وذكرت مصادر في "جيش العزة"، أبرز فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي لـ"العربي الجديد"، أنّ الاشتباكات تركزت أمس في الأطراف الغربية لبلدة كفرنبودة، إثر تقدّم مليشيات تابعة للنظام على هذا المحور، فيما وصلت الاشتباكات كذلك إلى داخل البلدة. وأكدت المصادر تدمير 3 دبابات وعربات عسكرية تابعة للنظام، إضافة إلى مقتل 20 عنصراً من المليشيات، وإصابة آخرين من قوات النظام، نافيةً الأنباء عن استعادة قوات الأسد للبلدة. ومهّد الطيران الحربي للمليشيات كي تتقدّم نحو كفرنبودة من خلال قصف "لم يهدأ فجر الأحد"، وفق ناشطين محليين.
من جهته، أكد "المرصد السوري"، أنّ الطائرات الحربية التابعة للنظام، نفّذت أكثر من 49 غارة جوية على كفرنبودة منذ فجر أمس الأحد، بالتزامن مع إلقاء الطيران المروحي أكثر من 62 برميلاً متفجراً، مشيراً إلى أنّ قوات النظام استهدفت بأكثر من 480 قذيفة وصاروخاً مناطق متفرقة من البلدة.
ومنذ أواخر الشهر الماضي، باتت المواجهات أشبه بحرب أخذ وردّ بين فصائل المعارضة السورية من جهة، وقوات النظام ومليشيات تساندها من جهة أخرى، إذ حقّقت الأخيرة تقدماً في بدايات شهر مايو/ أيار الحالي، وسيطرت على مناطق عدة هي: مدينة قلعة المضيق، بلدة كفرنبودة، قرية الجنابرة، تل هواش، قرى الجابرية، التوبة، الشيخ إدريس، الكركات، المستريحة، التوينة، الشريعة، باب الطاقة، الحويز والحمرا. ولكن المعارضة شنّت الأربعاء الماضي، هجوماً معاكساً شتت شمل قوات النظام في بلدة كفرنبودة وطردتها منها.
ومن الواضح أنّ النظام وحلفاءه مصرّون على استمرار التصعيد، في مسعى لتغيير خريطة السيطرة في ريف حماة الشمالي، فيما تؤكّد المعارضة السورية المسلحة أنها لن تقبل بأقل من استعادة كل ما خسرته خلال الشهر الحالي، من بلدات وقرى في ريفي حماة الشمالي وإدلب الغربي.
وفي السياق، قال قائد العمليات في "جيش العزة" العقيد مصطفى البكور، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الصراع بات مفتوحاً على الاحتمالات كلها"، مشيراً إلى أنّ مراكز الرصد التابعة للمعارضة التقطت رسائل صوتية متبادلة ومكالمات، تؤكد مشاركة "حزب الله" اللبناني في المعارك.
وتؤكّد عودة التصعيد في ريف حماة الشمالي انسداد آفاق التفاهم بين الجانبين الروسي والتركي لتبريد الجبهات، وتفعيل اتفاق سوتشي الذي كان من المفترض أن يجنّب شمال غربي سورية ويلات حرب جديدة.
وتدعو موسكو لوقف إطلاق النار في شمال غربي سورية، مقابل تثبيت حدود المنطقة وفق نقاط السيطرة الجديدة، ما يعني بقاء مدينة قلعة المضيق وبلدة كفرنبودة وقرى عديدة سيطرت عليها قوات النظام أخيراً، تحت سلطة الأخيرة. ولكن الطلب الروسي بتعديل الخرائط المتفق عليها سابقاً، وإبقاء المناطق الجديدة التي سيطر عليها النظام تحت سلطته، قوبل برفض شديد من أنقرة، التي تطالب بانسحاب قوات الأسد إلى النقاط المحددة، وفق اتفاق خفض التصعيد الموقّع قبل عامين.
وفي هذا الإطار، قال محمد رشيد المتحدث الإعلامي باسم "جيش النصر"، أبرز فصائل "الجبهة الوطنية للتحرير"، وهي أكبر تجمع للمعارضة السورية في شمال غربي سورية، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "قوات النظام بمساعدة روسية، خرقت كل الاتفاقات بتقدمها في ريف حماة الشمالي، والسيطرة على مناطق عدة كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة". وأكّد أنّ "تحرير هذه المناطق أولوية بالنسبة لنا، ولن ندخل في أي اتفاق ما لم تخرج قوات النظام من البلدات والقرى التي سيطرت عليها أخيراً".
وتعدّ بلدة كفرنبودة من المواقع الاستراتيجية في الصراع الدائر في ريف حماة الشمالي، "فهي مدخل لجبل شحشْبو، ومن يسيطر على هذا الجبل يستطع إسقاط منطقة سهل الغاب نارياً"، وفق قيادي في فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي. ولعلّ هذا ما يفسّر إصرار قوات النظام على استعادة السيطرة على البلدة، واستماتة فصائل المعارضة بالدفاع عنها.
إلى ذلك، نقلت وكالة "رويترز" عمن وصفتهما بـ"شخصيتين كبيرتين في المعارضة السورية"، تأكيدهما تزويد أنقرة فصائل المعارضة بأسلحة جديدة، لمساعدتها في صدّ هجوم قوات النظام المدعومة من روسيا جواً. وقالت الشخصيتان، وفق "رويترز"، إنّ أنقرة زادت الإمدادات العسكرية لمقاتلي المعارضة خلال الأيام القليلة الماضية، بعد إخفاقها في إقناع روسيا في اجتماعات مجموعة عمل مشتركة جرت في الآونة الأخيرة، بضرورة إنهاء التصعيد، لتفادي تدفق كبير للّاجئين إلى تركيا.
كما نقلت الوكالة عن "قائد كبير لمسلحي المعارضة" قوله إنّ تركيا تشير في قيامها بذلك، إلى اعتزامها الحفاظ على نفوذها في شمال غرب سورية، حيث عززت وجودها العسكري في 12 موقعاً أقامتها وفقاً لاتفاق خفض التصعيد الذي كانت أبرمته مع روسيا.
من جهته، اعتبر القيادي في "الجيش السوري الحر" مصطفى سيجري، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "على تركيا واجباً أخلاقياً وإنسانياً تجاه الشعب السوري، والجيش السوري الحر قبل بالضمانة التركية بما يخصّ اتفاق خفض التصعيد". وأشار سيجري إلى أنّ "تركيا تدرك مساعي روسيا الهادفة إلى إعادة إنتاج النظام، وتمكينه من السيطرة على مدينة إدلب عسكرياً"، مضيفاً: "تركيا بذلت جهوداً للحيلولة دون الوصول إلى طريق مسدود في المباحثات الجارية مع الروس، إلا أن هذه المباحثات لم تؤدِ إلى اتفاق". وأكد سيجري أنّ "الصراع بات بالفعل مفتوح على كل الاحتمالات وبتنا أمام مرحلة جديدة، والجيش السوري الحرّ بجميع فصائله يعدّ العدة للسيناريوهات الأسوأ".
وكانت فصائل المعارضة السورية المسلحة وضعت ثقلها العسكري في المعركة بشمال غربي سورية، ونقلت عدداً كبيراً من مقاتليها من ريف حلب الشمالي إلى ريف حماة الشمالي، لصدّ قوات النظام التي تزجّ بمليشيات عديدة في المعركة، أبرزها "الفيلق الخامس اقتحام" الذي يضمّ عناصر من مناطق "المصالحات"، ويشرف عليه ضباط روس. وكانت وزارة الدفاع الروسية أعلنت منذ أيام فتح معبرين لخروج المدنيين من محافظة إدلب، ما يؤكد نيّة موسكو إخضاع شمال غربي سورية لقوات النظام.