كرمته لجنة الجائزة العربية للعلوم الاجتماعية والإنسانية التابعة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بمنحه الجائزة الثانية الخاصة بأدوار المثقفين في التحولات التاريخية. وكان بحث الدكتور علي الصالح مولى تحت عنوان "هل من حاجة اليوم إلى مثقف هووي؟ بحثٌ في تراجع الأدوار التقليديّة ونظرٌ في البدائل". وكان لنا معه هذا الحوار:
- يبدو أنكم من المهتمين بالمثقفين، هل تعتقد بأن المثقف لا يزال له دور فاعل، في مرحلة هيمن فيها السياسي والإعلامي ورجل الأعمال والأمني؟
تاريخ المثقّف بالمعنى الدقيق هو تاريخ إنتاج القيم والدفاع عنها وترويجها. وهو بالاستتباع تاريخ احتجاج. والمتخصّصون في هذا الشأن يعلمون بفحوى رسالة الأديب الفرنسيّ إميل زولا (Zola) الشهيرة وسياقها: "إنّي أحتجّ" (J’accuse) التي توجّه بها في نهاية القرن التاسع عشر إلى الرئيس الفرنسيّ فيليكس فور (Félix Faure). كان المثقّف بعبارة سارتر "يدسّ أنفه في ما لا يعنيه". ويبدو أنّه كان سليل التحوّلات الكبرى التي تَأنْسَنَ فيها الوجود البشريّ في أوربّا خاصّة. لكنّ مسار المثقّف الرساليّ عرف في بعض الأطوار من تاريخ تطوّره أزمات وتحدّيات كبرى. منها صعود اتّجاهات عملتْ على الإطاحة بعالم القيم والمثل وكرسّتْ سلطان المصلحة والمنفعة وهدّدتْ المثقّف في مجاله وأدواره. وكان انهيار الاتّحاد السوفييتيّ واستحواذ الرؤية الأميركيّة على العالم بما فيها من تسليع (marchandisation) لكلّ شيء، وتقلّص حجم أوروبّا في العالَم من أبرز التحوّلات التي أصابتْ المثقّف إصابة مباشرة. ونتجَ عن تَشَكّل المشهد العالميّ الجديد فاعلٌ آخَر يُعْرَفُ بـ"الخبير". وعبارة "الثينك تانكس" (Think tanks) توفّر إجابة مُرضية عن سؤال: لماذا تراجع دور المثقّف اليوم؟ وربّما ساعدتْ على تخفيف الكمّ الهائل من إدانة المثقّف. فـ"نهاية المثقّف" هي في الحقيقة نهاية سياق تاريخيّ كامل تَرَكّز على تكثيف الوعي بالمعنى ليُسْتَبْدَلَ بسياق تاريخيّ آخَر يستمدّ شرط وجوده من تكثيف الوعي بالمنفعة. وفي فسحة الفراغ التي تركها المثقّف برز فاعلون آخرون لتغطية الفراغ كالسياسيّ والتقنيّ والإعلاميّ.
- من يحدّد الآخر حسب رأيكم، المثقف يكيّف الهوية وفق تطلعاته ومصالحه، أم أن الهوية هي التي تتدخل بقوة فتكيّف شخصية المثقف وتحدد دوره؟
كان المثقّف بالمعنى المشار إليه صاحبَ رسالة. وكان أفقُ عمله هو المساعدةَ على تحرير الإنسان من نزعات الاستلاب والقهر. وأمّا مسألة الهُويّة من حيث هي المقوّمات والعلامات التمييزيّة التي تنفصل بها جماعة بشريّة عن جماعة أخرى لِتَتَعيّن تعيينا ثقافيّا أو عرقيّا أو جغرافيّا أو لغويّا، فيبدو أنّ دور المثقّف في صياغتها ثانويّ. الفاعل الأساس فيها هو الرصيد المتراكم في مخيال الجماعة وتوظيف ذاك المخيال من أطراف عديدة بحسَبِ المقام (السياسيّ، رجل الدين، الإيديولوجيّ...). وحين ينخرط المثقّف في توجيه المخيال توجيها براغماتيّا لصالح هذه الجهة أو تلك يفقد صفة المثقّف ويتحوّل إلى "مستثمر" في القيم. المشكلة الحاصلة اليوم هي أنّ صفة المثقّف صارتْ تُوزّعُ مجاناً على مَنْ أراد. مَنْ أردْتَ أنْ تُحْسِنَ إليه وليس لك ما به تجود عليه، فأطْلِقْ عليه صفة "مثقّف". ليس المثقّف هو مَنْ يحسنُ الكلام في المواضيع كلّها. وليس المثقّف مناضلا سياسيّا أو زعيما حزبيّا أو خطيبا منبريّا. هذه وظائف يختصّ بها مَنْ يمارسها. المثقّف يخترق هذه المجالات ويتجاوزها.
- نتحدث كثيرًا عن غياب ثورة ثقافية تصاحب أو توجه الثورة السياسية أو الحراك السياسي الجاري هنا وهناك، في بعض البلاد العربية، هل تعتبر هذه الحالة طبيعية أم أنها تعكس معضلة من معضلات المرحلة ؟
لا شكّ في أنّ التحوّلات العميقة التي يتغيّر بها وجود جماعة من الجماعات هي تلك التي تنهض على مقدّمات ثقافيّة. والثقافة في هذا السياق هي الوعي القاعديّ المشترك بالأهداف البعيدة. وأظنّ بأنّ الفضاء الثقافيّ العربيّ لم يكنْ مُهَيّأ لإنتاج هذا الوعي القاعديّ لأسباب كثيرة معقّدة ومركّبة. ولذلك لم يكن غريباً أن يتفاجأ "المثقّفون" بـ"ربيع" شعوبهم، وأنْ يلتحقوا به متأخّرين. وليس عجيبا بالاستتباع أنْ تتلاشى أحلام "الربيعيّين" لأنّهم خاضوا مغامرتهم في زمن استقالة "المثقّف" وانقضاض فاعلين آخرين على هذه اللحظة التاريخيّة النوعيّة. كان يمكن "للربيع العربيّ" أن يكون حركة في اتّجاه المستقبل لو كان خاتمةً لمسار ثقافة تحرّريّة.
- لماذا هناك حاجة فعلية وعاجلة للعامل الثقافي من أجل إصلاح مسارات الثورة في العالم العربي؟ هل الفكر لا يزال قادرًا على تغيير السلوك الاجتماعي والسياسي للأفراد والجماعات في العالم العربي؟
باستطاعة الفكر دوما أن يوفّر مساعدات مهمّة لتغيير الواقع العربيّ. لكنّه لا يستطيع منفردا أن ينجز هذه المهمّة الكبرى خاصّة في عصر تشبيك المصالح على مستوى كونيّ. إنّ تغيير الواقع يحتاج إلى سياق محلّي وجهويّ وكونيّ ملائم، وإلى إرادات مؤمنة بالمستقبل، وإلى وفرة ماديّة. صحيح إنّ العوائق كثيرة بعضها يتعلّق بنوع المدرسة التي تُنتج المعرفة، وبعضها يتعلّق بنوع الدولة التي تؤمّن حياة الناس، وبعضها يتعلّق بنوع علاقات الإنتاج المادّي والرمزيّ... ولذلك نعتقد بأنّ الفكر العربيّ الحديث والمعاصر إنْ تمهّدتْ أمامه السبل أبدعَ وساهم في التغيير. إنّي لا أؤمن في هذا السياق بمقولة "العقل الهُوَوِيّ" التي يمتاز بها عقل أمّة على عقل أمّة أخرى امتيازًا طبيعيّا.
- كمثقف مهتم بالظواهر الاجتماعية والسياسية، كيف تفسر هذا العنف الموغل في القسوة الذي أنتجته جماعات عربية في ظرف استثنائي تمر به المنطقة العربية؟ هل هو انعكاس لأيديولوجية عنيفة أم هو محصلة مأزق أكثر عمقا وأوسع مدى؟
الدراسات التي انشغلتْ بتاريخ الإنسان لم تتردّد في جعل الإنسان كائنا عنيفا منذ بداياته الأولى. وحادثة قتل قابيل هابيل يمكن أن تكون إشارة مهمّة. ولم تَخْلُ الأساطير والأديان على اختلافها وكثرتها من الاهتمام بمسألة العنف. وتاريخ الحروب في العالم كلّه يُقدّم شهادة سيّئة ضدّ الإنسان، حتّى وهو في أرقى مراتب التحضّر. ودون التوغّل في استعراض الأدبيّات التي حاولتْ أن تفسّر العنف أو تبرّره أو تؤرّخ له، يمكن القول: إنّ العنف سلوك لا تختصّ به أمّة أو دين أو جماعة أو ثقافة أو زمن. أخشى أنْ أقول إنّ أعدلَ قسمة بين الأمم هو العنف. هذا ليس تسويغا أو شرعنة. ولكنّها حقيقة تاريخيّة. وقد عجزتْ كلّ المحاولات في التقليص من آثاره المدمّرة: (ما يُعْرَفُ بالإبدال الذبائحي مثلا كالأضحيات بالحيوان يأتي في إطار عقلنة العنف). وأمّا ارتفاع وتيرته في كثير من البلاد العربيّة والإسلاميّة اليوم فظاهرة تستحقّ الإدانة أوّلا، وتقصّي أسبابها المعقّدة ثانيا. هذا عنف ظهر في دول الرفاه العربيّ وظهر في دول الخصاصة، ظهر في دول مُعَلْمَنة وظهر في دول محافظة، ظهر في دول تقول المؤشّرات الأولّيّة إنّها تتحرّك في اتّجاه "الأسلمة" والأصل ألاّ يظهر فيها. جغرافيّة العنف إذنْ غامضة ومعقّدة. وردُّها إلى سبب واحد مضيعة للوقت. نحن في زمن مُعولم.. فقدتْ فيه الهويّات المحلّيّة والقوميّة والقارّيّة ملامحها ومحدّداتها، فكيف يمكن أنْ نُعطيَ تعريفا هُوويًّا للعنف. إنّه منتوجٌ يقع تسليعُه وتسويقه تماما كما تُسَوَّق البضائع العابرة للحدود الماديّة والافتراضيّة. أزمة العصر هي أزمة قيم. والعنف بأنواعه، وخاصّة ذاك المُتّكِئ على التبرير الدينيّ هو من أبرز العلامات على هذه الأزمة.
- يبدو أنكم من المهتمين بالمثقفين، هل تعتقد بأن المثقف لا يزال له دور فاعل، في مرحلة هيمن فيها السياسي والإعلامي ورجل الأعمال والأمني؟
تاريخ المثقّف بالمعنى الدقيق هو تاريخ إنتاج القيم والدفاع عنها وترويجها. وهو بالاستتباع تاريخ احتجاج. والمتخصّصون في هذا الشأن يعلمون بفحوى رسالة الأديب الفرنسيّ إميل زولا (Zola) الشهيرة وسياقها: "إنّي أحتجّ" (J’accuse) التي توجّه بها في نهاية القرن التاسع عشر إلى الرئيس الفرنسيّ فيليكس فور (Félix Faure). كان المثقّف بعبارة سارتر "يدسّ أنفه في ما لا يعنيه". ويبدو أنّه كان سليل التحوّلات الكبرى التي تَأنْسَنَ فيها الوجود البشريّ في أوربّا خاصّة. لكنّ مسار المثقّف الرساليّ عرف في بعض الأطوار من تاريخ تطوّره أزمات وتحدّيات كبرى. منها صعود اتّجاهات عملتْ على الإطاحة بعالم القيم والمثل وكرسّتْ سلطان المصلحة والمنفعة وهدّدتْ المثقّف في مجاله وأدواره. وكان انهيار الاتّحاد السوفييتيّ واستحواذ الرؤية الأميركيّة على العالم بما فيها من تسليع (marchandisation) لكلّ شيء، وتقلّص حجم أوروبّا في العالَم من أبرز التحوّلات التي أصابتْ المثقّف إصابة مباشرة. ونتجَ عن تَشَكّل المشهد العالميّ الجديد فاعلٌ آخَر يُعْرَفُ بـ"الخبير". وعبارة "الثينك تانكس" (Think tanks) توفّر إجابة مُرضية عن سؤال: لماذا تراجع دور المثقّف اليوم؟ وربّما ساعدتْ على تخفيف الكمّ الهائل من إدانة المثقّف. فـ"نهاية المثقّف" هي في الحقيقة نهاية سياق تاريخيّ كامل تَرَكّز على تكثيف الوعي بالمعنى ليُسْتَبْدَلَ بسياق تاريخيّ آخَر يستمدّ شرط وجوده من تكثيف الوعي بالمنفعة. وفي فسحة الفراغ التي تركها المثقّف برز فاعلون آخرون لتغطية الفراغ كالسياسيّ والتقنيّ والإعلاميّ.
- من يحدّد الآخر حسب رأيكم، المثقف يكيّف الهوية وفق تطلعاته ومصالحه، أم أن الهوية هي التي تتدخل بقوة فتكيّف شخصية المثقف وتحدد دوره؟
كان المثقّف بالمعنى المشار إليه صاحبَ رسالة. وكان أفقُ عمله هو المساعدةَ على تحرير الإنسان من نزعات الاستلاب والقهر. وأمّا مسألة الهُويّة من حيث هي المقوّمات والعلامات التمييزيّة التي تنفصل بها جماعة بشريّة عن جماعة أخرى لِتَتَعيّن تعيينا ثقافيّا أو عرقيّا أو جغرافيّا أو لغويّا، فيبدو أنّ دور المثقّف في صياغتها ثانويّ. الفاعل الأساس فيها هو الرصيد المتراكم في مخيال الجماعة وتوظيف ذاك المخيال من أطراف عديدة بحسَبِ المقام (السياسيّ، رجل الدين، الإيديولوجيّ...). وحين ينخرط المثقّف في توجيه المخيال توجيها براغماتيّا لصالح هذه الجهة أو تلك يفقد صفة المثقّف ويتحوّل إلى "مستثمر" في القيم. المشكلة الحاصلة اليوم هي أنّ صفة المثقّف صارتْ تُوزّعُ مجاناً على مَنْ أراد. مَنْ أردْتَ أنْ تُحْسِنَ إليه وليس لك ما به تجود عليه، فأطْلِقْ عليه صفة "مثقّف". ليس المثقّف هو مَنْ يحسنُ الكلام في المواضيع كلّها. وليس المثقّف مناضلا سياسيّا أو زعيما حزبيّا أو خطيبا منبريّا. هذه وظائف يختصّ بها مَنْ يمارسها. المثقّف يخترق هذه المجالات ويتجاوزها.
- نتحدث كثيرًا عن غياب ثورة ثقافية تصاحب أو توجه الثورة السياسية أو الحراك السياسي الجاري هنا وهناك، في بعض البلاد العربية، هل تعتبر هذه الحالة طبيعية أم أنها تعكس معضلة من معضلات المرحلة ؟
لا شكّ في أنّ التحوّلات العميقة التي يتغيّر بها وجود جماعة من الجماعات هي تلك التي تنهض على مقدّمات ثقافيّة. والثقافة في هذا السياق هي الوعي القاعديّ المشترك بالأهداف البعيدة. وأظنّ بأنّ الفضاء الثقافيّ العربيّ لم يكنْ مُهَيّأ لإنتاج هذا الوعي القاعديّ لأسباب كثيرة معقّدة ومركّبة. ولذلك لم يكن غريباً أن يتفاجأ "المثقّفون" بـ"ربيع" شعوبهم، وأنْ يلتحقوا به متأخّرين. وليس عجيبا بالاستتباع أنْ تتلاشى أحلام "الربيعيّين" لأنّهم خاضوا مغامرتهم في زمن استقالة "المثقّف" وانقضاض فاعلين آخرين على هذه اللحظة التاريخيّة النوعيّة. كان يمكن "للربيع العربيّ" أن يكون حركة في اتّجاه المستقبل لو كان خاتمةً لمسار ثقافة تحرّريّة.
- لماذا هناك حاجة فعلية وعاجلة للعامل الثقافي من أجل إصلاح مسارات الثورة في العالم العربي؟ هل الفكر لا يزال قادرًا على تغيير السلوك الاجتماعي والسياسي للأفراد والجماعات في العالم العربي؟
باستطاعة الفكر دوما أن يوفّر مساعدات مهمّة لتغيير الواقع العربيّ. لكنّه لا يستطيع منفردا أن ينجز هذه المهمّة الكبرى خاصّة في عصر تشبيك المصالح على مستوى كونيّ. إنّ تغيير الواقع يحتاج إلى سياق محلّي وجهويّ وكونيّ ملائم، وإلى إرادات مؤمنة بالمستقبل، وإلى وفرة ماديّة. صحيح إنّ العوائق كثيرة بعضها يتعلّق بنوع المدرسة التي تُنتج المعرفة، وبعضها يتعلّق بنوع الدولة التي تؤمّن حياة الناس، وبعضها يتعلّق بنوع علاقات الإنتاج المادّي والرمزيّ... ولذلك نعتقد بأنّ الفكر العربيّ الحديث والمعاصر إنْ تمهّدتْ أمامه السبل أبدعَ وساهم في التغيير. إنّي لا أؤمن في هذا السياق بمقولة "العقل الهُوَوِيّ" التي يمتاز بها عقل أمّة على عقل أمّة أخرى امتيازًا طبيعيّا.
- كمثقف مهتم بالظواهر الاجتماعية والسياسية، كيف تفسر هذا العنف الموغل في القسوة الذي أنتجته جماعات عربية في ظرف استثنائي تمر به المنطقة العربية؟ هل هو انعكاس لأيديولوجية عنيفة أم هو محصلة مأزق أكثر عمقا وأوسع مدى؟
الدراسات التي انشغلتْ بتاريخ الإنسان لم تتردّد في جعل الإنسان كائنا عنيفا منذ بداياته الأولى. وحادثة قتل قابيل هابيل يمكن أن تكون إشارة مهمّة. ولم تَخْلُ الأساطير والأديان على اختلافها وكثرتها من الاهتمام بمسألة العنف. وتاريخ الحروب في العالم كلّه يُقدّم شهادة سيّئة ضدّ الإنسان، حتّى وهو في أرقى مراتب التحضّر. ودون التوغّل في استعراض الأدبيّات التي حاولتْ أن تفسّر العنف أو تبرّره أو تؤرّخ له، يمكن القول: إنّ العنف سلوك لا تختصّ به أمّة أو دين أو جماعة أو ثقافة أو زمن. أخشى أنْ أقول إنّ أعدلَ قسمة بين الأمم هو العنف. هذا ليس تسويغا أو شرعنة. ولكنّها حقيقة تاريخيّة. وقد عجزتْ كلّ المحاولات في التقليص من آثاره المدمّرة: (ما يُعْرَفُ بالإبدال الذبائحي مثلا كالأضحيات بالحيوان يأتي في إطار عقلنة العنف). وأمّا ارتفاع وتيرته في كثير من البلاد العربيّة والإسلاميّة اليوم فظاهرة تستحقّ الإدانة أوّلا، وتقصّي أسبابها المعقّدة ثانيا. هذا عنف ظهر في دول الرفاه العربيّ وظهر في دول الخصاصة، ظهر في دول مُعَلْمَنة وظهر في دول محافظة، ظهر في دول تقول المؤشّرات الأولّيّة إنّها تتحرّك في اتّجاه "الأسلمة" والأصل ألاّ يظهر فيها. جغرافيّة العنف إذنْ غامضة ومعقّدة. وردُّها إلى سبب واحد مضيعة للوقت. نحن في زمن مُعولم.. فقدتْ فيه الهويّات المحلّيّة والقوميّة والقارّيّة ملامحها ومحدّداتها، فكيف يمكن أنْ نُعطيَ تعريفا هُوويًّا للعنف. إنّه منتوجٌ يقع تسليعُه وتسويقه تماما كما تُسَوَّق البضائع العابرة للحدود الماديّة والافتراضيّة. أزمة العصر هي أزمة قيم. والعنف بأنواعه، وخاصّة ذاك المُتّكِئ على التبرير الدينيّ هو من أبرز العلامات على هذه الأزمة.