عزيزي غالب هلسا، أكتب لك من ثقافة تترحم عليك وتروي قليلاً عنك ولا يساورني شك أنها ميتة. تركت رواية "الخماسين" مفتوحة في منتصفها على طاولة صغيرة في برندة صيفية في حيفا. وها هو الشتاء يدهمني في مدينة مظلمة وباردة. توفيق صايغ وصفها في إحدى قصائده بالمرحاض الكبير المفتوحة مياهه. "إنها لندن يا عزيزي"، تقول حنان الشيخ.
قبل قليل اتصلت بي "ن"، قلت لها إن تلك الأيام في حيفا (وقد زارتني هناك) كانت تشبه أن يزور المرء حياةً كان يمكن أن تكون حياته لو لم يكن هناك احتلال. ليس هذا بالضبط ما قلته. كان شيئاً عن الزيارة الممكنة لحياة أصبحت مستحيلة. من الخطير أن يتحدث المرء عن نفسه بلغة أجنبية.
تقول الروزنامة إن 25 سنة مرّت على "موتك". لكن، ما من مرة قرأت جملة لك وصدّقت أنك لست في واقعٍ موازٍ، مجاور، أو حتى في مستقبل قريب. لا أخفيك أني، ورغم تسليمي بضرورة الالتزام الاجتماعي والسياسي، أرى المستقبل في الكتابة. وأفكّر الآن أن الالتزام هو شكل من أشكال اليأس. مثل جدة بات عزاؤها في شباب أحفادها؛ أما شبابها هي (أي الكتابة) فأقصى ما تستطيع هو ترحيله إلى مستقبلهم.
ثقيلة هي المخاطبة من وراء الستار الثقيل للموت. ثقيلة هي المخاطبة عموماً هذه الأيام. ثقيلة هي هذه المزحة. المهم. لن أثقل عليك. أود فقط أن أتمنى لك عيد ميلاد سعيداً اليوم.