يكاد لا يخلو بيت عراقي من بئر ماء، إذ لم تنفع شرايين المياه الطبيعية من الأنهار والجداول والشلالات والعيون والينابيع التي حبا الله بها أرض الرافدين في توفير مياه صالحة للاستهلاك، فطابور الأزمات يزداد يوماً بعد آخر، ليجد العراقيون أنفسهم أمام معضلة جديدة.
ويقول عبد الرحمن البصري من سكان بلدة الزبير أقصى جنوب العراق، لـ"العربي الجديد": "نتزود في قضاء الزبير بالمياه غير الصالحة للاستهلاك البشري كل ثلاثة أيام، ونستخدمها في غسل الملابس والتنظيف والاستحمام، أما مياه الشرب والطعام نشتريها من سيارات حوضية تجوب الشوارع".
ويبين البصري أن شح المياه عموماً سببه الحكومتان المركزية والمحلية في البصرة التي غالباً ما تفتعل الأزمات، لعدم قيامها بمشاريع خدمية وانشغال مسؤوليها بمصالحهم وكراسيهم وعدم التفاتهم إلى هموم المواطنين ومتطلباتهم، كما أن نهب المال العام له أثر كبير على الوضع الخدمي وعلى رأسها أزمة المياه، ولم تعد هناك منطقة مزودة بمياه صالحة للشرب فجميع السكان يشترون الماء ليشربوا".
ولفت إلى أن "أغلب المسؤولين يلقون باللوم في انقطاع الماء على المناطق الجنوبية ومناطق العراق الأخرى، وعلى ضعف المخصصات المالية، وهذا أصبح الشماعة التي تتزامن مع حالة التقشف والإفلاس التي تعيشها البلاد"، مشيرا إلى أن أكثر المناطق تضرراً إضافة إلى الزبير هي أبي الخصيب، القبلة والتنومة ومدينة البصرة عاصمة المحافظة.
مواطنون من محافظات عراقية تحدثوا لـ"العربي الجديد"، عن حفرهم آباراً في القرى لتفادي أزمة المياه. ويقول أحمد عدنان من محافظة ديالى، "مواطنون كثر في ديالى يعتمدون اليوم على الآبار المنزلية أو الارتوازية، وتكلفة البئر المنزلي تتراوح بين 200 إلى 400 دولار، أما الارتوازي فقد يتراوح سعر حفره بين 4 آلاف إلى 10 آلاف دولار حسب طبيعة الأرض وعمق البئر".
ويشير إلى اشتراك أبناء القرية في تأمين تكلفة البئر لحل أزمة ري البساتين، وكذلك حاجة المنازل في حال انقطاع الماء لمدة ثلاثة أو أربعة أيام، ما يعني زيادة المصاريف على المياه إلى النفقات الشهرية، ولافتاً إلى شراء قارورة المياه سعة 20 لتراً بدولارين أو أقل.
ويقول المحامي عماد من سكان محافظة كركوك : "اشترينا خزانات مياه إضافية معروفة محلياً بـ"التانكي"، وبعد استفحال الأزمة أصبح في كل منزل أربع إلى خمس خزانات، إضافة إلى شراء المضخات التي تساعدنا على ملء الخزانات بالماء التي تصلنا مرتين في الأسبوع، وهي غير صالحة للشرب طبعاً، ونستخدم الفلتر لتصفية مياه الخزانات، كي نستخدمها للشرب والطبخ، الذي نغيره كل يومين بسبب رداءة المياه التي تزودنا بها الدولة".
أم عادل تتحدث عن أزمة طائفية في توزيع المياه في بعض أحياء بلدة المقدادية في محافظة ديالى، وتقول لـ"العربي الجديد": "أسكن في منطقة الثورة وجميع مناطق المحطة والثورة ومنطقة العروبة وجزيرة والمطار في بلدة المقدادية تسيطر عليها المليشيات، وهذه الأخيرة تقطع الماء عن منطقتنا لأن أغلب سكانها من السُنة، في المقابل يقوم بعض سكان المناطق المقابلة ودون علم المليشيات بتزويدنا بالماء، لكننا غالباً ما نشتري الماء من السيارات الحوضية".
إلى ذلك، تعدد الناشطة وديان إبراهيم مسؤولة قسم البحوث في جمعية أجيال، لـ"العربي الجديد" أسباب معاناة العراقيين من أزمة المياه، وهي "ارتفاع كلفة شراء الماء من السيارات الحوضية ورداءتها، ارتفاع كلفة حفر الآبار الخاصة، تكسير أنابيب المياه المنتهي عمرها الافتراضي لغرض الحصول على الماء، الإصابة بالإمراض الجلدية والتهابات المجاري البولية بسبب تلوث المياه، وأخيراً قلة المشاريع الحكومية أو انعدامها وعدم جدية الجهات ذات العلاقة بحل مشكلة الماء، إضافة إلى تجاوز بعض المحافظات على الحصة المائية على حساب محافظات أخرى.