عصر ما بعد الرأسمالية والديمقراطية... ما شكله؟
يدخل بتقديري العالم الغربي وبالأخص أميركا حقبة "ما بعد الديمقراطية"، فبروز الشعبوية كان أحد ملامح هذه الحقبة، وشيوع العنصرية مجدداً مؤشر آخر على ذلك العهد الجديد، وما الحركة العابرة للدول التي انتفضت في شوارع واشنطن ولندن وباريس والعالم إلا إيذان ببدء هذا العصر.
فكرة الرأسمالية قامت على الرفاه، وانحسار هذا الرفاه، في العقدين الماضيين، عرّى كثيراً من إشكالات النظام الرأسمالي، فظهرت الشعبوية، والحركات العنصرية، ومكّن ذلك النظام لرجال المال الذين استحوذوا على النظام الديمقراطي ووظفوه لصالحهم، كل هذا عزز من شعور الشعوب بعدم العدالة.
وإذ إن أكبر ديمقراطيات العالم، يحكمها رئيس عنصري وقف في القرن الحادي والعشرين أمام الكنيسة حاملاً الكتاب المقدس، خالطاً السياسية بالدين وكأنه يدعو لحرب دينية، فإن السؤال يكون مشروعاً: هل ستجد دعوة الرئيس السابق بارك أوباما للمتظاهرين "بأن يوجهوا غضبهم نحو صناديق الاقتراع" استجابة؟ فذات الصناديق تلك هي التي أتت بالرئيس الحالي الذي وصفه وزير دفاعه السابق بأنه الرئيس الوحيد الذي يعمق الانقسام والعنصرية في المجتمع الأميركي، بدلاً من أن يكون راعياً للوحدة وتعزيز روح المواطنة.
تقديري أننا لسنا فقط أمام لحظة أميركية فارقة، بل أمام لحظة عالمية فارقة، فعقب سقوط الاتحاد السوفييتي كان البديل الأميركي الرأسمالي جاهزاً لقيادة العالم، لكن في هذه اللحظة التي يمرّ هذا البديل بأزمة غير مسبوقة، فإنّ التساؤل مشروع عن شكل العالم ما بعد الديمقراطية والحداثة والرأسمالية، والذي يبدو بظني أنه عالم ستغلق فيه الحدود التي فتحت عقب الحرب العالمية الثانية، وسيشهد صراعات جديدة هذه المرة بين عموم الطبقة المسحوقة التي ملّت من احتكار الشركات العابرة للقارات للمال والقرار، وكذلك بين كل مكونات النظام الرأسمالي وأذرعه الاقتصادية، فأعمال العنف المدانة، هي بشكل أو بآخر تصفية حساب وتعبير عن غضب تلك الشرائح المهمشة، من تغول وتوحش السوق، لكن ما هو البديل؟ حتى هذه اللحظة لا أحد يعرف.