح وكان عمره آنذاك 95 عاماً، وقد اعتدوا عليه بالضرب، كما ضربوا الأم شيحة (87 عاماً)، وأشعلوا النار في حظيرة الأغنام بما فيها من أغنام وأعلاف. وفي ديسمبر/ كانون الأول من العام نفسه، صادرت الشرطة الإسرائيلية ــ دائرة الإجراء ــ برفقة المستوطنين، 120 رأساً من الأغنام تعود للعائلة وتبلغ قيمتها 300 ألف شيكل، ودفعت عائلة صلاح 10 آلاف شيكل للمحامي.



في اليوم الثاني من عيد الأضحى، وتحديداً في 20 ديسمبر/ كانون الأول في عام 2007، أرغم حاجز طيار متحرّك أحد أبناء عائلة صلاح، إسماعيل إبراهيم صلاح، على النزول من الباص، واقتيد إلى مخفر شرطة تلبيوت واحتجز فيها بذريعة عدم دفع مبلغ 120 ألف شيكل.
تدفع عائلة صلاح 600 شيكل (نحو 165 دولاراً) للحكومة الإسرائيلية شهرياً، بحجة أن هناك ديوناً سابقة عليها وصلت إلى 160 ألف شيكل (نحو 44 ألف دولار).

وفي الثامن من يليو/ تموز في عام 2009، أصدرت المحكمة الإسرائيلية قراراً بإحراج عائلات أبناء علي إبراهيم صلاح من بيوتهم، وأمهلتهم أسبوعاً فقط، بذريعة أن المحامي لم يدفع مبلغ 750 دولاراً المستحق كتأمين في صندوق المحكمة للشهر الماضي. وفي منتصف يوم الجمعة (30/10/2009)، اعتدت عصابة من المستوطنين اليهود على العائلة، بالضرب إطلاق الرصاص الحي والضرب بأدوات حديدية وسلاسل وغيرها، ما أدى إلى إصاية خمسة أشخاص.

وفي فبراير/ شباط في عام 2010، صادقت اللجنة اللوائية الإسرائيلية على مخطط يحمل الرقم 5834/ب بمسطح 153 دونماً من حوض طباليا – بيت صفافا، على إخلاء العائلة قسراً من بيتها. وفي 29 إبريل/ نيسان في عام 2010، تسلّمت العائلة قراراً من المحكمة الإسرائيلية بفرض غرامة بقيمة مائة وعشرة آلاف شيكل، على أن تتولى دائرة الإجراء الحجز على أموال عائلة صلاح وممتلكاتها إن لم تدفع المبلغ. وفي 2 مايو/ أيار 2010، داهم العشرات من المستوطنين اليهود المسلحين والعشرات من حرس الحدود البيت الذي أخلي قسراً، وقاموا بأعمال استفزازية ضد العائلة.

ذات صلة

الصورة
من رحلة الفلسطيني خليل النواجعة اليومية (العربي الجديد)

مجتمع

يقطع المعلم الفلسطيني خليل النواجعة (58 سنة) يومياً نحو 5 كيلومترات على حماره، من منزله بمنطقة تجمع الجوّايا في بلدة الكرمل إلى مدرسة التوانة في مسافر يطا.
الصورة
فلسطينيون ينزحون من بيت لاهيا جراء القصف الإسرائيلي 17 نوفمبر 2024 (Getty)

سياسة

يتجه الاحتلال الإسرائيلي لتعزيز سيطرته العسكرية على قطاع غزة المحاصر، وسط مؤشرات ملموسة إلى بدء تطبيقه الحكم العسكري، فضلاً عن التأسيس لتطلعات المستوطنين.
الصورة
بنيامين نتنياهو مع أرييه درعي في الكنيست بالقدس 24 يوليو 2023 (رونالدو شيميدت/فرانس برس)

سياسة

نشرت سرايا القدس مقطعاً مصوراً لأحد المحتجزين الإسرائيليين، وجه من خلاله رسالة إلى عضو الكنيست الإسرائيلي زعيم حركة شاس المتطرفة أرييه درعي
الصورة
فك الاشتباك جندي إسرائيلي عند حاجز في القنيطرة، 11 أغسطس 2020 (جلاء مرعي/فرانس برس)

سياسة

تمضي إسرائيل في التوغل والتحصينات في المنطقة منزوعة السلاح بين الأراضي السورية ومرتفعات الجولان المحتلة، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك الموقعة عام 1974.