عصر دموي بامتياز..
نعيش، الآن، عصرا دمويا بامتياز، لم نعهده، عصر حكام استمرأوا القتل وسفك الدماء، وسياسيين يدورون في فلك التكسب والانتهازية، وعلماء يرقصون على موائد النفاق والتملق. نعيش عصر الانقلاب على الثوابت، والتجرؤ على المقدسات والدوس على المبادئ، والمجاهرة بالتطبيع مع أعداء الأمة. ووصل بعض الحكام إلى قمة "عطائهم" في القتل والاستبداد وإبادة البشر، وجمع آخرون بين قتل الشعوب وخدمة منقطعة النظير للمشروع الصهيوني المسنود من الإدارة الأميركية راعية اللاديمقراطية العربية والتمزق العربي، وحامية حكام الولاء الصهيوني. فقد قتل بشار الأسد الآلاف من الشعب السوري، وشرد ملايين، وأبدع في صناعة القتل و"تنميته". يرمي براميله المحرقة في حرب غير متكافئة على الأطفال والنساء والشيوخ وقتلهم بـ"الكيماوي"، واستنفد جميع وسائله القاتلة للبقاء في السلطة، تحت خديعة مقولة "الممانعة"، فيما كانت الحرية المطلب الوحيد للشعب، "بدنا حرية"، وبشكل سلمي في البداية. أما "فرعون" مصر، فماذا بقي له من شيء لم يفعله في هذه الدولة، ذات التاريخ العريق. قتل نظامه الآلاف من المواطنين السلميين في "رابعة" ومواقع أخرى، واعتقل الآلاف من معارضي انقلابه الدموي، جوّع الجوعى، وأفقر الفقراء، وأغنى الأغنياء وروع الآمنين، وقوّى شوكة المفسدين، وأكثر زمرة المنافقين والمتملقين من كل أطياف المجتمع، منهم "وعاظ" و"علماء"، انفرطت عقد سبحتهم بين عشية وضحاها، وسقط قناعهم، وأصبحوا دمية في يد الانقلابيين، حتى إن أحدهم لم يستح في تشبيه السيسي ووزير داخليته السابق بـ"الرسل"، واستهدف هذا النظام الانقلابي المقاومة الفلسطينية الباسلة، وفي مقدمتها حركة حماس التي رفعت شأن الأمة الإسلامية، ووسمها بالحركة الإرهابية، ويتبجح بعلاقاته الحميمة مع الصهيوني المجرم نتنياهو. أما نجوم الشاشة الانقلابية، فأصبحوا متفوقين في نسج قصص الخيال، عن "فرعون مصر"، وأبدعوا في شيطنة معارضي الانقلاب الدموي، ويذكرونني بـ"المغني الشعبي" الذي كلما رشقته برزمة من الأوراق النقدية، ازدادت حركات غنائه سرعة، وتغنى باسمك وبمناقب غير موجودة في كوكب الأرض، طلبا للمزيد.
كل الحروب التي تدق طبولها في أغلب المناطق العربية تحركها مصالح ونوازع وهوى حكام تلبّسهم مارد الاستبداد، وأعمى قلوبهم وبصيرتهم، وآخرون استهوتهم نزوات بسط نفوذهم الطائفي، فتحولوا إلى آلات قتل وتدمير للحرث والنسل، وأبت الديمقراطية أن تحكم حالنا. فها هو حفتر العسكري الفاشل بدعم من جهة معروفة وتحركه خيوط عربية وغربية، يسعى، بكل قوة، إلى ردم خيمة العرس الديمقراطي الليبي الذي سالت الدماء من أجل نصبها، ومن أجل إسقاط "عظيم ليبيا"، فاستأسد حفتر بطائراته على الشعب الليبي الطامح إلى الحرية والديمقراطية والعيش الكريم.. وانبرى بشكل جبان في إنزال صواريخه من السماء، من أجل تدمير المنشآت الحيوية للبلاد، وقتل العباد وزرع الفتنة في وسط الشعب الليبي الذي حقق المعجزة في ثورته ضد الظلم والاستعباد.
التمزق نفسه يعيشه اليمن بتفاصيل مختلفة، اختلط بها ثأر النظام السابق المتحالف مع "الحوثيين" الحالمين ببسط نفوذهم الطائفي، بدعم من إيران، التي بدورها انغمست في تمزيق دولة العراق التي تتقاذفها أمواج الحركات الإرهابية من كلا الطائفتين، من أجل تغيير الخريطة الطائفية لهذه الدولة.
الوضع العربي، الآن، بجميع ملامحه وتمظهراته لا يخدم إلا مشروعاً واحداً، هو المشروع الصهيوني، ولا يضعف إلا وحدتنا العربية وقضيتنا المركزية فلسطين الجريحة التي تعيش أحلك أيامها، لكن الفجر قريب الانبلاج.