29 نوفمبر 2016
عندما يكون الشعب هو الآخر
غالباً ما تكثر الدعوات المؤيدة والمشجعة على التعايش مع الآخر، ونبذ العنف والكراهية بين أبناء الشعب الواحد. ولكن، تكمن الخطورة وصعوبة الاندماج عندما يصبح النظر للشعب وكأنه هو العدو، أو قل هو كذلك، أو بلفظ أقل حدة هو الآخر الذي يجب استيعابه أو إسكاته، ويحدث ذلك في حالات الانقلابات العسكرية.
ولفهم سيكولوجية التفكير لدى قادة أي انقلاب، لا بد من الرجوع إلى أدبيات الفكر العسكري الذي لا يعرف مفهوم الآخر. ولكن، تقوم نظرياته على العدو، وكيفية التعامل معه في حالات الحرب والسلم، وحالات القوة والضعف، وتتمثل حالة الانتصار الكامل في إخضاع العدو أو إبادته، أو خداعه، كما تقوم تلك الأدبيات، أيضاً، على التميز بالملبس وغيره، وكذلك على طاعة الأوامر من دون تفكير أو تردد، وكذلك الرهبة من القيادة والولاء لها.
وما يدور في فكر قيادة الانقلاب العسكري في مصر ليس بعيداً عن هذه الأدبيات، وما يؤكد ذلك حالات الإقصاء السياسي لكل المعارضين له، مهما كان انتماؤهم، بل وتصفيتهم جسدياً، سواء بالتعذيب داخل أماكن الاحتجاز، أو عند القبض عليهم، بالإضافة إلى الجذور الاجتماعية للعسكر، المتمثلة في نظرة المجتمع التي كانت سائدة قبل الانقلاب لضابط الجيش (إبن الجنايني) الذي يحارب الطبقية، و(بقى ضابط يا إنجي)، والجذور الاقتصادية للعسكر التي شكلت مافيا تغلغلت في الأنشطة والقطاعات كافة، من كعك العيد وحتى تسليك بلاعات الصرف الصحي، ومشاركة الأجانب في مشروعاتهم بقرارات جمهورية، وبعيداً عن أي رقابة.
وفكرة التعامل مع العدو وإبادته ظهرت في فترة حكم العسكر، سواء في مذبحة ميدان رابعة العدوية وأخواتها، أو "ماسبيرو" وما سبقها، وهذه هي العقيدة التي يتربى عليها الجنود البسطاء عبر خطاب الشؤون المعنوية للعسكر، وباستخدام مشايخ السلطة عبارات تحفيزية، مثل (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)، أو أن طاعة القائد من طاعة الله.
ولأن العسكر لا بد أن يحصل على أسرى من عدوه، حتى يستطيع أن يفاوضه، فحالات الاعتقالات والاختفاء القسري التي ملأت سجون مصر مباحة، حتى لو أدت إلى بناء سجون جديدة، كما يحدث الآن على مساحة مئات الأفدنة، مع أن مصر كلها أصبحت سجناً للشعب العدو.
ولأن الفكر العسكري يقوم على الخداع، فلا بأس بترويج مشروعاتٍ مثل علاج الإيدز وفيروس
سي عبر كفتة عبد العاطي، أو القول إن المليارات التي تم إنفاقها على حفر تفريعة قناة السويس تم جمعها في أيام قليلة، أو إيهام الشعب العدو باستصلاح ملايين الفدادين، في الوقت الذي تستكمل فيه أثيوبيا بناء سد النهضة الكارثي، ولا بأس بتشكيل مجلسٍ يمثل أنه نيابي، ولأن الخداع يعبر عن حالة نجاح عسكري، فقد مارسها العسكر باحترافية، منذ ثورة يناير وحتى قبل الانقلاب عام 2013، لكنه تسرع وحرق عدة مراحل، أدت إلى فشل ترويج الثورة المزعومة، ولم يستطع أن يزيل وصمة الانقلاب من جبينه، على الرغم من مليارات الجنيهات تم دفعها من أجل ذلك.
ولأن العسكر يقوم على التمييز في الملبس والرتب العسكرية، فقيادة الانقلاب، وكل انقلاب، ترى أنفسها في مرتبة تسبق الشعب فهم الأسياد الذين لا يقبلون مراقبةً أو محاسبةً والشعب بما يمثله من مدنية المقابلة للعسكرية هم في المرتبة الأدنى، ولعل ذلك ما جعلهم يرفضون فكرة توريث الحكم لجمال مبارك، فقط لأنه مدني، على الرغم من تربيته في بيت العسكر، وكان لهذا الرفض دور كبير في التخلي عن حسني مبارك سريعاً، أملاً في استتباب الأمر لهم، ولكن، حالت الأحداث دون ذلك إلا بانقلاب مكشوف.
إذاً، سيظل الشعب هو العدو، طالما لم يدخل بيت الطاعة العسكري، ويتعلم الانضباط، وتبجيل القيادة وطاعتها، وعدم التفكير، مجرد التفكير، في مناقشتها، فالقيادة تعلم، ومشروعاتها سرية، لا يتم الإعلان عنها، مرة لأنها أمن قومي، وأخرى حتى لا يعرفها الأشرار، وسيظل الشعب هو العدو، ما دام يفكر، ويتطلع إلى مشاركة القيادة في تسيير الدفة، وسيظل هو العدو، طالما لم يقبل ما ترسله القيادة من طعام وقوت (تعيين باللفظ العسكري)، ولم يشكر منحة العسكر عند الأزمات.
لن يغير العسكر من تفكيره ونظرته إلى الشعب عدواً، يجب إخضاعه من تلقاء نفسه، وستظل حالات القتل والخطف والاعتقال والاستعلاء مستمرة، إلا أن يُمنى بهزيمةٍ عسكريةٍ، تزيل قيادته، وتغير من عقيدته، أو يجد مقاومة شعبية شاملة، تجعله يستسلم، ويسلم قيادة البلاد إلى المدنيين فترة يعيد فيها ترتيب أوراقه، ويقيم أسباب فشل حالة الخداع الأخيرة، لينقض، مرة أخرى، على الحكم، إذا نجح في خداع العدو، وسيبقى الشعب يحلم بأن ينتقل من مربع العدو إلى مربع الآخر، طالما سكت على سلب حقوقه، ورقص على أشلاء موتاه.
ولفهم سيكولوجية التفكير لدى قادة أي انقلاب، لا بد من الرجوع إلى أدبيات الفكر العسكري الذي لا يعرف مفهوم الآخر. ولكن، تقوم نظرياته على العدو، وكيفية التعامل معه في حالات الحرب والسلم، وحالات القوة والضعف، وتتمثل حالة الانتصار الكامل في إخضاع العدو أو إبادته، أو خداعه، كما تقوم تلك الأدبيات، أيضاً، على التميز بالملبس وغيره، وكذلك على طاعة الأوامر من دون تفكير أو تردد، وكذلك الرهبة من القيادة والولاء لها.
وما يدور في فكر قيادة الانقلاب العسكري في مصر ليس بعيداً عن هذه الأدبيات، وما يؤكد ذلك حالات الإقصاء السياسي لكل المعارضين له، مهما كان انتماؤهم، بل وتصفيتهم جسدياً، سواء بالتعذيب داخل أماكن الاحتجاز، أو عند القبض عليهم، بالإضافة إلى الجذور الاجتماعية للعسكر، المتمثلة في نظرة المجتمع التي كانت سائدة قبل الانقلاب لضابط الجيش (إبن الجنايني) الذي يحارب الطبقية، و(بقى ضابط يا إنجي)، والجذور الاقتصادية للعسكر التي شكلت مافيا تغلغلت في الأنشطة والقطاعات كافة، من كعك العيد وحتى تسليك بلاعات الصرف الصحي، ومشاركة الأجانب في مشروعاتهم بقرارات جمهورية، وبعيداً عن أي رقابة.
وفكرة التعامل مع العدو وإبادته ظهرت في فترة حكم العسكر، سواء في مذبحة ميدان رابعة العدوية وأخواتها، أو "ماسبيرو" وما سبقها، وهذه هي العقيدة التي يتربى عليها الجنود البسطاء عبر خطاب الشؤون المعنوية للعسكر، وباستخدام مشايخ السلطة عبارات تحفيزية، مثل (طوبى لمن قتلهم وقتلوه)، أو أن طاعة القائد من طاعة الله.
ولأن العسكر لا بد أن يحصل على أسرى من عدوه، حتى يستطيع أن يفاوضه، فحالات الاعتقالات والاختفاء القسري التي ملأت سجون مصر مباحة، حتى لو أدت إلى بناء سجون جديدة، كما يحدث الآن على مساحة مئات الأفدنة، مع أن مصر كلها أصبحت سجناً للشعب العدو.
ولأن الفكر العسكري يقوم على الخداع، فلا بأس بترويج مشروعاتٍ مثل علاج الإيدز وفيروس
ولأن العسكر يقوم على التمييز في الملبس والرتب العسكرية، فقيادة الانقلاب، وكل انقلاب، ترى أنفسها في مرتبة تسبق الشعب فهم الأسياد الذين لا يقبلون مراقبةً أو محاسبةً والشعب بما يمثله من مدنية المقابلة للعسكرية هم في المرتبة الأدنى، ولعل ذلك ما جعلهم يرفضون فكرة توريث الحكم لجمال مبارك، فقط لأنه مدني، على الرغم من تربيته في بيت العسكر، وكان لهذا الرفض دور كبير في التخلي عن حسني مبارك سريعاً، أملاً في استتباب الأمر لهم، ولكن، حالت الأحداث دون ذلك إلا بانقلاب مكشوف.
إذاً، سيظل الشعب هو العدو، طالما لم يدخل بيت الطاعة العسكري، ويتعلم الانضباط، وتبجيل القيادة وطاعتها، وعدم التفكير، مجرد التفكير، في مناقشتها، فالقيادة تعلم، ومشروعاتها سرية، لا يتم الإعلان عنها، مرة لأنها أمن قومي، وأخرى حتى لا يعرفها الأشرار، وسيظل الشعب هو العدو، ما دام يفكر، ويتطلع إلى مشاركة القيادة في تسيير الدفة، وسيظل هو العدو، طالما لم يقبل ما ترسله القيادة من طعام وقوت (تعيين باللفظ العسكري)، ولم يشكر منحة العسكر عند الأزمات.
لن يغير العسكر من تفكيره ونظرته إلى الشعب عدواً، يجب إخضاعه من تلقاء نفسه، وستظل حالات القتل والخطف والاعتقال والاستعلاء مستمرة، إلا أن يُمنى بهزيمةٍ عسكريةٍ، تزيل قيادته، وتغير من عقيدته، أو يجد مقاومة شعبية شاملة، تجعله يستسلم، ويسلم قيادة البلاد إلى المدنيين فترة يعيد فيها ترتيب أوراقه، ويقيم أسباب فشل حالة الخداع الأخيرة، لينقض، مرة أخرى، على الحكم، إذا نجح في خداع العدو، وسيبقى الشعب يحلم بأن ينتقل من مربع العدو إلى مربع الآخر، طالما سكت على سلب حقوقه، ورقص على أشلاء موتاه.