يثير الاعتداء الإرهابي الأخير لعصابة ما يسمى "تدفيع الثمن" اليهودية المتطرفة على كنيسة "نور متسيون" في القدس المحتلّة، فجر أمس الخميس، موجة عارمة من السخط والتنديد من قبل شخصيات فلسطينية مسيحية وإسلامية، خصوصاً أنّ الاعتداء يأتي بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على اعتداء آخر، استهدف مسجد الهدى في قرية الجبعة، جنوب غرب بيت لحم، في الضفّة الغربيّة.
ولم تتردّد العصابة في إضرام النار في مرافق تابعة للكنيسة، حيث خطّت شعارات عنصريّة بذيئة ضد المسيحية، وأتت النيران على بعض الغرف والحمامات الداخلية، التي يستخدمها الرهبان. وحاولت شرطة الاحتلال التقليل من خطورة الاعتداء، مبرّرة، في بيان صادر عنها، بأنّ الغرفة التي تمّ إضرام النيران فيها، ليست في الكنيسة ذاتها، إنما في مبنى الحلقة الدراسية المسيحية اللاهوتية اليونانية القريبة من المكان ومن حديقة "هبونيم". وقالت إنّ النيران أُضرمت في مرحاض وغرفة الاستحمام في هذه الحلقة الدينية التي يستخدمها، في العادة، رجال الدين من الكهنة والرهبان وغيرهم لدراسة الدين المسيحي.
اقرأ أيضاً: مستوطنون يضرمون النار في كنيسة بالقدس المحتلة
ولم يكن اعتداء أمس الأولَ من نوعه، إذ سبقه تظاهرة وإلصاق لافتات نظمها متطرفون يهود بالقرب من سوق المصرارة، إلى الغرب من بلدة القدس القديمة، طالبت اليهود بالتوجه إلى مقام النبي داود في باب الخليل، وحمايته من المسيحيين، في حين كُتبت شعارات عنصرية على جدران منازل المسيحيين الفلسطينيين في حي الأرمن، وفي الحيين المسيحي والإسلامي من البلدة القديمة.
تنديد واسع بالاعتداء
ولم تتأخر شخصيات مقدسيّة في التنديد بالاعتداء، الذي وصفه رئيس الهيئة الإسلامية المسيحية العليا في القدس، حنا عيسى، "بالإجرامي الدال على همجية ووحشية المستوطنين الذين يمارسون الإرهاب بأبشع صوره، على مرأى قوات الاحتلال"، معتبراً أنّه "نموذج عن أمثلة عديدة من اعتداءاتهم".
وتستهدف تلك الاعتداءات، وفق عيسى، "طمس الهويّة العربيّة الفلسطينيّة، من خلال إزالة أي معلم حضاري يدلّ على الوجود العربي المسيحي- الإسلامي في فلسطين، والقضاء على الجذور التاريخية والتراثية للشعب العربي الفلسطيني".
جرائم حرب
ويتناقض حرق الكنيسة مع المادة (53) من بروتوكول جنيف الأول لعام 1977 التي حظرت الأعمال العدائية الموجّهة ضدّ أماكن العبادة، التي تشكّل التراث الثقافي والروحي للشعوب، فيما تعتبر المادة 8 (فقرة ب) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998، تعمّد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية "جرائم حرب".
وتثير تلك الاعتداءات غضب رجال الدين المسلمين، الذين يرون أنفسهم ونظراءهم من رجال الدين المسيحي في "خندق واحد" في مواجهة هذه الموجة العاتية من التطرّف اليهودي، و"إرهاب عصابة تدفيع الثمن". وفي سياق متّصل، يحمّل مفتي القدس محمد حسين، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، حكومة الاحتلال "المسؤولية عن الاعتداء على الكنيسة ومسجد قرية الجبعة، بالإضافة إلى عشرات الاعتداءات الأخرى على الأماكن الدينيّة المسيحيّة والإسلاميّة، والتي لم تعتقل مقترفيها، بموازاة رفضها تصنيف المنظمة على أنّها إرهابية".
ويطالب الأمين العام لـ"التجمع الوطني المسيحي" في الأراضي المقدسة، ديمتري دلياني، الكنائس بالتوجّه إلى محكمة الجنايات الدولية لمعاقبة الاحتلال على إرهاب المستوطنين واعتداءاتهم الإجرامية، مناشداً الأمم المتحدة "توفير الأمن للإنسان الفلسطيني ومقدّساته حتى قيام الدولة الفلسطينية".
ولا تقتصر هذه الاعتداءات على الكنائس وممتلكاتها من الأديرة والمقابر، وفق ما يوضحه دلياني في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بل "تطال أيضاً رجال الدين، من الرهبان والراهبات، الذين يتعرضون للإهانات والاعتداءات الجسدية، خصوصاً في منطقة حي الأرمن المتاخم لما يعرف بـ"الحي اليهودي"، وأماكن أخرى عدة".
ويرى الفلسطينيون أنّ اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين وانتهاكاتهم، باتت تشكل كابوساً لهم، في وقت لا تتخذ فيه قوات الاحتلال إجراءات رادعة بحقّ أولئك المستوطنين المتحدرين من مستوطنات مقامة على أراضي الفلسطينيين، قرب نابلس والخليل، بل يحظون بدعم من أعضاء الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، أو ممثلين لهم في الكنيست.
اقرأ أيضاً: عمليات "تدفيع الثمن" الإرهابية تنتقل إلى الداخل الفلسطيني
وتجلى هذا الدعم في رفض الحكومة الإسرائيلية والكنيست، العام الماضي، مشروع قرار قدّمه نواب عرب ويسار إسرائيليون، يعتبر عصابة "تدفيع الثمن منظمة إرهابية"، ويصف المنضوين فيها بـ"المخلين بالأمن والنظام"، معتبرة أنّ "اعتداءاتهم لا ترتقي إلى مرتبة الأعمال الإرهابية"، فيما شبههم أعضاء آخرون في الكنيست بلجان الزكاة التابعة لحركة "حماس".
ويدفع عدم معاقبة مرتكبي هذه الاعتداءات، والتي تطال منازل ومركبات الفلسطينيين، إلى مواصلة اعتداءاتهم. وتخشى الأوساط الفلسطينيّة، أن يكون اعتداء أمس الخميس، مقدّمة لمرحلة جديدة من الاعتداءات، قد تستهدف المسجد الأقصى باعتداء دموي، في ظلّ محاولات اقتحامه بشكل يومي، والاعتداء على المصلين، من شرطة الاحتلال، التي توفر الحماية للمستوطنين المقتحمين.
وكان جهاز الأمن العام الإسرائيلي المعروف بـ"الشاباك"، قد أعلن أخيراً عن إحباط محاولة لاستهداف مسجد الصخرة المشرفة وسط المسجد الأقصى، بطائرة صغيرة موجّهة عن بعد، فيما أحبط حراس الأقصى محاولتين على الأقل منذ مطلع العام الحالي لتوجيه طائرات مماثلة.
وتعد منظمة "تدفيع الثمن" امتدادًا لمنظمة "كهانا" الإرهابية الفاشية، التي أعلنت عام 1994 منظمة غير شرعية، ولم يمنعها ذلك من مواصلة جرائمها.