13 فبراير 2022
عن مجتمع يعاند نفسه
لا يزال الانقسام يأكل المجتمع في مصر، ولا يكاد يجري حديث بين مصريّيْن إلا واختلفا حول تقييم الأوضاع الراهنة في البلاد. أسمع حكايات عن أصدقاء فرقتهم السياسة، بعد عقود من الصداقة والعلاقات الأخوية، وأعرف عائلات تشرذمت وتفتتت صلة الرحم بين أفرادها، بسبب اختلافهم السياسي. والأكثر حزناً وألماً هو الانقسام حول كيفية الخروج من الأزمة الراهنة، والتي لا تزال تحكمها عقلية صفرية، وفق قاعدة "إما نحن أو هم".
ليست مصر الدولة الوحيدة التي مرت بتجربة الانقسام السياسي، وربما لحسن الحظ أن هذا الانقسام لا يزال، حتى الآن، في إطاره السلمي، ولم يتحول بعد إلى انقسام عنيف، يهدد أمن المجتمع وسلامته، على الرغم من حوادث العنف هنا وهناك. وتظل المشكلة الرئيسية في حجم الاحتقان ومخزون الغضب الذي يراكمه خطاب الكراهية والرغبة في الانتقام، والذي تورطت فيها مؤسسات وأطراف مهمة، كان من المفترض أنها تقوم بدورها في تخفيف الانقسام، ومعالجته بحكمة، كالإعلام والقضاء وبعض مؤسسات المجتمع المدني. أما ما يزيد القلق والخوف على مستقبل البلاد فهو مأسسة خطاب الانقسام وتعميقه من الطرف الذي يظن نفسه قد انتصر في المعركة السياسية.
ويظل مكمن الخطر في أن يتحول الانقسام السياسي الراهن إلى انقسام اجتماعي، قد يدفع بقطاعات وفئات اجتماعية للدخول في صراع أهلي، رغبة في الانتقام، أو قلب الطاولة على الطرف الآخر. صحيح أن مصر معروفة تاريخياً كدولة-أمة nation-state متجانسة ومتماسكة، لكن أحداث العامين الماضيين أعادت تشكيل روابط النسيج الاجتماعي المصري على نحو مقلق. فمن كان يتصور أن يقبل المجتمع قتل مئات لمجرد الاختلاف السياسي والأيديولوجي معهم؟ ومن كان يتوقع أن يسمع دعوات القتل والتحريض على الهواء مباشرة، من دون وازع من دين أو رادع من ضمير؟ ومن كان يتخيل أن تصدر أحكام إعدامات بالجملة على مواطنين مصريين نتيجة لخصومة سياسية مع هذا الطرف أو ذاك؟ لقد بتنا في مجتمع مريض، يستمتع بلغة الكراهية، ويتغذى على لغة الانتقام، وهو ما يجعل أية محاولة لرأب الصدع المتزايد تبدو كما لو كانت مهمة مستحيلة. وفي ظل مناخ مسمّم وانقسام سياسي متزايد، وخلاف اجتماعي متراكم، تزداد مساحات التوتر، وتتحول إلى قنبلة موقوتة، تنتظر الانفجار في أية لحظة.
يتعاطى الجميع مع الأزمة الراهنة بمنطق عقيم، يقوم على العناد والرغبة في الانتصار بأي ثمن. وعلى الرغم من إدراك جميع الأطراف بأن أي انتصار سوف يكون ثمنه كبيراً، إلا أنه يصر على المضي قدماً فيه، من دون رغبة في التراجع أو المراجعة أو الاعتراف بالخطأ. فالنظام الحالي يرى أنه قد انتصر بالفعل في معركته ضد جماعة الإخوان المسلمين، وأنه قد اكتسب شرعية تؤهله لقيادة البلاد من دون مشكلات. وهو أمر أبعد ما يكون عن الواقع، في حين ترى الجماعة أنها سوف تنتصر على النظام، إن آجلا أو عاجلاً، من خلال استمرار حراكها داخلياً وخارجيا. بينما يعاني الطرفان من مشكلات كثيرة، أهمها إنكار الواقع ومحاولة تزييفه من أجل إرضاء جمهوره ومناصريه.
أستمع لحوارات ونقاشات كثيرة، فأجدها موسومة بدرجة عالية من الحدة والتوتر. وأتابع تعليقات المتعاطفين مع هذا الطرف أو ذاك، فأشعر بأننا، كمصريين، قد افتقدنا إحدى سمات شخصيتنا التاريخية، وهي "الاعتدال والوسطية" التي أفرد لها المؤرخ الراحل، جمال حمدان، فصلاً كاملاً في موسوعته العبقرية "شخصية مصر". أصبحنا مجتمعاً منقسماً ومتشدداً في التعبير عن رأيه وخياراته السياسية، وغابت عن حواراتنا أية معانٍ للعقلانية والاتزان، وبتنا وكأننا نسير وسط بحر من الجنون الذي لا يرى سوى الاستئصال والعنف واغتيال الآخر. لقد بتنا مجتمعاً يعاند نفسه، ويعاقبها بدلاً من أن يعترف بخطئه.
ويظل مكمن الخطر في أن يتحول الانقسام السياسي الراهن إلى انقسام اجتماعي، قد يدفع بقطاعات وفئات اجتماعية للدخول في صراع أهلي، رغبة في الانتقام، أو قلب الطاولة على الطرف الآخر. صحيح أن مصر معروفة تاريخياً كدولة-أمة nation-state متجانسة ومتماسكة، لكن أحداث العامين الماضيين أعادت تشكيل روابط النسيج الاجتماعي المصري على نحو مقلق. فمن كان يتصور أن يقبل المجتمع قتل مئات لمجرد الاختلاف السياسي والأيديولوجي معهم؟ ومن كان يتوقع أن يسمع دعوات القتل والتحريض على الهواء مباشرة، من دون وازع من دين أو رادع من ضمير؟ ومن كان يتخيل أن تصدر أحكام إعدامات بالجملة على مواطنين مصريين نتيجة لخصومة سياسية مع هذا الطرف أو ذاك؟ لقد بتنا في مجتمع مريض، يستمتع بلغة الكراهية، ويتغذى على لغة الانتقام، وهو ما يجعل أية محاولة لرأب الصدع المتزايد تبدو كما لو كانت مهمة مستحيلة. وفي ظل مناخ مسمّم وانقسام سياسي متزايد، وخلاف اجتماعي متراكم، تزداد مساحات التوتر، وتتحول إلى قنبلة موقوتة، تنتظر الانفجار في أية لحظة.
يتعاطى الجميع مع الأزمة الراهنة بمنطق عقيم، يقوم على العناد والرغبة في الانتصار بأي ثمن. وعلى الرغم من إدراك جميع الأطراف بأن أي انتصار سوف يكون ثمنه كبيراً، إلا أنه يصر على المضي قدماً فيه، من دون رغبة في التراجع أو المراجعة أو الاعتراف بالخطأ. فالنظام الحالي يرى أنه قد انتصر بالفعل في معركته ضد جماعة الإخوان المسلمين، وأنه قد اكتسب شرعية تؤهله لقيادة البلاد من دون مشكلات. وهو أمر أبعد ما يكون عن الواقع، في حين ترى الجماعة أنها سوف تنتصر على النظام، إن آجلا أو عاجلاً، من خلال استمرار حراكها داخلياً وخارجيا. بينما يعاني الطرفان من مشكلات كثيرة، أهمها إنكار الواقع ومحاولة تزييفه من أجل إرضاء جمهوره ومناصريه.
أستمع لحوارات ونقاشات كثيرة، فأجدها موسومة بدرجة عالية من الحدة والتوتر. وأتابع تعليقات المتعاطفين مع هذا الطرف أو ذاك، فأشعر بأننا، كمصريين، قد افتقدنا إحدى سمات شخصيتنا التاريخية، وهي "الاعتدال والوسطية" التي أفرد لها المؤرخ الراحل، جمال حمدان، فصلاً كاملاً في موسوعته العبقرية "شخصية مصر". أصبحنا مجتمعاً منقسماً ومتشدداً في التعبير عن رأيه وخياراته السياسية، وغابت عن حواراتنا أية معانٍ للعقلانية والاتزان، وبتنا وكأننا نسير وسط بحر من الجنون الذي لا يرى سوى الاستئصال والعنف واغتيال الآخر. لقد بتنا مجتمعاً يعاند نفسه، ويعاقبها بدلاً من أن يعترف بخطئه.