رحل الشاعر السوري عماد جنيدي (1949 ــ 2017) أوّل أمس في مدينة جبلة في سورية، عن مجموعتين أصدرهما في ثمانينيات القرن الماضي؛ "صور السهل الأزرق" (1982)، و"قميص الخراب" (1984)، ثم دخل في عزلة لا يؤنسها سوى شراب وقليل من الأصدقاء وبحر اتّخذه جداراً يعلّق عليه قصائده غير المنشورة.
ابتدأ جنيدي حياته بالتدريس في مدينة البوكمال (500 كلمة شرق دمشق) لكنه غادر المهنة سريعاً حيث "رفض أن يكون مدرّساً، بل رأى أن الأطفال هم المعلّمون في مدرسة الحياة، لكنهم يُقدّمون نصائح مفيدة الأخذ بها غير ممكن".
انتقل بعد ذلك إلى العمل في الصحافة السورية طيلة السبعينيات؛ يُعيّن ويقال من الجرائد التي اشتغل فيها مرّات عدّة بذرائع عدم الانضباط والتقيّد بلوائحها، وكان يردّد دوماً أنه لم يمتلك الجرأة الكافية لقرار صعب عاشه منذ طفولته بالانسحاب من الحياة، فاكتفى بالانسحاب من الصحافة.
عُرف صعلوكاً عابثاً في مقاهي الشام وحاناتها قبل أن يتركها إلى حيث لا رجعة، وهو يصف مسار حياته في إحدى المقابلات بقوله "قلت دائماً في الشعر عكس ما أقوله في الصحافة.. وقلت دائماً لأمي عكس ما قلته للجارات والجيران، وأقول دائماً لأصدقائي عكس ما أقوله لذاتي.. فالمجهول الوحيد حتى الآن في حياتي هو الذات، وأنا في الشعر وفي نجواي إلى الكون والله".
سادت الغنائية قصيدة جنيدي وهو الذي رأى نفسه أقرب إلى العمود الشعري رغم كتابته التفعيلة، وكان يجد نفسه امتداداً في الكتابة والحياة للشعر الجاهلي ولتجارب أحمد شوقي وبشارة الخوري وبدوي الجبل وعمر أبو ريشة في التاريخ الحديث.
مطلع عام 2011، أصدر مجموعة قصصية للأطفال بعنوان "حكايا جبّ الطاحون"، مستوحاة من موروث الحي الذي ولد ورحل فيه ويحمل الاسم ذاته، لكنها لم تلق اهتماماً يُذكر.
من الحوادث التي يذكرها الوسط الثقافي السوري منع قصيدته "عرق" في الثمانينيات، فنشرها في مجلة "الناقد" البيروتية، ولاقت رواجاً كبيراً، وقد كتب فيها:
الريح مكنستي
ومن خلفي الغبار... وفي مداي الطالعُ
الشجر الذي يمشي معي
والغيم كأس أبيضٌ أركبه بالهَمّ العظيم
فتسقط الأمطار في رأسي وفي أفقي
وتسري في الطريق وفي التراب وفي الشعابْ
فيسكر الكون العظيمُ وينغدق!