الرحمة هي ما يفقده الكثير من الآباء والأمهات، حين يقرّر أولادهم تركهم من خلال نقلهم إلى دور للمسنين، أو عدم الاهتمام برؤيتهم، أو الانفاق عليهم. وفي هذا السياق، شهد المغرب العديد من الجرائم
تكثر قصص عقوق الوالدَين، ولا يختلف المجتمع المغربي عن سواه من المجتمعات. ونرى أبناءً كثراً يهملون آباءهم، فلا يهتمون بأمورهم، وقد يصل الأمر إلى حدّ الإساءة إليهم، لا سيّما من خلال الضرب. وفي أكثر من مرّة، سُجَّلت جرائم في حقّ هؤلاء. ولا يتورّع الأبناء في أحيان كثيرة، عن "رمي" آبائهم في مراكز للمسنّين وينقطعون عن زيارتهم، أو يتوقّفون عن الاطمئنان عليهم وسؤالهم عن أحوالهم عندما يتقدّمون في السنّ.
في اليوم الذي سبق عيد الأضحى الماضي في شهر أغسطس/ آب، اهتزّت مدينة تامنصورت القريبة من مراكش (جنوب)، إثر اعتداء شاب يبلغ من العمر 17 عاماً على والده بالضرب بواسطة عصا، بسبب خلاف حول أضحية العيد. كان النقاش قد احتدم بين والدَيه، فاختار الابن تأييد والدته ليستهدف والده بضرب مبرح خلّف له جروحاً متفاوتة الخطورة.
من جهتها، شهدت مدينة آسفي الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي، جريمة شنيعة أيضاً، ارتكبها شاب يبلغ من العمر 22 عاماً، لم يتردد في الإجهاز على والده وقطع رأسه عندما كان مستغرقاً في نوم عميق. وقد دفن جثّته بالقرب من منزل العائلة، أمّا الهدف فرغبته في الزواج والاستقرار بمفرده في بيت العائلة.
أمّا مدينة طنجة (شمال)، فقد عرفت جريمة بشعة أخرى، عندما اعتدى شاب لم يُكشَف عن سنّه، على والدته بسكين، بسبب خلاف عائلي بسيط، بينما شهدت مدينة سلا (غرب)، حادثة تعنيف أتى بها شاب آخر لم يُكشَف عن سنّه كذلك، انقضّ بالضرب على والده مسبباً له جروحاً، على خلفية رفض الابن نصائح والده المتكررة له.
اقــرأ أيضاً
إلى جانب العنف الجسدي، يظهر عقوق الآباء من خلال رفض الأبناء الإنفاق عليهم. فالابن أو الابنة، وبمجرّد حصولهما على استقلاليتهما، يرسمان لنفسيهما مسار حياة خاصة، ويتخلّيان عن أهلهما على الرغم من قدراتهما المادية الجيدة. وتصل في أحيان كثيرة ملفات العقوق بشأن النفقة إلى ردهات المحاكم. من بين تلك القضايا، الدعوى القضائية التي رفعتها أمّ مغربية ضدّ أبنائها لعدم تخصيصهم نفقة لها على الرغم من أوضاعها المزرية وظروفها الصحية الحرجة. وقد تلمّست توفير سكن دائم لها ومساعدة منزلية، ليأتي قرار المحكمة جازماً بضرورة نفقة الأبناء على والدتهم.
يحكي إبراهيم، وهو شاب مغربي كان يسيء معاملة والدَيه، لـ"العربي الجديد"، أنّه كان معروفاً في أحد أحياء الرباط الشعبية بالإساءة إليهما قبل أن يتوفى والده. وإذ يتحجّج بـ"تأثير الخمر عليّ وبمكائد زوجتي السابقة التي لم تكن تطيق تصرفات والدَيّ اللذَين كانا يسكنان معنا في منزل واحد"، يؤكد الشاب أنّه "يحزّ في نفسي كيف كانت والدتي على الرغم من أذيّتي لها بالسبّ والشتم والتعنيف أحياناً، تقف إلى جانبي عندما أقع في قبضة الأمن بسبب سوء سلوكي أو ضبطي مخموراً أو مخدّراً. وكانت تحضر الطعام إلى السجن، أو تقترض من أجل توكيل محامين لإخراجي من ورطتي". واليوم، "بعدما أنّبني ضميري كثيراً، ابتعدت عن الكحول وأنهيت زواجي".
في السياق، تقول الباحثة في علم الاجتماع، ابتسام العوفير، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العقوق يعود في الأساس إلى تغيّرات سريعة طارئة على المجتمع، ومنها أنّ الأسرة التي كانت تضمّ الجدّ والجدّة والعمّ والعمّة والخال والخالة انقرضت، وباتت المواجهة يومية بين الأبناء والآباء من دون حماية من قبل الأسرة الممتدة التي كان لها دور في امتصاص الصدمات وحلّ المشاكل".
اقــرأ أيضاً
من جهته، يقول الباحث في العلوم الشرعية، الدكتور محمد بولوز، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عقوق الوالدَين يعني شقّ عصا طاعتهما وقطع رحمهما وأذيتهما بمختلف أشكال الأذيّة، بالأقوال والأفعال والتصرفات وحتى بالنظرات. وقد يبدأ ذلك من التأفف وإغلاظ القول والسبّ والشتم، ويصل إلى حدّ الضرب والتعنيف والقتل". يضيف بولوز أنّ "انتشار العقوق مؤشّر إلى جملة آفات تنخر المجتمع، من جهل بالدين أو تعطّل أحكامه وآدابه وتنزيله في واقع الناس، وتراجع القيم الفاضلة واندحار الأخلاق وغياب التربية الحسنة في الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والتربوية، ووجود أزمة حقيقية وتفكك أسري رهيب، إذ إنّ الإحسان ينقلب إلى جحود وعقوق ونكران للجميل".
ويلفت بولوز إلى أنّ "العقوق عنوان لفشل الأسرة والمدرسة والبرامج التي ينشأ عليها الأطفال، ومؤشّر كذلك إلى الهشاشة الشديدة والفقر المدقع واختلاف التصوّر بين الأجيال، جيل الآباء وجيل الأبناء، بما ينتج توتّراً شديداً يؤدّي في أسوأ الأحوال إلى عقوق الوالدَين". ويدعو بولوز إلى "ضرورة التدخّل العاجل من قبل مؤسسات اجتماعية وعلمية وتربوية وثقافية بصورة مندمجة وفعالة لإعادة اللحمة إلى الأسرة وقيمة الوفاء بين أفرادها وأجواء المودّة والرحمة والسكينة بينهم". ويؤكّد أنّه "من شأن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة أن يخفف من العقوق لمصلحة ما هو جميل بين الآباء والأبناء".
تكثر قصص عقوق الوالدَين، ولا يختلف المجتمع المغربي عن سواه من المجتمعات. ونرى أبناءً كثراً يهملون آباءهم، فلا يهتمون بأمورهم، وقد يصل الأمر إلى حدّ الإساءة إليهم، لا سيّما من خلال الضرب. وفي أكثر من مرّة، سُجَّلت جرائم في حقّ هؤلاء. ولا يتورّع الأبناء في أحيان كثيرة، عن "رمي" آبائهم في مراكز للمسنّين وينقطعون عن زيارتهم، أو يتوقّفون عن الاطمئنان عليهم وسؤالهم عن أحوالهم عندما يتقدّمون في السنّ.
في اليوم الذي سبق عيد الأضحى الماضي في شهر أغسطس/ آب، اهتزّت مدينة تامنصورت القريبة من مراكش (جنوب)، إثر اعتداء شاب يبلغ من العمر 17 عاماً على والده بالضرب بواسطة عصا، بسبب خلاف حول أضحية العيد. كان النقاش قد احتدم بين والدَيه، فاختار الابن تأييد والدته ليستهدف والده بضرب مبرح خلّف له جروحاً متفاوتة الخطورة.
من جهتها، شهدت مدينة آسفي الواقعة على ساحل المحيط الأطلسي، جريمة شنيعة أيضاً، ارتكبها شاب يبلغ من العمر 22 عاماً، لم يتردد في الإجهاز على والده وقطع رأسه عندما كان مستغرقاً في نوم عميق. وقد دفن جثّته بالقرب من منزل العائلة، أمّا الهدف فرغبته في الزواج والاستقرار بمفرده في بيت العائلة.
أمّا مدينة طنجة (شمال)، فقد عرفت جريمة بشعة أخرى، عندما اعتدى شاب لم يُكشَف عن سنّه، على والدته بسكين، بسبب خلاف عائلي بسيط، بينما شهدت مدينة سلا (غرب)، حادثة تعنيف أتى بها شاب آخر لم يُكشَف عن سنّه كذلك، انقضّ بالضرب على والده مسبباً له جروحاً، على خلفية رفض الابن نصائح والده المتكررة له.
إلى جانب العنف الجسدي، يظهر عقوق الآباء من خلال رفض الأبناء الإنفاق عليهم. فالابن أو الابنة، وبمجرّد حصولهما على استقلاليتهما، يرسمان لنفسيهما مسار حياة خاصة، ويتخلّيان عن أهلهما على الرغم من قدراتهما المادية الجيدة. وتصل في أحيان كثيرة ملفات العقوق بشأن النفقة إلى ردهات المحاكم. من بين تلك القضايا، الدعوى القضائية التي رفعتها أمّ مغربية ضدّ أبنائها لعدم تخصيصهم نفقة لها على الرغم من أوضاعها المزرية وظروفها الصحية الحرجة. وقد تلمّست توفير سكن دائم لها ومساعدة منزلية، ليأتي قرار المحكمة جازماً بضرورة نفقة الأبناء على والدتهم.
يحكي إبراهيم، وهو شاب مغربي كان يسيء معاملة والدَيه، لـ"العربي الجديد"، أنّه كان معروفاً في أحد أحياء الرباط الشعبية بالإساءة إليهما قبل أن يتوفى والده. وإذ يتحجّج بـ"تأثير الخمر عليّ وبمكائد زوجتي السابقة التي لم تكن تطيق تصرفات والدَيّ اللذَين كانا يسكنان معنا في منزل واحد"، يؤكد الشاب أنّه "يحزّ في نفسي كيف كانت والدتي على الرغم من أذيّتي لها بالسبّ والشتم والتعنيف أحياناً، تقف إلى جانبي عندما أقع في قبضة الأمن بسبب سوء سلوكي أو ضبطي مخموراً أو مخدّراً. وكانت تحضر الطعام إلى السجن، أو تقترض من أجل توكيل محامين لإخراجي من ورطتي". واليوم، "بعدما أنّبني ضميري كثيراً، ابتعدت عن الكحول وأنهيت زواجي".
في السياق، تقول الباحثة في علم الاجتماع، ابتسام العوفير، لـ"العربي الجديد"، إنّ "العقوق يعود في الأساس إلى تغيّرات سريعة طارئة على المجتمع، ومنها أنّ الأسرة التي كانت تضمّ الجدّ والجدّة والعمّ والعمّة والخال والخالة انقرضت، وباتت المواجهة يومية بين الأبناء والآباء من دون حماية من قبل الأسرة الممتدة التي كان لها دور في امتصاص الصدمات وحلّ المشاكل".
من جهته، يقول الباحث في العلوم الشرعية، الدكتور محمد بولوز، لـ"العربي الجديد"، إنّ "عقوق الوالدَين يعني شقّ عصا طاعتهما وقطع رحمهما وأذيتهما بمختلف أشكال الأذيّة، بالأقوال والأفعال والتصرفات وحتى بالنظرات. وقد يبدأ ذلك من التأفف وإغلاظ القول والسبّ والشتم، ويصل إلى حدّ الضرب والتعنيف والقتل". يضيف بولوز أنّ "انتشار العقوق مؤشّر إلى جملة آفات تنخر المجتمع، من جهل بالدين أو تعطّل أحكامه وآدابه وتنزيله في واقع الناس، وتراجع القيم الفاضلة واندحار الأخلاق وغياب التربية الحسنة في الأسرة والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والتربوية، ووجود أزمة حقيقية وتفكك أسري رهيب، إذ إنّ الإحسان ينقلب إلى جحود وعقوق ونكران للجميل".
ويلفت بولوز إلى أنّ "العقوق عنوان لفشل الأسرة والمدرسة والبرامج التي ينشأ عليها الأطفال، ومؤشّر كذلك إلى الهشاشة الشديدة والفقر المدقع واختلاف التصوّر بين الأجيال، جيل الآباء وجيل الأبناء، بما ينتج توتّراً شديداً يؤدّي في أسوأ الأحوال إلى عقوق الوالدَين". ويدعو بولوز إلى "ضرورة التدخّل العاجل من قبل مؤسسات اجتماعية وعلمية وتربوية وثقافية بصورة مندمجة وفعالة لإعادة اللحمة إلى الأسرة وقيمة الوفاء بين أفرادها وأجواء المودّة والرحمة والسكينة بينهم". ويؤكّد أنّه "من شأن العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة أن يخفف من العقوق لمصلحة ما هو جميل بين الآباء والأبناء".