11 سبتمبر 2024
عن الفدية وتمويل الإرهاب في أفريقيا
يذيع التلفزيون الرسمي الجزائري، بصورة شبه يومية، اكتشاف مخابئ أسلحة، ويلاحظ المشاهد بعين الدهشة أن الأسلحة المدسوسة في مخابئ تحت الرمال ترسانة تصلح لخوض غمار حرب بمعدات ثقيلة، حيث لم تعد الاكتشافات تقتصر، كما كان في الماضي، على أسلحة فردية أو استسلام بقايا مسلحين من عهد سنوات التسعينيات التي عرفت فيها الجزائر سنوات جمر ودمار جاءت على الأخضر واليابس، ولم تنج منها البلاد إلا بعد تضحيات جسيمة، وسير في درب طويل من مفاوضاتٍ أجرتها المخابرات العسكرية مع المسلحين في الجبال، أفضت، في ما بعد، إلى ما اصطلح على تسميته بالوئام المدني، ومن بعده المصالحة الوطنية.
لم ينس الجزائريون أبداً تلك الحرب المدمرة، فالذاكرة عامرة بصور بشعة تقفز إلى الواجهة عند كل خبر من أخبار مخابئ الأسلحة التي يكون العامل المشترك بين أغلبها أنها تكتشف في أقصى الجنوب الجزائري، في الصحراء التي لا حد لها إلا الرمال والصخور الوعرة اللامتناهية. في الذاكرة القريبة أيضا أحداث محطة النفط في الصحراء الجزائرية "تيغنتورين"، والتي راح ضحيتها عشرات العمال والمهندسين الأجانب. وفي هذه الأماكن البعيدة عن الأنظار، وفي مربع الجغرافيا بين الجزائر ومالي والنيجر وليبيا، استوطن مسلحون ينتمون لتنظيمات مسلحة تهدد السلم والأمن الدوليين.
وفي الأسبوع الأخير من إبريل/ نيسان الماضي، عقدت في باريس ندوة دولية أشرفت عليها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تحت شعار "لا مال للإرهاب"، حضرها أزيد من 72 بلدا، ولعبت فيها فرنسا دورا بارزا، عرّابا جديدا لتجريم الفدية التي يستفيد منها الإرهاب الدولي. لم تكن للدول الغربية، وفرنسا في مقدمتها سابقا، أي رغبة واضحة في المساهمة في القضاء على مصادر تمويل الإرهاب العديدة، لا سيما تجريم تقديم الأمم المتحدة الفدية، حيث كانت الفدية
وما زالت إحدى أهم مصادر تمويل الإرهاب، خصوصا في أفريقيا. ولا تعدم الأمثلة على تقديم دول غربية عديدة، مثل النمسا وسويسرا وإسبانيا وفرنسا، أموالا طائلة للإرهابيين، استعملوها لتقوية قواعدهم، والنيل من أمن عدة بلدان وشعوب. حتى بات استهداف جنسيات معينة بالاختطاف مهمة الجماعات المسلحة، خصوصا في منطقة الساحل الأفريقي. يقول جان بول رويلر، وهو خبير ومدير في مركز جنيف للتدريب وتحليل الإرهاب: "الرهائن يعدون استثمارا، وأنت لن تخطط للاستثمار إلا إذا كنت متأكدا جدا من تحصيل التعويضات". لقد أصبح محتجزو الرهائن يميزون بين الحكومات التي تدفع الفدية وتلك التي لا تدفع، حيث اختفت من قائمة الرهائن دول تُجرّم دفع الفدية، وبرزت أخرى خضعت تحت ضغط الرأي العام الداخلي فيها، إلى ابتزاز المجموعات الإرهابية.
تقهقر تنظيم داعش في العراق وتراجع في سورية، لكنه يملك، وفق تقديرات استخبارية فرنسية أوردتها وسائل إعلام فرنسية، رأس مال قد تصل قيمته إلى ثلاثة مليارات دولار. تحدثت معلومات عن عودة المسلحين الأجانب في هذا التنظيم إلى بلدانهم الأصلية. يقول بشأنهم وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، في مؤتمر باريس: "تشير المعطيات الأخيرة إلى أن هؤلاء المحاربين الإرهابيين الأجانب يتحدرون من أزيد من 120 بلدا". وهذا رقم يدل على توسع النطاق المحتمل لنشاطاتهم، أو تنقلهم نحو مناطق نزاع أخرى، لعل أهمها منطقة الصحراء الأفريقية، حيث تضمن تلك الفيافي البعيدة عن الأنظار ملاذا يكاد يكون آمنا لهذه العناصر التي تستغل سهولة اختراق حدود تلك المناطق، وضعف وسائل دولها، والفقر ونسب البطالة العالية وسط شبابها. ناهيك عمّا أتاحته التطورات التكنولوجية في الاتصالات من فرص أخرى للمجموعات المسلحة للانتشار عبر اللجوء للإنترنت، والمنصات المشفرة للدعاية، وتشجيع العمل الفردي واستغلال الحالات الهشّة، وتبرير كل أشكال العنف.
لا تنتظر أفريقيا من مؤتمر باريس أشياء كثيرة، ففي جعبتها من التجارب ما يُخالف تلك الوعود التي تلتزم بها الدول الأوروبية في المؤتمرات، وتعاكسها في الميدان. إذ يفيد مراقبون بأن التوصيات التي خرج بها المؤتمر ستكون ورقةً بيد الدول الكبرى، تستعملها للضغط على
الدول الضعيفة، وخصوصا أن منع الفدية لم يرق إلى مصاف التجريم القانوني، لتبقى محاولات الدول الأفريقية، ومنها الجزائر، في السعي إلى استصدار لائحة أممية ضمن الفصل السابع تجرّم دفع الفدية للإرهابيين دونها عراقيل، مثل محاربة تزوير الوثائق، وتتبع وترصد ومعاقبة وتفكيك الوسطاء الماليين غير الشرعيين، ومجابهة المخاطر المتعلقة باستعمال الدفع نقدا، وأنظمة التحويل المالي غير القانونية.
قد يكون التركيز على العمل العسكري والأمني لتجفيف منابع تمويل الإرهاب أساسيا في عملية تقصي آثار الإجرام العابر للحدود، فقد قال اللواء توماس ولّدهاوسر، قائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، في أثناء زيارته للجزائر أخيرا: "تتيح هذه الزيارة لي فرصة جيدة للإصغاء مباشرة للسلطات الجزائرية بشأن مخاوفنا الأمنية المشتركة.. ونتطلع لبحث أنشطة التعاون الأمني المستقبلية مع الجزائر". وهو ما أدى بمراقبين إلى عدم استبعاد مساع أميركية لجر الجيش الجزائري للمشاركة في الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، وخصوصا أن زيارة الجنرال الأميركي تأتي عقب مناورات عسكرية جرت على الحدود الجزائرية بقيادة أميركية، ولم تشارك فيها الجزائر، انطلاقا من مبدأ عدم مشاركة جيشها في أي عمليات عسكرية خارج حدودها.
ولكن ألا يفرض تأقلم المجموعات الإرهابية مع الأوضاع العالمية الجديدة، وتغير أساليبها في العمل والحركة وتطور هذه الأساليب، مسايرة جديدة وأنماطا مختلفة من المجابهة، تختلف عن الطرق التقليدية في القضاء على الإرهاب، ومصادر تمويله. لعل مؤتمر الاتحاد الأفريقي في الجزائر في بداية إبريل/ نيسان، بشأن مكافحة تمويل الإرهاب، بدايةً لاستفاقة أفريقية للاتكال على الذات في هذه المسألة الأمنية الحساسة، انطلاقا من المثل "لا يحك جلدك مثل ظفرك".
لم ينس الجزائريون أبداً تلك الحرب المدمرة، فالذاكرة عامرة بصور بشعة تقفز إلى الواجهة عند كل خبر من أخبار مخابئ الأسلحة التي يكون العامل المشترك بين أغلبها أنها تكتشف في أقصى الجنوب الجزائري، في الصحراء التي لا حد لها إلا الرمال والصخور الوعرة اللامتناهية. في الذاكرة القريبة أيضا أحداث محطة النفط في الصحراء الجزائرية "تيغنتورين"، والتي راح ضحيتها عشرات العمال والمهندسين الأجانب. وفي هذه الأماكن البعيدة عن الأنظار، وفي مربع الجغرافيا بين الجزائر ومالي والنيجر وليبيا، استوطن مسلحون ينتمون لتنظيمات مسلحة تهدد السلم والأمن الدوليين.
وفي الأسبوع الأخير من إبريل/ نيسان الماضي، عقدت في باريس ندوة دولية أشرفت عليها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تحت شعار "لا مال للإرهاب"، حضرها أزيد من 72 بلدا، ولعبت فيها فرنسا دورا بارزا، عرّابا جديدا لتجريم الفدية التي يستفيد منها الإرهاب الدولي. لم تكن للدول الغربية، وفرنسا في مقدمتها سابقا، أي رغبة واضحة في المساهمة في القضاء على مصادر تمويل الإرهاب العديدة، لا سيما تجريم تقديم الأمم المتحدة الفدية، حيث كانت الفدية
تقهقر تنظيم داعش في العراق وتراجع في سورية، لكنه يملك، وفق تقديرات استخبارية فرنسية أوردتها وسائل إعلام فرنسية، رأس مال قد تصل قيمته إلى ثلاثة مليارات دولار. تحدثت معلومات عن عودة المسلحين الأجانب في هذا التنظيم إلى بلدانهم الأصلية. يقول بشأنهم وزير الخارجية الجزائري، عبد القادر مساهل، في مؤتمر باريس: "تشير المعطيات الأخيرة إلى أن هؤلاء المحاربين الإرهابيين الأجانب يتحدرون من أزيد من 120 بلدا". وهذا رقم يدل على توسع النطاق المحتمل لنشاطاتهم، أو تنقلهم نحو مناطق نزاع أخرى، لعل أهمها منطقة الصحراء الأفريقية، حيث تضمن تلك الفيافي البعيدة عن الأنظار ملاذا يكاد يكون آمنا لهذه العناصر التي تستغل سهولة اختراق حدود تلك المناطق، وضعف وسائل دولها، والفقر ونسب البطالة العالية وسط شبابها. ناهيك عمّا أتاحته التطورات التكنولوجية في الاتصالات من فرص أخرى للمجموعات المسلحة للانتشار عبر اللجوء للإنترنت، والمنصات المشفرة للدعاية، وتشجيع العمل الفردي واستغلال الحالات الهشّة، وتبرير كل أشكال العنف.
لا تنتظر أفريقيا من مؤتمر باريس أشياء كثيرة، ففي جعبتها من التجارب ما يُخالف تلك الوعود التي تلتزم بها الدول الأوروبية في المؤتمرات، وتعاكسها في الميدان. إذ يفيد مراقبون بأن التوصيات التي خرج بها المؤتمر ستكون ورقةً بيد الدول الكبرى، تستعملها للضغط على
قد يكون التركيز على العمل العسكري والأمني لتجفيف منابع تمويل الإرهاب أساسيا في عملية تقصي آثار الإجرام العابر للحدود، فقد قال اللواء توماس ولّدهاوسر، قائد القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، في أثناء زيارته للجزائر أخيرا: "تتيح هذه الزيارة لي فرصة جيدة للإصغاء مباشرة للسلطات الجزائرية بشأن مخاوفنا الأمنية المشتركة.. ونتطلع لبحث أنشطة التعاون الأمني المستقبلية مع الجزائر". وهو ما أدى بمراقبين إلى عدم استبعاد مساع أميركية لجر الجيش الجزائري للمشاركة في الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، وخصوصا أن زيارة الجنرال الأميركي تأتي عقب مناورات عسكرية جرت على الحدود الجزائرية بقيادة أميركية، ولم تشارك فيها الجزائر، انطلاقا من مبدأ عدم مشاركة جيشها في أي عمليات عسكرية خارج حدودها.
ولكن ألا يفرض تأقلم المجموعات الإرهابية مع الأوضاع العالمية الجديدة، وتغير أساليبها في العمل والحركة وتطور هذه الأساليب، مسايرة جديدة وأنماطا مختلفة من المجابهة، تختلف عن الطرق التقليدية في القضاء على الإرهاب، ومصادر تمويله. لعل مؤتمر الاتحاد الأفريقي في الجزائر في بداية إبريل/ نيسان، بشأن مكافحة تمويل الإرهاب، بدايةً لاستفاقة أفريقية للاتكال على الذات في هذه المسألة الأمنية الحساسة، انطلاقا من المثل "لا يحك جلدك مثل ظفرك".