عن ذكرى 19 مارس الأسود
لا يجب أن تمر ذكرى 19 مارس/آذار 2011 الأسود، لا يجب أن ننسى ذلك اليوم أبداً، فهو ذكرى بداية المأساة التي نعيشها الآن في مصر، بداية الانقسام وبداية البحث عن المكاسب والصفقات التنظيمية الضيقة.
في مثل هذا الوقت، قبل حوالي أربع سنوات، كانت جماعة الإخوان المسلمين تبذل كل مساعيها من أجل التقارب مع المجلس العسكري الحاكم في حينه، لإقناعه بأنها التنظيم الأقوى الذي يمكن أن يعتمد العسكر عليه، ويمكنها المشاركة في السلطة، فهي الجماعة التي يمكنها فض الحشود كما حدث بعد 11 فبراير/شباط، والتي يمكنها حشد الحشود كما حدث في "جمعة قندهار"، بعد ذلك بفترة استعجل "الإخوان"، بقيادة خيرت الشاطر، التمكين السريع، وسارعوا في مخاطبة ود المجلس العسكري، بعد رحيل حسني مبارك مباشرة، بل وقبل ذلك أيضاً، فهم من سارعوا بعقد الصفقات مع نائبه عمر سليمان قبل رحيله، وكانوا على استعداد لفض حشود ميدان التحرير، والاكتفاء بالإفراج عن خيرت الشاطر، والاعتراف بالحزب فقط.
ولكن، ليس "الإخوان" فقط هم من سارعوا إلى عقد الصفقات مع العسكر، بعد تفويض مبارك المجلس العسكري، وليس السلفيون والجهاديون فقط هم من ساندوا كل قرارات المجلس العسكري. ولكن، هناك أيضاً عشرات من الأحزاب الكرتونية التي صنعها مبارك، وهناك شخصيات تدعي الليبرالية، والاشتراكية، والناصرية، وأشخاص كثيرون محسوبون على ما يسمى التيار المدني، شاركوا الإخوان والسلفيين في عقد الصفقات مع المجلس العسكري، لم تكن منافستهم مع الإخوان والسلفيين على تحقق مطالب الثورة، بل ربما كانوا أكثر انتهازية من الإخوان والسلفيين، تبارى كثيرون مع "الإخوان" في تقديم التنازلات للمجلس العسكري، ورئيسه المشير حسين طنطاوي، وهم الذين فوضهم مبارك، من أجل الحفاظ على النظام الفاسد والفاشل، وادعوا كذباً أنهم كانوا يحافظون على الدولة.
منذ استفتاء 19 مارس، تم إدخالنا في مصر في معركة وهمية حول الهوية، وادعى الإسلاميون والعسكر معاً أن الانتخابات البرلمانية أولاً هي الحل، من أجل الاستقرار ودوران عجلة الإنتاج المزعومة.
في استفتاء 19 مارس الأسود، تحالف الإسلاميون والعسكر ضد الثورة ومطالبها، سعى كل منهم إلى أهدافه، وليس لأهداف ثورة يناير، حشد الإخوان وحلفاؤهم السلفيون الانتهازيون، للتصويت بنعم من أجل الشرعية، ومن أجل أن تكون مصر دولة إسلامية، وحشد العسكر واستخدموا أجهزة الدولة، واستغلوا اشتياق الشعب للاستقرار، من أجل الحفاظ على نظام مبارك ونظام الفساد والاستبداد، ودولة مبارك الفاشلة ودوائر المصالح الراسخة التي تعطل أي محاولة للتقدم.
وقتها، كان كل شباب الثورة، وكل المجموعات الثورية في جانب، تضغط من أجل أن يكون التطهير أولاً، وأن يكون تغيير النظام وإعادة الهيكلة أولاً، وأن يكون الطريق وقواعد اللعبة أولاً، قبل الانتخابات البرلمانية، والتفتت والصراع من أجل المصالح الشخصية، أو التنظيمية، أو الأيدلوجية، وكان تحالف العسكر ودولة مبارك، والإسلاميون (إخوان وسلفيون) في الجانب الآخر يضغط في اتجاه الانتخابات، أولاً، وتقسيم التورتة أولاً، وتفتيت معسكر الثورة، أولاً، وتقوية شوكة العسكر ودولة مبارك، أولاً، وإضاعة فرصة التغيير الحقيقي.
لم يدرك "الإخوان" أن العسكر استغلوا انتهازيتهم وطمعهم، إلا أخيراً، وربما لم يدرك معظمهم، حتى الآن، وحتى من أدرك ذلك من "الإخوان" لن يعترف بالخطأ. لا أريد أن أقلب كثيراً في الماضي. ولكن، يجب كل فترة تذكر ما حدث، ربما نتجنب تكراره مستقبلاً، إن كان هناك مستقبل، أو فرصة أخرى في يوم من الأيام.
ولذلك، أردت أن أذكركم وأذكر نفسي بيوم 19 مارس، ذكرى الاستفتاء الأسود، وبداية نهاية الثورة المصرية، وبداية تحالف العسكر والإخوان المسلمين الذين ظنوا أنهم أذكى من الجميع، حتى تمكن العسكر مرة أخرى، ووضعوا الجميع في السجون، إنه 19 مارس الأسود الذي ضيع فرصة التغيير الجذري، وفرصة تحقيق أهداف ثورة يناير، في ظل الزخم الثوري.