في ظل ما تعيشه بلادهم من أوضاع أمنية غير مستقرة، وجد كثيرٌ من العراقيين لأنفسهم مخرجاً من خلال أداء مناسك العمرة. وليس ذلك للعبادة فقط، بل، أيضاً، للهروب بشكل أو بآخر من مخيمات نزوحهم ومناطقهم التي تسيطر عليها المليشيات، ومن تردي الوضع الأمني الذي أصبح بمثابة روتين يومي ضاق به ذرعاً الصغار قبل الكبار.
عدد من المعتمرين العراقيين تحدث إلى "العربي الجديد". يقول المعتمر حسين عارف: "عندما أفكر بالذهاب إلى العمرة أفكر فيها من جانبين، الأول هو الجانب الديني لما لها من فضائل لمن يؤديها، والثواب الذي يناله. والثاني العيش ولو لفترة وجيزة في ظروف أفضل مما نعيشه وواقع مختلف يساعدنا على تحمل حياتنا بعد عودتنا من العمرة. تشهد الساحة العراقية انتكاسات متكررة ومزيداً من الدمار والخراب الذي يعم شوارعنا ومدننا وينتقل من زقاق إلى آخر. لذلك، أصبحت العمرة بالنسبة إلينا ميزة لنا تبعدنا عن هذا الجو المشحون".
كذلك، يقول الحاج، مزاحم عبدالجبار، من سكان محافظة ديالى، شمال شرق بغداد، الذي يعتمر في مكة والمدينة المنورة للمرة العاشرة خلال عامين: "أجد نفسي هناك.. ألقي بحملي وأغتسل من ذنوبي. بسبب وظيفتي وصعوبة دخول إقليم كردستان العراق لدى تردي الوضع الأمني في مدينتي، أسعى في شهر رمضان وفي كلّ فرصة أخرى إلى العمرة في بيت الله، ما يبعدني عن أنظار المتربصين والمخبرين المرتبطين بالأحزاب ومليشياتها. الوضع غير مستقر هنا، حيث ينتشر الاستهداف على الهوية والانفجارات. كلّ ذلك يجعلني أجد ملاذاً في السفر إلى العمرة والحصول على الأجر والأمان، كما أنّ مسألة التأشيرة محسومة ليس فيها صعوبة ولا يكون هناك رفض أو عرقلة. وهو ما سهل ذهاب آلاف العراقيين إلى العمرة، فضلاً عن التنافس في مجال تقديم الخدمات من شركات الحج والعمرة".
يقول الحاج علي المهداوي، صاحب مكتب النور للحج والعمرة: "يقبل العراقيون من سكان المناطق التي تعاني اضطرابات أمنية وبعض النازحين على أداء مناسك العمرة في شهر رمضان، كثير منهم يمضي الشهر كاملاً في السعودية من أجل الشعور براحة البال والأمان المفقودين في مختلف المدن العراقية".
ينوه المهداوي إلى أنّ تقسيط مبلغ العمرة يساهم في إقبال الناس على الذهاب الى بيت الله الحرام. ويجري تقسيط المبلغ على ثلاث أو أربع دفعات، كلّ دفعة ما بين 400 و500 دولار أميركي.
اقــرأ أيضاً
بدوره، يقول المسؤول في إحدى قوافل المعتمرين أبو مسار الجبوري إنّ "المعتمرين العراقيين خرجوا من مهجرهم في رحلة إلى البيت العتيق، بعدما أخذت الهموم منهم كلّ مأخذ، فقد فارقوا الديار، منذ سنوات، وتحمّلوا عناء الهجرة وعناء الفراق، ومأساة النزوح، وها هم، اليوم، يتوجهون إلى بيت الله، حيث كان النبي، إبراهيم الخليل، يدعو الله أن يحفظ بلاده من كّل سوء ومكروه، وكذلك هم، اليوم، يعيدون الدعاء بعودة الأمن إلى بلدهم والمهجرين إلى ديارهم. العمرة مواساة لهم، فيها يتزودون بالإيمان والصبر على ما هم فيه من ظروف صعبة يعيشونها في مدنهم".
يضيف لـ"العربي الجديد": "في المدينة المنورة رأيت كيف أنّ كثيراً من المهجّرين العراقيين يتذكرون هجرة النبي، المصطفى، من مكة إلى المدينة. ترك هناك كل شيء يملكه كالمال، والأقارب، ومرتع الشباب.. كلّ شيء أحبه تركه خلفه ليس بإرادته فهو الذي وقف والدموع تنهمر من عينيه ناظراً إلى مكة، ويقول لها إنّها أحب البلاد إليه ولولا ظلم الظالمين لما خرج منها. في هذا المشهد يتذكر المهجّرون من المعتمرين العراقيين، أنهم ليس وحدهم من أُخرجوا مظلومين مضطهدين، بل سبقهم أفضل من وطِئت قدمه الثرى وكذلك الصحابة الكرام. لذلك في العمرة تتجسد هذه المواقف وتعيد إلى المعتمرين تلك اللحظات العصيبة في التاريخ. لكنّ الرهبة كلّ الرهبة تتجلى في رؤية الكعبة المشرفة لأول وهلة، حيث يستشعر المعتمرون روعة المكان وجلالة الزمان فيرفعون أكفهم إلى ربهم بالدعاء من أجل عودة حميدة إلى مساجد فقدوها وديار تركوها، فليس أقسى على الإنسان من هجرة من غير طوع. أو الهروب من دياره بحثاً عن أمان فقده".
من جهته، يوضح الشيخ ياسين طه، إمام وخطيب في مساجد ديالى، مدى أهمية معرفة النية قبل الخروج الى العمرة بقصد الهروب من الواقع. يقول لـ"العربي الجديد": "المعروف والأصل هو أنّ العمرة عبادة وأجر وثواب، لكن في الآونة الأخيرة أثيرت تساؤلات كثيرة حول العمرة ونيتها من بينها السؤال: هل العمرة التي تؤديها شريحة من المجتمع العراقي تعبّد أم هروب من الواقع؟ تبيّن لي والله أعلم، أنّ المجتمع انقسم في هذا الصدد إلى ثلاث فئات لا رابع لها: الفئة الأولى تؤدي مناسك العمرة تعبداً لله وهي فئة ترى في العمرة تعبّداً لله تعالى ومحبة بهذه الشعيرة المباركة. أما الفئة الثانية فهي تؤدي العمرة هروباً من الواقع، وهي في الحقيقة تجهل حقيقة العمرة ونسكها، وهذه الفئة من العراقيين تذهب إلى العمرة فقط للشعور بالأمان، وهي فئة تكبر كلما كبرت المعاناة وزادت رقعة فقدان الأمن. وهناك فئة أخرى بين الاثنتين ترى في أداء العمرة عبادة وهروباً من الواقع السيء في الوقت عينه. يبقى في كلّ الأحوال عقد النية لما هو صحيح، وهي نية العمرة للتعبّد، بغض النظر عما يعيشه المرء من ظروف قاسية. ففي كلّ الأحوال سيحصل المعتمر على الأمان والراحة".
اقــرأ أيضاً
عدد من المعتمرين العراقيين تحدث إلى "العربي الجديد". يقول المعتمر حسين عارف: "عندما أفكر بالذهاب إلى العمرة أفكر فيها من جانبين، الأول هو الجانب الديني لما لها من فضائل لمن يؤديها، والثواب الذي يناله. والثاني العيش ولو لفترة وجيزة في ظروف أفضل مما نعيشه وواقع مختلف يساعدنا على تحمل حياتنا بعد عودتنا من العمرة. تشهد الساحة العراقية انتكاسات متكررة ومزيداً من الدمار والخراب الذي يعم شوارعنا ومدننا وينتقل من زقاق إلى آخر. لذلك، أصبحت العمرة بالنسبة إلينا ميزة لنا تبعدنا عن هذا الجو المشحون".
كذلك، يقول الحاج، مزاحم عبدالجبار، من سكان محافظة ديالى، شمال شرق بغداد، الذي يعتمر في مكة والمدينة المنورة للمرة العاشرة خلال عامين: "أجد نفسي هناك.. ألقي بحملي وأغتسل من ذنوبي. بسبب وظيفتي وصعوبة دخول إقليم كردستان العراق لدى تردي الوضع الأمني في مدينتي، أسعى في شهر رمضان وفي كلّ فرصة أخرى إلى العمرة في بيت الله، ما يبعدني عن أنظار المتربصين والمخبرين المرتبطين بالأحزاب ومليشياتها. الوضع غير مستقر هنا، حيث ينتشر الاستهداف على الهوية والانفجارات. كلّ ذلك يجعلني أجد ملاذاً في السفر إلى العمرة والحصول على الأجر والأمان، كما أنّ مسألة التأشيرة محسومة ليس فيها صعوبة ولا يكون هناك رفض أو عرقلة. وهو ما سهل ذهاب آلاف العراقيين إلى العمرة، فضلاً عن التنافس في مجال تقديم الخدمات من شركات الحج والعمرة".
يقول الحاج علي المهداوي، صاحب مكتب النور للحج والعمرة: "يقبل العراقيون من سكان المناطق التي تعاني اضطرابات أمنية وبعض النازحين على أداء مناسك العمرة في شهر رمضان، كثير منهم يمضي الشهر كاملاً في السعودية من أجل الشعور براحة البال والأمان المفقودين في مختلف المدن العراقية".
ينوه المهداوي إلى أنّ تقسيط مبلغ العمرة يساهم في إقبال الناس على الذهاب الى بيت الله الحرام. ويجري تقسيط المبلغ على ثلاث أو أربع دفعات، كلّ دفعة ما بين 400 و500 دولار أميركي.
بدوره، يقول المسؤول في إحدى قوافل المعتمرين أبو مسار الجبوري إنّ "المعتمرين العراقيين خرجوا من مهجرهم في رحلة إلى البيت العتيق، بعدما أخذت الهموم منهم كلّ مأخذ، فقد فارقوا الديار، منذ سنوات، وتحمّلوا عناء الهجرة وعناء الفراق، ومأساة النزوح، وها هم، اليوم، يتوجهون إلى بيت الله، حيث كان النبي، إبراهيم الخليل، يدعو الله أن يحفظ بلاده من كّل سوء ومكروه، وكذلك هم، اليوم، يعيدون الدعاء بعودة الأمن إلى بلدهم والمهجرين إلى ديارهم. العمرة مواساة لهم، فيها يتزودون بالإيمان والصبر على ما هم فيه من ظروف صعبة يعيشونها في مدنهم".
يضيف لـ"العربي الجديد": "في المدينة المنورة رأيت كيف أنّ كثيراً من المهجّرين العراقيين يتذكرون هجرة النبي، المصطفى، من مكة إلى المدينة. ترك هناك كل شيء يملكه كالمال، والأقارب، ومرتع الشباب.. كلّ شيء أحبه تركه خلفه ليس بإرادته فهو الذي وقف والدموع تنهمر من عينيه ناظراً إلى مكة، ويقول لها إنّها أحب البلاد إليه ولولا ظلم الظالمين لما خرج منها. في هذا المشهد يتذكر المهجّرون من المعتمرين العراقيين، أنهم ليس وحدهم من أُخرجوا مظلومين مضطهدين، بل سبقهم أفضل من وطِئت قدمه الثرى وكذلك الصحابة الكرام. لذلك في العمرة تتجسد هذه المواقف وتعيد إلى المعتمرين تلك اللحظات العصيبة في التاريخ. لكنّ الرهبة كلّ الرهبة تتجلى في رؤية الكعبة المشرفة لأول وهلة، حيث يستشعر المعتمرون روعة المكان وجلالة الزمان فيرفعون أكفهم إلى ربهم بالدعاء من أجل عودة حميدة إلى مساجد فقدوها وديار تركوها، فليس أقسى على الإنسان من هجرة من غير طوع. أو الهروب من دياره بحثاً عن أمان فقده".
من جهته، يوضح الشيخ ياسين طه، إمام وخطيب في مساجد ديالى، مدى أهمية معرفة النية قبل الخروج الى العمرة بقصد الهروب من الواقع. يقول لـ"العربي الجديد": "المعروف والأصل هو أنّ العمرة عبادة وأجر وثواب، لكن في الآونة الأخيرة أثيرت تساؤلات كثيرة حول العمرة ونيتها من بينها السؤال: هل العمرة التي تؤديها شريحة من المجتمع العراقي تعبّد أم هروب من الواقع؟ تبيّن لي والله أعلم، أنّ المجتمع انقسم في هذا الصدد إلى ثلاث فئات لا رابع لها: الفئة الأولى تؤدي مناسك العمرة تعبداً لله وهي فئة ترى في العمرة تعبّداً لله تعالى ومحبة بهذه الشعيرة المباركة. أما الفئة الثانية فهي تؤدي العمرة هروباً من الواقع، وهي في الحقيقة تجهل حقيقة العمرة ونسكها، وهذه الفئة من العراقيين تذهب إلى العمرة فقط للشعور بالأمان، وهي فئة تكبر كلما كبرت المعاناة وزادت رقعة فقدان الأمن. وهناك فئة أخرى بين الاثنتين ترى في أداء العمرة عبادة وهروباً من الواقع السيء في الوقت عينه. يبقى في كلّ الأحوال عقد النية لما هو صحيح، وهي نية العمرة للتعبّد، بغض النظر عما يعيشه المرء من ظروف قاسية. ففي كلّ الأحوال سيحصل المعتمر على الأمان والراحة".