احتفل عمّال موريتانيا بعيدهم هذا العام من دون مسيرات وتظاهرات احتفالية، على خلاف عادة السنوات الماضية، حيث يشكل فاتح مايو/ أيار من كل عام مناسبة لهم لرفع مطالبهم والمناداة بحقوقهم وتأكيد دورهم في المجتمع.
إلغاء المسيرات جاء انسجاماً مع الإجراءات الاحترازية لمكافحة فيروس كورونا، وأيضاً بسبب التأثيرات الاقتصادية والاجتماعية التي فرضها انتشار الفيروس، من عزلة اجتماعية وتوقف عجلة الإنتاج وفصل وتسريح العمّال.
كان عمّال موريتانيا يعولون على الاحتفال بعيد العمّال للضغط على الحكومة لفتح ملف زيادة الأجور، وتحسين وضعية العمّال وتحقيق بعض المكاسب كما يحدث كل عام، خاصة مع بداية حكم رئيس جديد.
ووعد الرئيس محمد ولد الغزواني، في برنامجه الانتخابي، بتحسين وضعية العمال وتعميم التغطية الصحية عليهم.
ولم تتمكن نقابات العمّال في موريتانيا من الاجتماع، كما يحدث عادة قبل الفاتح من مايو/ أيار، لوضع لائحة بمطالبها، بسبب حظر السفر والتنقل بين المدن ومنع التجمعات في عموم البلاد، مما سيزيد من وطأة وتأثير المشاكل التي يعاني منها العمال بسبب عدم قدرة النقابيين على توحيد المطالب والشعارات في هذه المرحلة.
وحسب مصادر مطلعة من الكونفدرالية الوطنية لوحدة العمال، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإنّ محاولات بعض النقابيين لم تنجح في تحقيق اجتماعات افتراضية بتقنية الفيديو لأسباب مختلفة، منها ضعف التغطية في مناطق وجود رؤساء اتحاد عمال المناجم، وعدم اقتناع البعض بجدوى هذه الاجتماعات التي بنظرهم لا تمنح النقابيين والعمّال حركية وتفاعل الاجتماعات الحقيقية، إضافة إلى استسلام البعض لواقع فرضته إجراءات مواجهة كورونا، وتفضيلهم تأجيل أي تحرك إلى ما بعد انتهاء الأزمة.
وأكدت المصادر أن أزمة كورونا وحالة الإغلاق أثرتا سلباً على حماس واستعداد العمّال لاستقبال عيدهم، في وقت يحتاجون فيه لمن ينصت لمشاكلهم، ويساعدهم على تجاوز أزمات الفصل والتسريح وخفض الرواتب وارتفاع الأسعار ومخاطر العمل، في ظل إجراءات صحية متواضعة.
ودأب عمّال موريتانيا على تنظيم مسيرات ضخمة تخليداً لعيد العمال تجوب مختلف مدن البلاد وترفع لافتات تعبر عن تطلعاتهم وآمالهم، وتنتهي المسيرات بمهرجانات خطابية يتم خلالها تقديم عريضة مطلبية تتضمن رؤية النقابات لتحسين واقع الشغيلة.
وينضوي عمّال موريتانيا في ست اتحادات مهنية هي الكونفدرالية العامة للعمال، والاتحاد العام للعمال الموريتانيين، واتحاد العمال الموريتانيين، والكونفدرالية الوطنية للشغيلة، والنقابة الحرة لعمال الموانئ، والاتحاد العام لعمال الصحة.
أزمات كورونا
يقول الباحث المهتم بالشأن النقابي محمد أحمد ولد الخليل، تعليقاً على الأوضاع الحالية، لـ"العربي الجديد"، إن "موريتانيا تعاني من هشاشة اقتصادية ومشاكل مزمنة، وفي ظل الاستسلام الحكومي لتداعيات فيروس كورونا ستتفاقم هذه المشاكل مما سينجم عنه ارتفاع نسبة الفقر وخسارة الوظائف وتأجيج الأوضاع الاجتماعية".
ويشير إلى أن "البلاد أمام مرحلة صعبة بسبب الأزمات المركبة والمعقدة لما بعد كورونا والتأثيرات الاقتصادية لها، خاصة في أوساط شريحة العمّال الذين عانوا من فقدان امتيازات وظيفية وخفض الرواتب والعمل في بيئة صحية خطرة، وآخرون فقدوا عملهم بسبب توقف الإنتاج وتطبيق حالة الحظر".
ويقول ولد الخليل إن عمّال موريتانيا يطالبون بزيادة الأجور وتحسين الظروف المعيشية ومراجعة الاتفاقيات الجماعية، خاصة المتعلقة بالبحارة التي اتفق عليها سابقاً تحت مسمى "مدونة الشغل البحري"، كما يطالبون برفع الحد الأدنى للأجور وخفض أسعار المواد الغذائية الأساسية وتطبيق مبدأ الشراكة من خلال مشاركة العمال في أرباح مؤسساتهم، وتخفيف الأعباء عن العمال في القطاع الخاص.
ويشير إلى أن الحكومة فشلت في إيجاد حلول ملائمة للأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ومنها ارتفاع معدل البطالة إلى 32% والتسريح الجماعي للعمال، وعدم تطبيق النصوص المنظمة للحماية الاجتماعية، كما أنها تعمدت تقييد الحريات النقابية، وخاصة حق الإضراب في القطاع العمومي.
ودعا الباحث إلى فتح باب التفاوض مع النقابات العمالية من أجل تجاوز الواقع القائم، وتعميم بعض العلاوات واستحداث أخرى وتعميم التأمين الصحي على كافة العمّال، والاهتمام بنظم الوقاية من المخاطر المهنية وتعزيز نظام الصحة والسلامة في بيئة العمل.
في المقابل، تؤكد الحكومة أنها أنجزت جملة من المشاريع التي كان لها أثر إيجابي على وضعية العمال، من بينها إنشاء المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذي تم استحداثه أخيراً، وأنيطت به مهام الإشراف على الانتخابات التمثيلية، ومناقشة واقتراح حد أدنى للأجور، ونسبة المساهمة في صندوق الضمان الاجتماعي وسقف اقتطاعها والإشراف على الخطة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال والعمل الجبري.
كما عملت الحكومة على إصدار بعض النصوص التنظيمية المطبقة لمدونة الشغل، حيث تمت مراجعة التنظيم الداخلي للمفتشيات الجهوية للشغل، مما مكن من الفصل بين الأجهزة المكلفة بتسوية نزاعات الشغل عن تلك المكلفة بالرقابة، وذلك تفادياً لتعارض المصالح.
ووعدت وزارة الوظيفة العمومية والتشغيل بسن المزيد من النصوص القانونية والتنظيمية التي تصون مكاسب العمّال وتكفل عدم المساس بحقوقهم، وأكدت أنها ستقف في وجه أي تعد أو تعسف قد يطاول المكانة التي تحتلها الشريحة العاملة، باعتبارها قوة تنموية رئيسية، داعية العمّال إلى الإقبال على التكوين والتأهيل المهني وتحسين الخبرة.