21 فبراير 2018
عودة إلى انتخابات المغرب
ما زالت الانتخابات البلدية والجهوية المغربية (4 سبتمبر/أيلول الجاري) تستثير التحليلات في الداخل والخارج، باعتبارها تجربة شبه فريدة في عالم عربي غارق في الدماء أو في صحراء من الاستبداد أو في غابة من الثورات المضادة. برزت في الانتخابات متغيراتٌ، تحمل بوادر ميلاد تجربة تحوّل ديمقراطي هادئ، على الرغم من الصعوبات، ومن مقاومة الدولة العميقة هذا التحول الناعم في النظام السياسي المغربي الذي يجرّ خلفه تاريخاً مثقلاً بحمولات مختلفة ومتناقضة. ماذا حدث، في الانتخابات، من متغيرات تحمل العين السياسية على الانتباه إلى ما هو أبعد من العناوين الصحافية، وما تلتقطه كاميرات المراسلين.
أولاً: دخل إلى سوق الانتخابات المحلية في المغرب حوالى مليوني مشارك، جلّهم شباب لم يشاركوا في الانتخابات السابقة. ويفسر انفتاح شهيتهم السياسية هذه عاملان: مفعول الحراك العربي الذي أعاد إلى الشارع حيويته وتأثيره في القرار، حيث خرج مئات الآلاف للتظاهر في الشارع، مطالبين بالحرية والكرامة والملكية البرلمانية (الدستورية) تحت شعار محاربة الاستبداد والفساد. لم تتحقق كل مطالب الشارع المغربي في الدستور الجديد 2011، ولم تستجب (الحكومة الملتحية) لكل شعارات حركة 20 فبراير، لكن الحراك ترك مفعولاً كيميائياً ظهرت آثاره مع الوقت. العامل الثاني وجود قدر مهم من التنافسية بين الأحزاب من كل التيارات، وإحساس الطبقة الوسطى بأن لصوتها قيمة، فمنذ صوتت لحزب العدالة والتنمية سنة 2011، فوصل إلى رئاسة الحكومة، شعر الناس بأن لصوتهم الانتخابي قيمة وتأثيرا، ويمكن أن يغيّر، ولو بقدر يسير، الأوضاع.
ثانياً: التحول الجوهري الآخر أن المغرب ربح كتلة ناخبة بالملايين في المدن الكبرى والمتوسطة، تصوّت بدافعٍ سياسي، ولاعتباراتٍ عقلانية إلى حدٍّ ما، ولا تصوّت بدافع المال أو القبيلة أو الخوف من السلطة. عاقبت الطبقة الوسطى في المدن الكبرى الأحزاب التقليدية بقسوة، وطردتها من إدارة المدن، وأعطت للحزب الإسلامي المعتدل مفاتيح المدن لإدارتها، على أساس برنامج خدماتي واقعي، وليس على أساس ديني أو عرقي، فالذين صوّتوا لـ"العدالة والتنمية" من الفئات الغنية والمتوسطة، والتي لا تتقاسم، بالضرورة، منظوره لدور الدين في الحياة العامة، إلا أن هذه الفئة توّصلت، بحسها السليم، إلى أن الأولوية الآن هي تثبيت خطاب الإصلاح الديمقراطي، ومطلب محاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة، وعدم الانتباه إلى الخصوصية الأيديولوجية للحزب، كما تفعل النخب اليسارية والعلمانية التي تجر البلاد إلى تقاطب أيديولوجي مدمر.
ثالثاً: التحول الثالث الذي حمله الاقتراع المغربي، أخيراً، قبول القصر الملكي بقواعد اللعبة الجديدة، حيث للشعب كلمة الفصل في (تنصيب من يحكم). للمرة الثانية بعد 2011، لم تتدخل السلطة، بطرق سافرة وبدائية، لتغيير نتائج الاقتراع لصالح الأحزاب المحسوبة تقليدياً عليها. استعملت تقنيات ناعمةً لتوجيه جزء من الرأي العام تجاه أحزابها، وفي مقدمتها "الأصالة والمعاصرة"، بالتقطيع الانتخابي غير العادل، والمزاوجة بين نمطي الاقتراع باللائحة في المدن والاقتراع الفردي في البوادي، حتى لا تحرم الأعيان والوجهاء من حصتهم في مقاعد البلديات والجماعات القروية، لكن هذا كله لم ينفع في كبح تطلع الطبقة الوسطى إلى التغيير، التطلع الذي ترجم نفسه في تصويت سياسي كثيف، على حزب العدالة والتنمية في كبريات المدن. الهامش الكبير الذي كان للسلطة في تفصيل الخرائط الانتخابية على هواها لم يعد كذلك، وأن الدولة العميقة تفقد، شيئاً فشيئاً، السيطرة على المجتمع والتحكم فيه، عندما تبدأ السلطوية التفاوض مع قوى التغيير في المجتمع، وتضطر إلى التنازل، في كل مرة، للشعب ولصناديق الاقتراع، عن مكاسب جديدة، فمن عمق هذا الصراع تنشأ التقاليد الديمقراطية، وتكبر ثقافة التعاقد والتفاوض والاعتراف بالآخر، إلى حين دخول نادي الديمقراطيات الحديثة. يقول مثل إنجليزي: العادة تجعل كل شيء سهلاً.
أولاً: دخل إلى سوق الانتخابات المحلية في المغرب حوالى مليوني مشارك، جلّهم شباب لم يشاركوا في الانتخابات السابقة. ويفسر انفتاح شهيتهم السياسية هذه عاملان: مفعول الحراك العربي الذي أعاد إلى الشارع حيويته وتأثيره في القرار، حيث خرج مئات الآلاف للتظاهر في الشارع، مطالبين بالحرية والكرامة والملكية البرلمانية (الدستورية) تحت شعار محاربة الاستبداد والفساد. لم تتحقق كل مطالب الشارع المغربي في الدستور الجديد 2011، ولم تستجب (الحكومة الملتحية) لكل شعارات حركة 20 فبراير، لكن الحراك ترك مفعولاً كيميائياً ظهرت آثاره مع الوقت. العامل الثاني وجود قدر مهم من التنافسية بين الأحزاب من كل التيارات، وإحساس الطبقة الوسطى بأن لصوتها قيمة، فمنذ صوتت لحزب العدالة والتنمية سنة 2011، فوصل إلى رئاسة الحكومة، شعر الناس بأن لصوتهم الانتخابي قيمة وتأثيرا، ويمكن أن يغيّر، ولو بقدر يسير، الأوضاع.
ثانياً: التحول الجوهري الآخر أن المغرب ربح كتلة ناخبة بالملايين في المدن الكبرى والمتوسطة، تصوّت بدافعٍ سياسي، ولاعتباراتٍ عقلانية إلى حدٍّ ما، ولا تصوّت بدافع المال أو القبيلة أو الخوف من السلطة. عاقبت الطبقة الوسطى في المدن الكبرى الأحزاب التقليدية بقسوة، وطردتها من إدارة المدن، وأعطت للحزب الإسلامي المعتدل مفاتيح المدن لإدارتها، على أساس برنامج خدماتي واقعي، وليس على أساس ديني أو عرقي، فالذين صوّتوا لـ"العدالة والتنمية" من الفئات الغنية والمتوسطة، والتي لا تتقاسم، بالضرورة، منظوره لدور الدين في الحياة العامة، إلا أن هذه الفئة توّصلت، بحسها السليم، إلى أن الأولوية الآن هي تثبيت خطاب الإصلاح الديمقراطي، ومطلب محاربة الفساد، وتخليق الحياة العامة، وعدم الانتباه إلى الخصوصية الأيديولوجية للحزب، كما تفعل النخب اليسارية والعلمانية التي تجر البلاد إلى تقاطب أيديولوجي مدمر.
ثالثاً: التحول الثالث الذي حمله الاقتراع المغربي، أخيراً، قبول القصر الملكي بقواعد اللعبة الجديدة، حيث للشعب كلمة الفصل في (تنصيب من يحكم). للمرة الثانية بعد 2011، لم تتدخل السلطة، بطرق سافرة وبدائية، لتغيير نتائج الاقتراع لصالح الأحزاب المحسوبة تقليدياً عليها. استعملت تقنيات ناعمةً لتوجيه جزء من الرأي العام تجاه أحزابها، وفي مقدمتها "الأصالة والمعاصرة"، بالتقطيع الانتخابي غير العادل، والمزاوجة بين نمطي الاقتراع باللائحة في المدن والاقتراع الفردي في البوادي، حتى لا تحرم الأعيان والوجهاء من حصتهم في مقاعد البلديات والجماعات القروية، لكن هذا كله لم ينفع في كبح تطلع الطبقة الوسطى إلى التغيير، التطلع الذي ترجم نفسه في تصويت سياسي كثيف، على حزب العدالة والتنمية في كبريات المدن. الهامش الكبير الذي كان للسلطة في تفصيل الخرائط الانتخابية على هواها لم يعد كذلك، وأن الدولة العميقة تفقد، شيئاً فشيئاً، السيطرة على المجتمع والتحكم فيه، عندما تبدأ السلطوية التفاوض مع قوى التغيير في المجتمع، وتضطر إلى التنازل، في كل مرة، للشعب ولصناديق الاقتراع، عن مكاسب جديدة، فمن عمق هذا الصراع تنشأ التقاليد الديمقراطية، وتكبر ثقافة التعاقد والتفاوض والاعتراف بالآخر، إلى حين دخول نادي الديمقراطيات الحديثة. يقول مثل إنجليزي: العادة تجعل كل شيء سهلاً.