"أطردوا العمالة الوافدة، فهي أسّ كل بلاء، وسبب رئيسي للأزمات الاقتصادية والمالية العنيفة التي تعاني منها دول الخليج هذه الأيام، بل تهدد الأمن القومي الخليجي وتركيبته الديمغرافية، وتستنزف 120 مليار دولار سنوياً من احتياطيات النقد الأجنبي، والاقتصاديات الخليجية في أمسّ الحاجة إلي هذه السيولة النقدية الضخمة خاصة هذه الأيام، وخلال الأيام الماضية اكتشفنا كيف نهبت العمالة الوافدة مليارات الدولارات من البنوك الخليجية في شكل قروض وحولتها إلى الخارج بطرق غير قانونية، كما أن هذه العمالة هي من نشرت فيروس كورونا بين دول المنطقة، وقبلها نشرت جرائم الدعارة وغسل الأموال والمخدرات وغيرها".
هذه عينة من عناوين وكلمات كتاب ومغردين خليجيين نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام الخليجية خلال الشهور الماضية، وتحديدا عقب تعرض دول الخليج لأزمة مالية واقتصادية مزدوجة ناجمة عن تهاوي أسعار النفط، وتفشي فيروس كورونا، وحدوث شلل في العديد من الأنشطة الاقتصادية والتجارية وأنشطة السياحة والسفر، وتراجع الإيرادات العامة، وقيام بعض الحكومات بزيادة الأسعار والضرائب وخفض الرواتب وتسريح العمالة وإلغاء بعض الامتيازات الممنوحة للمواطن مثل بدل الغلاء.
لكن هل سيستجيب صانع القرار الخليجي لمثل هذه الحملات التي وصلت في بعض بلدان الخليج إلى حد "شيطنة" العمالة الوافدة ومعايرتها ودولها بالفقر، بل ارتكاب ممارسات عنصرية وانتهاكات حقوق إنسان بحق هذه العمالة لدفعها نحو مغادرة البلاد؟
بالطبع لا، والأسباب كثيرة جداً، وإلا نجحت الحكومات الخليجية في تطبيق خطط توطين الوظائف و"خلجنة" الحكومية منها خلال السنوات الأخيرة.
أما عن الأسباب فأولها أن هناك أنشطة اقتصادية وتجارية خليجية كثيرة قائمة على أكتاف العمالة الوافدة منها، الأعمال الحرفية والمنزلية وأعمال البناء والتشييد ومحلات الـ"تيك أواي" وخدمات التوصيل إلى المنازل والـ"كول سنتر" وغيرها، فمن النادر أن تجد مثلا شخصا خليجياً يعمل في مهنة ميكانيكي سيارات أو كهربائي أو سباك أو نجار أو عامل بناء أو مقاول أو مشرف على عمال، وبالتالي ستظل هذه الأنشطة الحرفية ولسنوات قادمة حكرا على العمالة الوافدة، سواء القادمة من الدول العربية، أو من دول جنوب شرق آسيا، خاصة من الهند وسيريلانكا وباكستان وبنغلاديش وغيرها.
أما ثاني الأسباب، فتكمن في أن الاقتصاد الخليجي ضخم جداً ومتنوع من حيث تتعدد أنشطته، وفي نفس الوقت لا توجد العمالة الخليجية الكافية التي تغطي كل هذه الأنشطة، خاصة مع قلة عدد سكان دول الخليج أصلا والبالغ 50 مليون نسمة موزعين على 6 دول، علما بأن العدد الأكبر يتركز في السعودية، وهذا العدد من السكان هو فقط يعادل ضعف عدد العمالة الوافدة وأسرهم والبالغ 26 مليوناُ.
وبالتالي فإنه حتى إذا ما رغب صانع القرار الخليجي في توطين الوظائف الحكومية على الأقل فإن هذه مهمة صعبة، كما أن هناك قطاعات اقتصادية حساسة لا تزال في حاجة إلى الخبرات الأجنبية في ظل ندرة الخبرات الخليجية في هذا المجال، خذ مثلا قطاعات النفط والغاز والبنوك والقطاع المالي والصحة والتعليم.
أما ثالث هذه الأسباب فيكمن في طبيعة المواطن الخليجي نفسه الذي لا يزال يفضل الوظيفة الحكومية وينفر من القطاع الخاص، وبالتالي سيظل القطاع الخاص معتمداً ولسنوات مقبلة على العمالة الوافدة.
والنتيجة أن دول الخليج لن تستغني في الفترة المقبلة عن العمالة الوافدة، قد تخفض العدد بنحو 3 ملايين عامل، كما تقول بعض التقارير الدولية، قد تدخل تعديلات على قوانينها تحد من قدوم هذه العمالة خاصة من جنسيات بعينها، وقد تفرض دول الخليج مزيدا من الرسوم على العمالة الوافدة للحد من الأموال التي تحولها إلى الخارج وتصعّب المعيشة بالنسبة لها، وقد يتحول ملف العمالة الوافدة إلى ورقة سياسية تحابي بها دول الخليج الدول التي لها مصالح سياسية واقتصادية مع حكوماتها.