عاملات النظافة في مدينة الثقافة بتونس إلى الشارع

تونس

بسمة بركات

avata
بسمة بركات
24 ابريل 2019
87F93679-8694-4C19-BF27-C3EA45E32281
+ الخط -
فجأة، انقلبت حياتهن رأساً على عقب. هنّ عاملات النظافة في مدينة الثقافة التونسية، اللواتي تم الاستغناء عن خدماتهن بعد انتهاء القمة العربية أخيراً. وها هن يعتصمن على أمل الحصول على حقوقهن
هنّ أرامل ومطلقات أو يعشن ظروفاً اجتماعياً صعبة. يبدأن نهارهن السادسة صباحاً من أجل تأمين لقمة العيش، من خلال العمل في مجال التنظيفات في مدينة الثقافة، أكبر مركز ثقافي حكومي في تونس العاصمة، والذي دشن العام الماضي. لكنهن فوجئن بطردهن من العمل بعد عام ونصف العام قضينها في العمل.

إحدى العاملات المعتصمات في مدينة الثقافة منذ نحو أسبوع، وتدعى خديجة بلطي، دفعها الاستغناء عنها إلى إضرام النار في جسدها. وعلى الرغم من وضعها الصحي، وبمجرد خروجها من المستشفى، اعتصمت مجدداً. تقول خديجة: "أنا أرملة وطفلي من ذوي الاعاقة. أعيش مع عائلتي حيث أملك سريراً فقط. ظروفي قاسية جداً وأعاني من سرطان الثدي. مع ذلك، ليس لدي المال لاقتناء الأدوية. ما أتقاضاه مخصص لعلاج ابني. لذلك، كان قرار طردي كالصاعقة لأننا سنجوع".

تضيف: "أحرقت نفسي لأن الحياة ظلمتني كثيراً. لم أعد أسمع سوى صوت طفلي وهو جائع. ليس لي خيار سوى العمل. أردت التخلص من حياتي لأنني تعبت كثيراً. أرغب في مناصرة زميلاتي في كفاحهن".

ما زالت تداعيات الطرد والحادثة المأساوية لزميلتهن خديحة تلقي بظلالها عليهن. نظرات تائهة وأخرى حزينة وأصوات بُحّت من جراء الصراخ من أجل استرداد حقوق مسلوبة. لعل أكثر ما يؤلمهن هو التجاهل الذي يلاقينه ونظرات الاحتقار التي يواجهنها بعد الاستغناء عن خدماتهن.
من جهتها، تقول آمال الخميري وهي أم لثلاثة أطفال لـ "العربي الجديد": "ما يؤلمني أنني بدأت العمل قبل الافتتاح الرسمي لمدينة الثقافة في 21 مارس/ آذار 2018، وقد عملت وزميلاتي في ظروف صعبة، وأزلنا الأتربة والرمال مع عمال البناء حتى تظهر المدينة في أبهى صورة". تضيف: "بدأنا العمل تحت إشراف وزارة الثقافة وقد حصلنا على شارات تحمل اسم وزارة الثقافة".

اعتقدت وغيرها أنهن سيعملن في البداية تحت راية هيكل حكومي. كن يجتهدن لتحضير المدينة للافتتاح الرسمي على أمل انتدابهن وتسوية أوضاعهن. وتشير إلى أنه بعد نحو ثلاثة أشهر، فوجئن بإدماجهن ضمن شركة خاصة تولّت الإشراف عليهن وقدمت إليهن وعوداً بالتسوية، وقبلن لأنهن كن مجبرات على العمل سواء كان ذلك مع القطاع الحكومي أو الخاص. تضيف أن غالبية عقودهن مع الشركة الموظفة تنتهي في شهر أكتوبر/ تشرين الثاني 2019، لكن تم الاستغناء عنهن قبل نهاية العقد.

يرفضن طردهن من أعمالهن (العربي الجديد) 


وتبيّن أنه خلال غالبية المؤتمرات الوطنية أو الدولية واستقبال وفود تونسية وعربية، كنّ مضطرات للبقاء حتى وقت متأخر للتنظيف. وتشير إلى أن آخر عمل مضنٍ قمن به كان خلال القمة العربية التي عقدت في تونس. لكن بعد انتهائها في 31 مارس/ آذار الماضي، طلب منهن تسليم شارات العمل والعودة إلى بيوتهن، لأنه ببساطة تم الاستغناء عن الشركة التي توظفهن.

وتوضح المتحدثة أنّهن طردن من دون أن يحصلن على رواتبهن. "أبنائي الثلاثة يدرسون ورمضان على الأبواب. ماذا أطعم أطفالي؟ وكيف أجابه أعباء الحياة؟". تضيف أن الراتب لم يكن يكفي لتسديد النفقات وإتمام الشهر. "فكيف بالعيش من دون راتب؟".

من جهتها، تقول هاجر البجاوي وهي أم لطفلين (6 و8 سنوات)، إنها تعيش في منزل صغير وزوجها عامل يومي، وقد لا يجد عملاً. من خلال راتبها، تسدّد بدل إيجار المنزل ومصاريف الطفلين، وتبحث عن ساعات عمل إضافية. تؤكد أن ظروفها صعبة، وما يؤلمها هو الجحود الذي يلاقينه كعاملات نظافة، ونظرات الازدراء بعد طردهن، لأنهن فئة مهمشة لا حقوق لها. وتبين أن مصيرها جهول في الوقت الحالي.



كذلك، تؤكد أنيسة أن مطلبهن الأساسي هو الخبز أي لقمة العيش. وفي حال رضين براتب زهيد من دون أدنى حقوق كالتغطية الاجتماعية، فالسبب هو حاجتهن لإعالة أسرهن. فلماذا يتم احتقارهن وتجاهلهن؟ وتبين أنه منذ بدأن الاعتصام، لم يكلف أي مسؤول عناء زيارتهن أو الحديث معهن أو الوقوف على أوضاعهن، مشيرة إلى أنهن يشعرن بأن هناك من يحاول التعتيم على قضيتهن. تضيف أنيسة أنها أم لطفلين، وهي في حاجة ماسة إلى العمل. وتبين أن ظروفها تدهورت كثيراً منذ طردها.

ولا تخفي نائلة النفاتي (49 عاماً)، وهي أم لطفلين، أنها تعيش ظروفاً اجتماعية لا تقل قساوة عن زميلاتها. زوجها عامل يومي، وقد اضطرها وضع الأسرة المعيشي الصعب إلى العمل، على الرغم من المخاطر والمضايقات التي تعترضها من جراء تركها المنزل فجراً. تضيف: "ذات يوم، وأمام مقر العمل، عمد شخصان إلى سرقة حقيبتها التي لم يكن فيها سوى دولار واحد، و أشهرا سلاحاً في وجهها. وفي النتيجة، خسرت كل أوراقها الرسمية. مع ذلك، كانت مجبرة على مواصلة العمل، مبينة أن أعمار غالبيتهن تجاوزت الأربعين، ولا آفاق أمامهن أو فرص للتشغيل أو الانتداب في وظائف حكومية، خصوصاً وأن القانون التونسي لا يسمح بانتداب من يفوق سنهن الأربعين.

يخشين ألا يكن قادرات على تأمين احتياجات أسرهن (العربي الجديد) 


إلى ذلك، يبيّن مسؤول بارز في مدينة الثقافة رفض الكشف عن اسمه، لـ "العربي الجديد"، أن "العاملات يتبعن شركة مناولة تعاقدت معها وزارة الثقافة من خلال صفقة عمومية، بعدما فتحت الدولة المجال أمام القطاع الخاص للعمل والتشغيل وخلق موارد رزق. وهذه صفقات تتجدد سنوياً وتخضع للمنافسة"، مشيراً إلى اختيار شركة جديدة مؤخراً ذات مساهمات عمومية، أي تخضع لقانون الوظيفة العمومية، وهي التي فازت بالصفقة الجديدة. يتابع: "سعينا إلى إقناعها بتوظيف عدد من العاملات في محاولة لإيجاد بعض الحلول، وهو ما حصل إذ تم اختيار عدد من عاملات النظافة (نحو 7)، وعدد من الحراس وآخرين، بشرط أن يكونوا أقل من 40 عاماً".



ويوضح المتحدث أنهم طلبوا من الشركة الأولى توزيع العاملات في أماكن أخرى. إلا أن صاحب الشركة أخلف وعده وتركهن لمصيرهن المجهول، مبيّناً أنّ غالبية العاملات كن يعملن من دون أدنى حقوق وبأجر زهيد، على الرغم من العمل طيلة الأسبوع، أي ليس طبق المعايير المنصوص عليها في مجلة الشغل. وللأسف، لا نملك أية سلطة على المشغل الذي ما زالت تربطه عقود عمل بالعاملات.

ذات صلة

الصورة
البنزرتي طالب الاتحاد تحفيز اللاعبين مزدوجي الجنسية (الاتحاد التونسي/العربي الجديد)

رياضة

حقق المدير الفني للمنتخب التونسي فوزي البنزرتي بداية جيدة مع كتيبة "نسور قرطاج"، بعدما حقق فوزين متتاليين، في مستهل تجربته الرابعة مع الفريق.

الصورة
مسيرة احتجاجية في تونس للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، 25 يوليو 2024 (العربي الجديد)

سياسة

طالبت عائلات المعتقلين السياسيين في تونس بإطلاق سراحهم بعد مضي سنة ونصف سنة على سجنهم، وذلك خلال مسيرة احتجاجية انطلقت وسط العاصمة.
الصورة
مقبرة جماعية في منطقة الشويريف بطرابلس، 22 مارس 2024 (الأناضول)

مجتمع

أعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك، الثلاثاء، أن مكتبه يتابع تقارير عن اكتشاف مقبرة جماعية في الصحراء على الحدود الليبية التونسية.
الصورة
مسيرات في تونس تنديداً بقصف خيام النازحين (العربي الجديد)

سياسة

شارك مواطنون تونسيون وسياسيون ومنظمات وطنية وحقوقيون، مساء اليوم الاثنين، في مسيرات في مدن تونسية تنديداً بالحرب على غزة، ولا سيما مجزرة رفح.