والحل الوحيد المتاح اليوم، للخروج من الكارثة الاقتصادية الذي اقترحه، للأسف، أساتذة الاقتصاد بجامعة دمشق، هو تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد إلزامي، أو اقتصاد مقاوم.
ربما يصحّ، من منظور ديكتاتوري ومن واقع ظروف الحرب، أن يطلق نظام بشار الأسد، المنحدر من خلفية عسكرية حدية، خياراتها محصورة على الدوام بين "الشهادة أو النصر"، بدليل أول شعار أطلقوه رداً على ثورة السوريين "الأسد أو نحرق البلد"، وما تحمله تلك الشعارات، من وجودية وعدمية في آن.
أما أن يخرج "الاقتصاد الإلزامي" عن هيئة علمية أكاديمية، ترى أن السبيل للخروج من اقتصاد فاقت خسائره 250 مليار دولار وبلغت نسبة التضخم فيه 1000% وتعدت نسبة الفقراء فيه 85%، فهذا ربما ما يجهز على أي أمل يرجى، حتى ممن يُفترض أنهم حوامل فكرية، لمجتمع أنهكته الحرب، على مدى نيف وخمس سنوات.
قصارى القول: قدمت جامعة دمشق- قسم الاقتصاد - حلولاً أو وفق ما أسمتها "متطلبات تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد مقاوم" في مقدمتها منح قروض إلزامية وطرح سندات حكومية شراؤها إلزامي، بل وجاد الفكر الاقتصادي بحلول أمنية، كأن يتم تشكيل استخبارات الأموال العامة تتعامل مع الهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية بهدف ملاحقة الأموال السورية المهربة إلى الخارج .
إن قفزنا على تجاهل الأكاديميين بدمشق لدور النظام بكل ما حصل ويحصل، وعلى عبقرية حل القرض الإلزامي ولم نسأل عن ملاءة المصارف وقدرتها على منح قروض، أو أثر ضخ كتل نقدية بسوق يعاني من أكبر نسبة تضخم بالعالم، ولم نقف عند مصداقية حكومة الأسد المفلسة التي تعيش منذ سنوات على الديون ورهن وبيع الثروات، في طرحها للسندات أو من سيشتري أوراقاً من مفلس، أو نغض الطرف عن بقية المقترحات العبقرية من ملاحقة مستثمر أو صاحب أموال هرب ببعض مدخراته بعد أن تهدمت منشأته أو اتهم بتمويل الإرهاب لوقوفه إلى جانب شعب يطالب بأبسط حقوق البشر من كرامة وحرية وحسن توزيع الثروة.
لنسأل بعلمية عن جدوى إعادة تفعيل دور الدولة لدرجة الإلزام وليس الوصاية فقط، عبر تقييد التعاملات والعلاقات الاقتصادية، في واقع شلل الاقتصاد الحكومي وعجز الموازنة وتراجع موارد الخزينة العامة لدرجة الجباية من جيوب السوريين، عبر سحب الدعم ورفع الأسعار بشكل دوري.
بمعنى آخر، لو راقت تلك الحلول والمقترحات لنظام لا يمكن أن يرى أبعد من الثأرية واستمرار الحرب حتى ينتهي دوره الوظيفي بتهديم كل شيء وتقسيم سورية، فما هي النتائج على صعيد دخول فئات المجتمع السوري جميعها في أزمات مالية تأتي على ما تبقى من قدرتها الشرائية والمعيشية، بواقع تثبيت الأجور وتنامي التضخم، الذي ستزيده الحلول العبقرية التي قدمها رجال العلم والاقتصاد السوريين.
نهاية القول: شيء مرعب بكل ما لمرعب من معان تلغي أي أمل، فأن يرى رجال الاقتصاد الحل في إلزام رجال الأعمال الذين استفادوا من ميزات الدولة، بحسب المقترحات، ليشتروا سندات أو أذونات حكومية من خزينة فارغة، ويشيرون لجيوب المواطن السوري الفارغة، كسبيل لبقاء الديكتاتور واستمرار حربه، فلا عتب حينئذ على وزير اقتصاد الأسد الذي طرح سابقاً العودة لاقتصاد المقايضة، أو على الأسد نفسه الذي يوصي اليوم بإعادة صياغة قانون التشاركية، ليبيع ما يصلح من القطاع الحكومي بيعه، لشركائه في موسكو وطهران، فكما توصيات "الإلزام" توصل لاقتصاد مقاوم من نظر الاقتصاديين، فبيع البلد سيوصل السوريين للرفاهية من نظر الأسد.