04 أكتوبر 2024
عباس وأزمة المشروع الوطني الفلسطيني
لا يكف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس (أبو مازن)، عن اتخاذ قرارات، أو إطلاق تصريحات، صادمة لأبناء شعبه وأنصار القضية الفلسطينية. السلسلة طويلة، لو أريد حصرها وتفصيلها. وهي لا تبدأ بـ"منطقه" التفاوضي الارتجالي مع إسرائيل، أو بتنازله، مرة بعد أخرى، عن "شروطه" للعودة إلى طاولة المفاوضات، وتسفيهه المقاومة الفلسطينية وتحميلها تبعات جرائم الاحتلال، بل والتحريض عليها. كما أنها لا تنتهي بسحبه تقرير غولدستون الذي دان إسرائيل بعدوان عام 2009 على قطاع غزة، من أمام مجلس حقوق الإنسان، ولا كذلك بمطالباته الحثيثة النظام المصري بتشديد الحصار على القطاع، وخنقه أكثر فأكثر.
"النزق" نهج في سياق "قيادة" أبو مازن المشروع الوطني الفلسطيني الذي تقلص إلى ما دون الخطوط الحمراء في عهده. وعملياً، السلطة الفلسطينية تحت رئاسته لم تعد أكثر من مليشيات أمنية، تكمل دور الاحتلال، وهيئة بلدية تتحمل وزر السكان الفلسطينيين، مع تغييب كامل لمسألتي الحقوق التاريخية والثوابت الوطنية التي لا تقبل قسمة ولا تجزيئاً.
اتضحت مجدداً الخفة والرعونة في أسلوب "قيادة" عباس، أخيراً، في جريمة إحراق الرضيع الفلسطيني، الشهيد علي دوابشة، في بلدة دوما جنوب شرق نابلس، على أيدي مستوطنين صهاينة، فبدل أن يصدر أبو مازن أوامره لقواته الأمنية بحماية المدنيين الفلسطينيين، استمرت هذه بشن حملات اعتقالات بحق من يعتقد أنهم مؤيدون للمقاومة في الضفة الغربية. بل داهمت منزل الشهيد المهندس يحيى عياش في قرية رافات في نابلس في اليوم نفسه (الجمعة 31/7) الذي وقعت فيه جريمة الحرق الصهيونية، بغرض اعتقال نجله براء. الأدهى أن عباس، في اجتماعه مع وفد حزب ميرتس اليساري الإسرائيلي الذي زاره في مكتبه في رام الله قبل أيام، بزعم تعزيته بالشهيد دوابشة، خاطب الإسرائيليين: "نحن نقول بصراحة كفى، فنحن لا نستطيع أن نصبر. لكن، خذوها مني كلمة، نحن لن نتبنى الإرهاب، ولن نتبنى العنف، وستبقى سياستنا وأيدينا ممدودة للسلام". هكذا وبقدرة قادر، تحول النقاش، بمبادرة من الرئيس الفلسطيني نفسه، من الإرهاب الصهيوني إلى التحسب من "الإرهاب" الفلسطيني والتعهد بلجمه!
بلغ عباس من الكبر عتياً، فقد جاوز الثمانين، ومضى على رئاسته السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير أكثر من عقد. وبالإضافة إلى منصبي رئيس السلطة والمنظمة، فإنه القائد العام لحركة "فتح"، ورئيس دولة فلسطين. ومع أن ولاية عباس الدستورية في رئاسة السلطة انتهت مطلع عام 2009، فإنه أمّن حينها قرارين بالتجديد له، الأول من المجلس المركزي الفلسطيني، المنتهي الصلاحية، والثاني من مجلس جامعة الدول العربية، غير المخول. ومع ذلك، يتصرف وكأنه الزعيم المفوض، ويتخذ قرارات ارتجالية على قدر شديد من الخطورة، تمس ثوابت القضية الفلسطينية، ومصالح شعبها، من دون أن يرف له جفن.
ولأن "زعامة" أبو مازن تتعرض، اليوم، لمزيد تهديد من خصمه اللدود، القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، فإن قرارات الرجل ومواقفه تتسم بالتخبط أكثر فأكثر. وواضح أن ثمة من يريد التخلص من عباس فلسطينياً وعربياً، ولا يمكن فهم إقصائه لرئيس وزرائه السابق، سلام فياض، وإعفائه ياسر عبد ربه من أمانة سر منظمة التحرير، أخيراً، إلا ضمن سياق الصراع على السلطة، خصوصاً في ظل ما يتناقل من معلومات عن تحالف يجمع الثلاثي ضده. ويبدو أن ثمة شعوراً متزايداً في أوساط دوائر حركة فتح والسلطة الفلسطينية أن أيام عباس أضحت معدودة في القيادة، وأن كفة الوقت تميل إلى دحلان، ومن ذلك، مثلاً، الحكم الذي أصدرته، أخيراً، محكمة استئناف فلسطينية في الضفة الغربية، ويقضي باستمرار تمتع دحلان بالحصانة البرلمانية، في دعوى أقامتها ضده هيئة لمكافحة الفساد، أنشأها عباس نفسه.
كثرت، أخيراً، التكهنات القائمة على تصريحات تنسب إلى عباس نفسه، أو إلى مسؤولين فلسطينيين، أنه ينوي الاستقالة قبل مؤتمر حركة "فتح" المقرر عقده في 29 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. صحيح أن هذه التصريحات نفتها الدائرة المحيطة به، غير أنه من الواضح أن "زعامة" عباس تواجه تحديات حقيقية، وأن سنه المتقدمة، وسياساته المتخبطة، وتحوله إلى عنوان للانقسام الفلسطيني، جعلت منه عبئاً يريد كثيرون، فلسطينيون وعرب وإسرائيليون وأميركيون، التخفف منه، وهو ما جرّأ أمثال عبد ربه عليه، لصالح دحلان المدعوم إماراتياً ومصرياً، ويحظى بقبول إسرائيلي وأميركي، فضلاً عن دعم واسع داخل حركة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة.
يتعلق بعض مما سبق بالجانب الشخصي لأزمة عباس، غير أن الجانب الموضوعي المتعلق بفلسطين هو الأمر الكارثي حقاً. فصراع النفوذ هذا لا يتم على قاعدة وطنية، ولا بهدف تعديل البوصلة، وتصويب المسار الفلسطيني، وجسر هوة الانقسام بين ضفة وقطاع.. إلخ.. للأسف، لا، بل إنه يتم على أرضية من هو الأقدر والأكفأ في خدمة المشاريع المضادة للمشروع الوطني الفلسطيني. وفي هذا، يستوي عباس مع دحلان وعبد ربه وفياض.
اتضحت مجدداً الخفة والرعونة في أسلوب "قيادة" عباس، أخيراً، في جريمة إحراق الرضيع الفلسطيني، الشهيد علي دوابشة، في بلدة دوما جنوب شرق نابلس، على أيدي مستوطنين صهاينة، فبدل أن يصدر أبو مازن أوامره لقواته الأمنية بحماية المدنيين الفلسطينيين، استمرت هذه بشن حملات اعتقالات بحق من يعتقد أنهم مؤيدون للمقاومة في الضفة الغربية. بل داهمت منزل الشهيد المهندس يحيى عياش في قرية رافات في نابلس في اليوم نفسه (الجمعة 31/7) الذي وقعت فيه جريمة الحرق الصهيونية، بغرض اعتقال نجله براء. الأدهى أن عباس، في اجتماعه مع وفد حزب ميرتس اليساري الإسرائيلي الذي زاره في مكتبه في رام الله قبل أيام، بزعم تعزيته بالشهيد دوابشة، خاطب الإسرائيليين: "نحن نقول بصراحة كفى، فنحن لا نستطيع أن نصبر. لكن، خذوها مني كلمة، نحن لن نتبنى الإرهاب، ولن نتبنى العنف، وستبقى سياستنا وأيدينا ممدودة للسلام". هكذا وبقدرة قادر، تحول النقاش، بمبادرة من الرئيس الفلسطيني نفسه، من الإرهاب الصهيوني إلى التحسب من "الإرهاب" الفلسطيني والتعهد بلجمه!
بلغ عباس من الكبر عتياً، فقد جاوز الثمانين، ومضى على رئاسته السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير أكثر من عقد. وبالإضافة إلى منصبي رئيس السلطة والمنظمة، فإنه القائد العام لحركة "فتح"، ورئيس دولة فلسطين. ومع أن ولاية عباس الدستورية في رئاسة السلطة انتهت مطلع عام 2009، فإنه أمّن حينها قرارين بالتجديد له، الأول من المجلس المركزي الفلسطيني، المنتهي الصلاحية، والثاني من مجلس جامعة الدول العربية، غير المخول. ومع ذلك، يتصرف وكأنه الزعيم المفوض، ويتخذ قرارات ارتجالية على قدر شديد من الخطورة، تمس ثوابت القضية الفلسطينية، ومصالح شعبها، من دون أن يرف له جفن.
ولأن "زعامة" أبو مازن تتعرض، اليوم، لمزيد تهديد من خصمه اللدود، القيادي المفصول من حركة فتح، محمد دحلان، فإن قرارات الرجل ومواقفه تتسم بالتخبط أكثر فأكثر. وواضح أن ثمة من يريد التخلص من عباس فلسطينياً وعربياً، ولا يمكن فهم إقصائه لرئيس وزرائه السابق، سلام فياض، وإعفائه ياسر عبد ربه من أمانة سر منظمة التحرير، أخيراً، إلا ضمن سياق الصراع على السلطة، خصوصاً في ظل ما يتناقل من معلومات عن تحالف يجمع الثلاثي ضده. ويبدو أن ثمة شعوراً متزايداً في أوساط دوائر حركة فتح والسلطة الفلسطينية أن أيام عباس أضحت معدودة في القيادة، وأن كفة الوقت تميل إلى دحلان، ومن ذلك، مثلاً، الحكم الذي أصدرته، أخيراً، محكمة استئناف فلسطينية في الضفة الغربية، ويقضي باستمرار تمتع دحلان بالحصانة البرلمانية، في دعوى أقامتها ضده هيئة لمكافحة الفساد، أنشأها عباس نفسه.
كثرت، أخيراً، التكهنات القائمة على تصريحات تنسب إلى عباس نفسه، أو إلى مسؤولين فلسطينيين، أنه ينوي الاستقالة قبل مؤتمر حركة "فتح" المقرر عقده في 29 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. صحيح أن هذه التصريحات نفتها الدائرة المحيطة به، غير أنه من الواضح أن "زعامة" عباس تواجه تحديات حقيقية، وأن سنه المتقدمة، وسياساته المتخبطة، وتحوله إلى عنوان للانقسام الفلسطيني، جعلت منه عبئاً يريد كثيرون، فلسطينيون وعرب وإسرائيليون وأميركيون، التخفف منه، وهو ما جرّأ أمثال عبد ربه عليه، لصالح دحلان المدعوم إماراتياً ومصرياً، ويحظى بقبول إسرائيلي وأميركي، فضلاً عن دعم واسع داخل حركة فتح في الضفة الغربية وقطاع غزة.
يتعلق بعض مما سبق بالجانب الشخصي لأزمة عباس، غير أن الجانب الموضوعي المتعلق بفلسطين هو الأمر الكارثي حقاً. فصراع النفوذ هذا لا يتم على قاعدة وطنية، ولا بهدف تعديل البوصلة، وتصويب المسار الفلسطيني، وجسر هوة الانقسام بين ضفة وقطاع.. إلخ.. للأسف، لا، بل إنه يتم على أرضية من هو الأقدر والأكفأ في خدمة المشاريع المضادة للمشروع الوطني الفلسطيني. وفي هذا، يستوي عباس مع دحلان وعبد ربه وفياض.