15 مايو 2024
عندما يفوز الصدر في الانتخابات العراقية
جاء تصدّر تحالف "سائرون" نتائج الانتخابات النيابية العراقية أخيرا (54 مقعداً) يليه تحالف "الفتح" (47 مقعداً)، ثم تحالف "النصر" (42 مقعداً)، ليضع العراق أمام موقفٍ صعبٍ في حسم قضية اختيار رئيس الحكومة وتشكيلتها المقبلة، وذلك لعدم حصول أيٍّ من الكتل والتحالفات الفائزة على الأغلبية البسيطة التي تؤهلها لحسم الأمر، والتفرّد بقرار فرض مرشّحها على بقية الكيانات المشكّلة لمجلس النواب العراقي.
التقى الزعيم الديني مقتدى الصدر، زعيم تيار الحكمة عمّار الحكيم، بعد إعلان نتائج الانتخابات، ثم صرح الأخير بأنهما اتفقا على "تشكيل حكومة أبوية". وما زالت بقية الكتل المتصدّرة الأخرى، "الفتح" و"النصر"، تراهن على كسب بعض الأصوات، بانتظار نتائج شكاوى وطعون قدّموها للمفوضية العليا للانتخابات.
وبغض النظر عن مآلات المفاوضات والمباحثات بين الكتل المتصدّرة وتلك التي تأخرت عنها في عدد المقاعد المستحصلة في مجلس النواب المقبل، اللافت والقاطع أيضا أن الكتلة التي يقف خلفها مقتدى الصدر (سائرون) هي التي حصلت على ثقة النسبة الأكبر من أبناء الشعب العراقي ممن "رضوا" المشاركة في انتخابات 12 مايو/أيار الجاري.
لماذا تفوز كتلة "صدرية"، وتتقدّم كتل أخرى من التوجّه الطائفي نفسه، ولها ما لها من نفوذٍ، أساسُه قوة الترهيب والترغيب في أوساط المجتمع العراقي، في الفرات الأوسط وجنوب العراق والعاصمة بغداد؟ وأين إيران من هذا كله؟ وهل صوّت الناخبون لصالح كتلة الصدر، لأنهم يثقون فعلا في أسماء الشخصيات التي رشحت من خلالها لبلوغ قبة البرلمان؟ ينقل واقع الحال العراقي صورةً شديدة الوضوح، تدل معالمها، وبشكلٍ لا يقبل الشك، على رفض عموم العراقيين التدخل الإيراني في شؤون بلادهم، وأنهم ضاقوا ذرعا بمن يمثل الإرادة الإيرانية في بلادهم. وبما أن الشعب العراقي، وبسبب ضغوط إيرانية أيضا، لم يستطع إفراز، أو السماح لقوى سياسية وطنية بالعمل المباشر جماهيريا، ثم التسجيل الرسمي لخوض الانتخابات، فلم يكن في مقدور من أراد التغيير وإبعاد الفاسدين عن دائرة الحكم إلا التوجه إلى الأفضل بين الموجودين في العملية السياسية الحالية في العراق، فكان مقتدى الصدر.
أسباب اختيار المشاركين في الانتخابات الصدر بشكل أكبر تتركّز في ثلاثة محاور، أولها طبيعة الخطاب الوطني الذي اعتمده الصدر منذ احتلال العراق عام 2003، وشدد فيه على ضرورة التخلص من الاحتلال الأميركي وغير الأميركي (ألمح مراتٍ عن رفضه التدخل الإيراني في شؤون بلاده). وبالتالي تكون للعراق إرادته الوطنية الخالصة التي يجب أن توفر لشعبه الحياة الكريمة والرفاهية. الثاني، توجه الصدر نحو الخيار العربي إقليمياً، بدل توجهات الآخرين الإيرانية، حيث كان تقاربه الشديد مع العربية السعودية ودولة الإمارات وقطر ذا دلالاتٍ واضحةٍ على دعم هذه الدول الخط الصدري لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في العراق، وبالتالي تقليص تأثيراته على أمنها القومي. السبب الثالث، وهو مهم جدا، روح الصراع الشيعي - الشيعي في العراق اليوم؛ بمعنى أن اختيار النسبة الأكبر للناخبين العراقيين الصدر يعني نصرة التشيّع العربي في مقابل التشيّع الفارسي، أي تقليد المرجع العربي الذي يمثله هذا الرجل في العراق، على حساب من يقلّدون المرشد الأعلى في إيران (الولي الفقيه)، أو حتى بقية المراجع غير العربية في العراق. وربما يقود السبب الثالث هذا إلى تفاعلاتٍ سلبيةٍ ومواجهاتٍ في العراق بين أنصار كل مرجع. وهنا سيكون مدخل الجهات الداعمة لكل طرف إيران، بكل مراكز نفوذها وقوتها وتجبّرها في العراق، والعربية السعودية وسواها بما تقدّمه من دعم للقوى المؤيدة للصدر، إضافة إلى تعاطف أبناء الشعب العراقي الذين قاطعوا الانتخابات مع التيار الصدري، ليس حبا وإيمانا مجرّدا به، بل كرها وبغضا لكل ما له علاقة بالتدخل الإيراني.
قد تقدّم إيران مخرجا للجميع من كل ما تروّجه من مخاطر الصدام المحتمل، وفرض إرادتها بالقوة التي تملكها في العراق، وقد يجد الصدر نفسه مضطرا للقبول به، بالتعامل مع الكتل التي تمثل رؤوس المثلث الإيراني في العراق، "الفتح" و"النصر" و"القانون"، وأن يتم اختيار رئيس الوزراء بالتوافق مع متطلبات المرحلة الإيرانية الحرجة، خلال هذه الفترة، في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل تحديدا. في مقابل ذلك، سيُعطى الصدر ما يريد من وزارات سيادية وخدمية، يقدّم من خلالها ما وعد ناخبيه به من خدماتٍ و"رفاهية"، وتلك هي التي وصفها ربما عمّار الحكيم "الحكومة الأبوية".
التقى الزعيم الديني مقتدى الصدر، زعيم تيار الحكمة عمّار الحكيم، بعد إعلان نتائج الانتخابات، ثم صرح الأخير بأنهما اتفقا على "تشكيل حكومة أبوية". وما زالت بقية الكتل المتصدّرة الأخرى، "الفتح" و"النصر"، تراهن على كسب بعض الأصوات، بانتظار نتائج شكاوى وطعون قدّموها للمفوضية العليا للانتخابات.
وبغض النظر عن مآلات المفاوضات والمباحثات بين الكتل المتصدّرة وتلك التي تأخرت عنها في عدد المقاعد المستحصلة في مجلس النواب المقبل، اللافت والقاطع أيضا أن الكتلة التي يقف خلفها مقتدى الصدر (سائرون) هي التي حصلت على ثقة النسبة الأكبر من أبناء الشعب العراقي ممن "رضوا" المشاركة في انتخابات 12 مايو/أيار الجاري.
لماذا تفوز كتلة "صدرية"، وتتقدّم كتل أخرى من التوجّه الطائفي نفسه، ولها ما لها من نفوذٍ، أساسُه قوة الترهيب والترغيب في أوساط المجتمع العراقي، في الفرات الأوسط وجنوب العراق والعاصمة بغداد؟ وأين إيران من هذا كله؟ وهل صوّت الناخبون لصالح كتلة الصدر، لأنهم يثقون فعلا في أسماء الشخصيات التي رشحت من خلالها لبلوغ قبة البرلمان؟ ينقل واقع الحال العراقي صورةً شديدة الوضوح، تدل معالمها، وبشكلٍ لا يقبل الشك، على رفض عموم العراقيين التدخل الإيراني في شؤون بلادهم، وأنهم ضاقوا ذرعا بمن يمثل الإرادة الإيرانية في بلادهم. وبما أن الشعب العراقي، وبسبب ضغوط إيرانية أيضا، لم يستطع إفراز، أو السماح لقوى سياسية وطنية بالعمل المباشر جماهيريا، ثم التسجيل الرسمي لخوض الانتخابات، فلم يكن في مقدور من أراد التغيير وإبعاد الفاسدين عن دائرة الحكم إلا التوجه إلى الأفضل بين الموجودين في العملية السياسية الحالية في العراق، فكان مقتدى الصدر.
أسباب اختيار المشاركين في الانتخابات الصدر بشكل أكبر تتركّز في ثلاثة محاور، أولها طبيعة الخطاب الوطني الذي اعتمده الصدر منذ احتلال العراق عام 2003، وشدد فيه على ضرورة التخلص من الاحتلال الأميركي وغير الأميركي (ألمح مراتٍ عن رفضه التدخل الإيراني في شؤون بلاده). وبالتالي تكون للعراق إرادته الوطنية الخالصة التي يجب أن توفر لشعبه الحياة الكريمة والرفاهية. الثاني، توجه الصدر نحو الخيار العربي إقليمياً، بدل توجهات الآخرين الإيرانية، حيث كان تقاربه الشديد مع العربية السعودية ودولة الإمارات وقطر ذا دلالاتٍ واضحةٍ على دعم هذه الدول الخط الصدري لمواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في العراق، وبالتالي تقليص تأثيراته على أمنها القومي. السبب الثالث، وهو مهم جدا، روح الصراع الشيعي - الشيعي في العراق اليوم؛ بمعنى أن اختيار النسبة الأكبر للناخبين العراقيين الصدر يعني نصرة التشيّع العربي في مقابل التشيّع الفارسي، أي تقليد المرجع العربي الذي يمثله هذا الرجل في العراق، على حساب من يقلّدون المرشد الأعلى في إيران (الولي الفقيه)، أو حتى بقية المراجع غير العربية في العراق. وربما يقود السبب الثالث هذا إلى تفاعلاتٍ سلبيةٍ ومواجهاتٍ في العراق بين أنصار كل مرجع. وهنا سيكون مدخل الجهات الداعمة لكل طرف إيران، بكل مراكز نفوذها وقوتها وتجبّرها في العراق، والعربية السعودية وسواها بما تقدّمه من دعم للقوى المؤيدة للصدر، إضافة إلى تعاطف أبناء الشعب العراقي الذين قاطعوا الانتخابات مع التيار الصدري، ليس حبا وإيمانا مجرّدا به، بل كرها وبغضا لكل ما له علاقة بالتدخل الإيراني.
قد تقدّم إيران مخرجا للجميع من كل ما تروّجه من مخاطر الصدام المحتمل، وفرض إرادتها بالقوة التي تملكها في العراق، وقد يجد الصدر نفسه مضطرا للقبول به، بالتعامل مع الكتل التي تمثل رؤوس المثلث الإيراني في العراق، "الفتح" و"النصر" و"القانون"، وأن يتم اختيار رئيس الوزراء بالتوافق مع متطلبات المرحلة الإيرانية الحرجة، خلال هذه الفترة، في علاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل تحديدا. في مقابل ذلك، سيُعطى الصدر ما يريد من وزارات سيادية وخدمية، يقدّم من خلالها ما وعد ناخبيه به من خدماتٍ و"رفاهية"، وتلك هي التي وصفها ربما عمّار الحكيم "الحكومة الأبوية".