28 ديسمبر 2021
عن دوغمائية إرهاب الخراب الإجرامي
لا تتحرّك ظاهرة الإرهاب، كظاهرة إجرامية، فقط في بيئة التوترات والصراعات والحروب المحلية أو الإقليمية أو الدولية، بل هي تجوب جغرافيا العالم برمته، حيث لا هوية محدّدة، ولا وطن معيناً، لمكامن الإرهابيين وبيئاتهم الحاضنة والممولة وانتقالات المنفذين وتحركاتهم. وهناك عمليات عديدة، لا عجب إن استفاد منها أكثر من طرف: دولة أو دول، بأجهزتها الأمنية والمخابراتية، وفي تداخلات بعضها مع بعض، وفي تشاركها أحياناً، وفي أحايين أخرى، يجري التنصل من هذه العملية أو تلك، لسبب أو لآخر.
في النهاية، نحن أمام مروحة واسعة من مسببات الإرهاب والعنف المعولم وأشكالهما، كظاهرة لا تقتصر على المغالاة والتشدد والتعصب الديني أو القومي، بقدر ما تعبر، كظاهرة دوغمائية غير مسبوقة في تاريخنا المعاصر، وفي تجاوزها كل حدود الدول والأمم؛ عن نوازع إجرامية، لا يتوانى أصحابها عن القتل السهل، واستسهال الإجرام، اعتقاداً منهم بأنهم "يدافعون عن قضية" هم أبعد ما يكونون عن ماهية هذه القضية وهويتها.
مثل هذه الاعتقادات الدوغمائية الفاسدة والمفسدة، يتحمل المخططون والمحرضون مسؤوليتها الأخلاقية والدينية والإنسانية، أما منفذو تلك العمليات من الانتحاريين فهم، من الأساس، بلا مسؤوليةٍ من أي نوع، وبلا عقل؛ مجرد "روبوتات" يحرّكها عقل ضليع في الإجرام باسم "الدعوة" و"الشريعة" و"الحسبة" و"حكم التقاضي" بالقتل، وتفتيت الأجساد البشرية، ضد كل من لا يتماثل، أو يمتثل، لإرادات "النموذج" التديّني، كما في ذهن (أو أذهان) بعضهم، من الفاقدين أهلية تحكيم العقل، أو الاحتكام إليه في شتى أمور الحياة والعيش والتفكير.
الإرهاب ظاهرة عالمية وستبقى، قبل وصمها بأنها ظاهرة إسلامية أو إسلاموية وبعده، مارسها الاستعمار الكولونيالي، منذ الأيام الأولى لتجارة العبيد وإقامة المستوطنات للمستعمرين البيض على امتداد القارات، مروراً بالاحتلالات الاستعمارية والاستيطانية، يوم كانت إسرائيل وجنوب إفريقيا تشكلان رأس جسر حماية المصالح الغربية في إفريقيا والمنطقة العربية، ويوم كانت دول أميركا الجنوبية واللاتينية مرتعاً خصباً للأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية التي جرى تنصيبها وتشغيلها لخدمة المصالح الغربية، في مواجهة الاتحاد السوفييتي، في سياق الحرب الباردة بين المعسكرين (الشرقي والغربي). وقبل ذلك، أيام الصراعات الدينية بين الكنائس المسيحية في أوروبا. وها هي تتجدّد، اليوم، مثيلات وشبيهات لها بأعنف مما سبق، ليس بين الاتجاهات والتيارات التكفيرية الإسلاموية، وليس بينها وبين الغرب والمصالح الغربية، أو ضد إسرائيل فقط، بل ضد الذات نفسها.
وما تشهده أوروبا اليوم هو ذروة الإجرام الإرهابي الناشد إلى تحويل القارة العجوز إلى قارة يرتع فيها الإسلامويون فتحاً وغزواً، بعد أن نالوا منها بعض الجزية، آملين تحويلها إلى قارةٍ ذات طابع إسلاموي، يفكّر سكانها الجدد، أو حتى القدامى كما يفكّرون، ويدينون بدينٍ يكّفر كما يكفّرون، وتلك قمة العبث اللاعقلاني بأقدار العالم وشؤونه، وتحويل شجونه إلى مادة للدمار الشامل، عبر ممارسة الإرهاب الإجرامي، وخروجه عن كل المعايير غير المسبوقة.
لم يمتلك الإرهاب الإجرامي، حتى اليوم، ناصية أي (دولة نموذج) يمكن تعميمه، بل نجد أن
الأعمال الإجرامية واحدة من المشتركات التي قد يقوم بها منتمون إلى هذه الدولة أو تلك، إلى هذه الهوية أو تلك، إلى هذه المنطقة الجغرافية أو غيرها. وعلى العموم، المصالح غير المحددة أو حتى المحدّدة للإرهاب الإجرامي، لا يمكنها أن تحدّد، بشكل دقيق، هوية القائمين به، وغاياتهم وأهدافهم في ظل الفوضى السائدة، والتشبيك السائد، والتداخلات القائمة بين العوالم المختلفة، التي يأتي من خلفياتها، ومن هوامشها، وحتى من متونها، مجموع القائمين بالعمليات الإرهابية على اختلافها بين القارات المختلفة، والتنظيمات الأكثر اختلافاً في أهدافها وغاياتها التكتيكية والاستراتيجية.
وإذا كان هناك تلك المسؤولية المشتركة (عربياً وغربياً) عن صنع "داعش"، كأبرز صانعي الإرهاب الإجرامي المتوحش، في اللحظة السياسية والتاريخية الراهنة، فإن مسؤولية "الإسلام السلطوي" جوهراً و"الدعوي" شكلاً، عن إرهاب "داعش" وأمثاله من تنظيمات ما تسمى "السلفية الجهادية"، باتت تتحدّد في تلك المروحة الواسعة من الفتاوى والتفسيرات والتآويل والتقاويل التي ما أنزلها الله، لا في كتابٍ، ولا وردت في أي سنّة من السنن، ولا عرفها الإسلام التاريخي، فمن أين تأتي تلك "الشريعة" التي أباحت وتبيح تكفير الناس، وتهيئة المقاتل الإرهابية لها، على امتداد جغرافيا العالم، من دون قضاء عادل ونزيه، ومن دون رحمةٍ ولا شفقة، ومن دون سند ديني واضح، ومن دون حكم رشيدٍ أو عادل، ومن دون دولة/ أمة لن تقوم لها قائمة، وفق المنطق والتصورات التدينية، كالتي جاء بها "الدواعش"، انطلاقاً من العراق وسورية، وامتداداً حتى آخر الكون غير الوسيع، كون لا يتسع، بل هو يضيق بإرهاب "الدواعش" وأضرابهم، ومن هم على شاكلتهم، إرهاب إجرامي، ما كان خليقاً إلا بجلب الفوضى والخراب ضد المسلمين أنفسهم، في بلدانهم وفي الخارج.
أليست هذه "إسلاموية" ضد الإسلام؟ القائمون بها، ووفق دوغمائيتهم الخاصة، المماثلة لدوغمائية التيارات التدينية التعصبية، يفترضون في أنفسهم، فيما هم يتناسلون كالفطر، كونهم "دعاة" و"قضاة"، ووحدهم من تنهض على عواتقهم مهمة تطبيق "الشريعة"، ليس ضد المسلمين أنفسهم، بل ضد المجتمعات الإنسانية برمتها.
في النهاية، نحن أمام مروحة واسعة من مسببات الإرهاب والعنف المعولم وأشكالهما، كظاهرة لا تقتصر على المغالاة والتشدد والتعصب الديني أو القومي، بقدر ما تعبر، كظاهرة دوغمائية غير مسبوقة في تاريخنا المعاصر، وفي تجاوزها كل حدود الدول والأمم؛ عن نوازع إجرامية، لا يتوانى أصحابها عن القتل السهل، واستسهال الإجرام، اعتقاداً منهم بأنهم "يدافعون عن قضية" هم أبعد ما يكونون عن ماهية هذه القضية وهويتها.
مثل هذه الاعتقادات الدوغمائية الفاسدة والمفسدة، يتحمل المخططون والمحرضون مسؤوليتها الأخلاقية والدينية والإنسانية، أما منفذو تلك العمليات من الانتحاريين فهم، من الأساس، بلا مسؤوليةٍ من أي نوع، وبلا عقل؛ مجرد "روبوتات" يحرّكها عقل ضليع في الإجرام باسم "الدعوة" و"الشريعة" و"الحسبة" و"حكم التقاضي" بالقتل، وتفتيت الأجساد البشرية، ضد كل من لا يتماثل، أو يمتثل، لإرادات "النموذج" التديّني، كما في ذهن (أو أذهان) بعضهم، من الفاقدين أهلية تحكيم العقل، أو الاحتكام إليه في شتى أمور الحياة والعيش والتفكير.
الإرهاب ظاهرة عالمية وستبقى، قبل وصمها بأنها ظاهرة إسلامية أو إسلاموية وبعده، مارسها الاستعمار الكولونيالي، منذ الأيام الأولى لتجارة العبيد وإقامة المستوطنات للمستعمرين البيض على امتداد القارات، مروراً بالاحتلالات الاستعمارية والاستيطانية، يوم كانت إسرائيل وجنوب إفريقيا تشكلان رأس جسر حماية المصالح الغربية في إفريقيا والمنطقة العربية، ويوم كانت دول أميركا الجنوبية واللاتينية مرتعاً خصباً للأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية التي جرى تنصيبها وتشغيلها لخدمة المصالح الغربية، في مواجهة الاتحاد السوفييتي، في سياق الحرب الباردة بين المعسكرين (الشرقي والغربي). وقبل ذلك، أيام الصراعات الدينية بين الكنائس المسيحية في أوروبا. وها هي تتجدّد، اليوم، مثيلات وشبيهات لها بأعنف مما سبق، ليس بين الاتجاهات والتيارات التكفيرية الإسلاموية، وليس بينها وبين الغرب والمصالح الغربية، أو ضد إسرائيل فقط، بل ضد الذات نفسها.
وما تشهده أوروبا اليوم هو ذروة الإجرام الإرهابي الناشد إلى تحويل القارة العجوز إلى قارة يرتع فيها الإسلامويون فتحاً وغزواً، بعد أن نالوا منها بعض الجزية، آملين تحويلها إلى قارةٍ ذات طابع إسلاموي، يفكّر سكانها الجدد، أو حتى القدامى كما يفكّرون، ويدينون بدينٍ يكّفر كما يكفّرون، وتلك قمة العبث اللاعقلاني بأقدار العالم وشؤونه، وتحويل شجونه إلى مادة للدمار الشامل، عبر ممارسة الإرهاب الإجرامي، وخروجه عن كل المعايير غير المسبوقة.
لم يمتلك الإرهاب الإجرامي، حتى اليوم، ناصية أي (دولة نموذج) يمكن تعميمه، بل نجد أن
وإذا كان هناك تلك المسؤولية المشتركة (عربياً وغربياً) عن صنع "داعش"، كأبرز صانعي الإرهاب الإجرامي المتوحش، في اللحظة السياسية والتاريخية الراهنة، فإن مسؤولية "الإسلام السلطوي" جوهراً و"الدعوي" شكلاً، عن إرهاب "داعش" وأمثاله من تنظيمات ما تسمى "السلفية الجهادية"، باتت تتحدّد في تلك المروحة الواسعة من الفتاوى والتفسيرات والتآويل والتقاويل التي ما أنزلها الله، لا في كتابٍ، ولا وردت في أي سنّة من السنن، ولا عرفها الإسلام التاريخي، فمن أين تأتي تلك "الشريعة" التي أباحت وتبيح تكفير الناس، وتهيئة المقاتل الإرهابية لها، على امتداد جغرافيا العالم، من دون قضاء عادل ونزيه، ومن دون رحمةٍ ولا شفقة، ومن دون سند ديني واضح، ومن دون حكم رشيدٍ أو عادل، ومن دون دولة/ أمة لن تقوم لها قائمة، وفق المنطق والتصورات التدينية، كالتي جاء بها "الدواعش"، انطلاقاً من العراق وسورية، وامتداداً حتى آخر الكون غير الوسيع، كون لا يتسع، بل هو يضيق بإرهاب "الدواعش" وأضرابهم، ومن هم على شاكلتهم، إرهاب إجرامي، ما كان خليقاً إلا بجلب الفوضى والخراب ضد المسلمين أنفسهم، في بلدانهم وفي الخارج.
أليست هذه "إسلاموية" ضد الإسلام؟ القائمون بها، ووفق دوغمائيتهم الخاصة، المماثلة لدوغمائية التيارات التدينية التعصبية، يفترضون في أنفسهم، فيما هم يتناسلون كالفطر، كونهم "دعاة" و"قضاة"، ووحدهم من تنهض على عواتقهم مهمة تطبيق "الشريعة"، ليس ضد المسلمين أنفسهم، بل ضد المجتمعات الإنسانية برمتها.