بعد 6 أشهر من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انسحاب بلاده من الاتفاق النووي مع إيران، تسعى الولايات المتحدة، اعتبارا من يوم الإثنين المقبل، إلى خنق الاقتصاد الإيراني عبر عقوبات واسعة النطاق، لكن وسط شكوك في مدى فعاليتها.
وتعهدت الولايات المتحدة بوقف جميع مبيعات النفط المرتبطة بإيران، التي يعد الخام بين صادراتها الرئيسية، وتعليق التعاملات المصرفية الدولية معها، معيدة بذلك فرض عقوبات رفعها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
لكنّ أمورا كثيرة تغيرت منذ استهدفت إدارة أوباما الاقتصاد الإيراني في 2012. وحظي الرئيس الأميركي السابق بدعم دولي، ولو على مضض في بعض الأحيان، عندما وضع هدف إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات لوقف برنامجها النووي، نصب عينيه.
وأكد المفتشون الأمميون أن طهران التي يقودها حسن روحاني، وهو رئيس أكثر اعتدالا من آخرين سبقوه، تلتزم بالاتفاق الذي أبرم عام 2015، والذي لا يزال يحظى بدعم القوى الأوروبية وروسيا والصين الموقّعة جميعها على الاتفاق النووي.
وتقول الخبيرة في الشأن الإيراني باربرا سلافين، من المجلس الأطلسي في واشنطن: "لسنا في عام 2012 عندما اتّحد العالم خلف العقوبات بحق إيران. نحن أمام إدارة ترامب التي تحاول إجبار المجتمع الدولي على الالتزام بسياسة لا تقبل بها معظم الدول".
وأضافت: "نجحت الولايات المتحدة نوعا ما في تخويف الشركات الرئيسية. تسببت العقوبات في أذى كبير. لكن سيبقى بإمكان إيران بيع النفط"، خصوصا إلى الصين.
وقبِلت الولايات المتحدة بواقع أنه سيكون عليها منح استثناءات لدول لن تتوقف تماما عن شراء النفط الإيراني. وتسعى دول حليفة للولايات المتحدة، مثل الهند وكوريا الجنوبية، للحصول على إعفاءات من العقوبات.
والأرجح أن تتمكن طهران كذلك من مواصلة بعض مبيعاتها بشكل سري. وسعى الاتحاد الأوروبي جاهدا لحماية الشركات التجارية التي تعمل في إيران. فأعلن عن خطط لوضع إطار قانوني يمكّن من تجنب العقوبات الأميركية، رغم أن عددا قليلا من الشركات الرئيسية بدا مستعدا للمخاطرة بالتعرض لعقوبات تفرضها أكبر قوة اقتصادية في العالم.
شكوك بشأن هدف واشنطن
وأصدر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لائحة مطالب من إيران تتجاوز البرنامج النووي الذي ركزت عليه الاتفاقية المبرمة في عهد أوباما. وتتضمن هذه المطالب دعوة إيران إلى الانسحاب من سورية، حيث تدعم رئيس النظام السوري بشار الأسد، إضافة إلى التخلي عن دعمها لحركة "حماس" و"حزب الله". وأصر بومبيو كذلك على ضرورة إنهاء إيران دعمها للحوثيين في اليمن الذين يواجهون حملة عسكرية تقودها السعودية وتدعمها واشنطن.
وعبر "تويتر"، أشار بومبيو أخيرا إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع انكماش الاقتصاد الإيراني بنسبة 3.6% في العام المقبل. وقال "هذا ما يحصل عندما يسرق النظام الحاكم من شعبه ويستثمر في الأسد، بدلا من خلق الوظائف للإيرانيين... إنهم يخربون الاقتصاد".
لكن الخبراء لا يتوقعون حصول أي تغيير في خطاب القادة الإيرانيين، خصوصا بالنسبة إلى المؤسستين العسكرية والدينية اللتين تعدان مقاومة الولايات المتحدة من مرتكزات عقيدتهما، منذ إطاحة الثورة الإسلامية عام 1979 بالشاه المؤيد لواشنطن.
ويقول علي فائز، من مجموعة الأزمات الدولية: "إنه تفكير غير واقعي. تمكن الإيرانيون من مواصلة دعمهم لمقاتلين وحلفاء إقليميين على مدى 40 عاما رغم الضغط الاقتصادي".
ويضيف أن إدارة ترامب تعتقد أن نفوذ إيران سيتلاشى، رغم أن هدف واشنطن النهائي لا يزال غير واضح. ويقول فائز: "أعتقد أن النهاية تعتمد على الجهة التي تسأل. فبينما الرئيس نفسه مهتم أكثر بالتوصل إلى اتفاق أفضل وأشمل مع الإيرانيين، أعتقد أن معظم أعضاء فريقه الأمني مهتمون أكثر إما بزعزعة استقرار إيران أو ضمان تغيير النظام في طهران".
نموذج كوريا الشمالية
ويعتقد دبلوماسي أوروبي أن ترامب يتبع مع إيران الاستراتيجية ذاتها التي طبقها مع كوريا الشمالية، التي يتفاوض معها بعد عام من تهديدها بـ"النار والغضب". ويقول: "إنها خطة الحرب ذاتها التي اتبعها مع كيم جونغ أون وكوريا الشمالية: عقوبات، وأقصى درجات الضغط، ومن ثم استعداد للتفاوض".
وتشير الولايات المتحدة إلى أنها تستثني السلع الإنسانية من العقوبات، رغم أن الأوروبيين قالوا إنهم لم يحصلوا على أي إرشادات تتعلق بكيفية تجنب العقوبات. ويرى دبلوماسي غربي آخر تحدث لوكالة "فرانس برس"، أن إيران أكثر اعتمادا على العالم الخارجي مما يعتقد أتباع تيارها المحافظ.
ويقول: "في الحقيقة، هناك إشارات على بدء حالة ذعر جراء النقص في الدواء. نتجه مجددا إلى اقتصاد الحرب القديم الخاضع لرقابة مشددة".
ويعقّد جهود ترامب تزايد الانتقادات للسعودية، خصم إيران الإقليمي، والتي لطالما ضغطت على واشنطن لتشديد موقفها حيال الجمهورية الإسلامية، على خلفية جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول.
(فرانس برس)