19 نوفمبر 2024
عودة داعش.. متى وكيف؟
منذ أطل زعيم ما يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أبو بكر البغدادي، في يونيو/ حزيران 2014 من مسجد النوري في الموصل، ليعلن قيام "دولة الخلافة"، دولة العراق والشام الإسلامية، والجدل حول هذا التنظيم لا ينقطع، ليس لكونه الحركة الجهادية الأولى التي يعرفها العالم، وليس لأنه تمكّن من احتلال مساحات شاسعة من العراق وسورية، ولكن لأنه أعلن عن شكلٍ جديد لم تألفه الحركات الجهادية السابقة، من خلال إعلان "دولة الخلافة"، وهو المصطلح الذي له ما له في أدبيات إسلاميين على مختلف توجهاتهم الفكرية.
ومثلما سجل صيف 2014 ولادة دولة الخلافة، فإن ربيع 2019 سيسجل، على ما يبدو، نهاية المغامرة والقصة التي بدأها البغدادي ورفاقه قبل نحو خمسة أعوام، ففي بلدة الباغوز السورية في دير الزور شرقاً، لا تزال مجموعة من مقاتلي التنظيم متحصنة هناك، بعد أن تقلصت مساحة الأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم، لتنحصر في آخر جيب لهم، ولا يبدو أنه سيقاوم طويلاً في ظل الحصار الذي تفرضه قوات سورية الديمقراطية (قسد) المدعومة أميركياً. وعلى الرغم من أن إعلان نهاية "دولة الخلافة" التي أطلقها البغدادي، لم يتم، ولم يحسم بعد، طالما أن هناك وجودا لمقاتلي التنظيم على بقعة من الأرض، إلا أن الحديث عن عودة التنظيم باتت حاضرة في كل نقاش وجلسة، وبين ثنايا كتابات متابعين ومهتمين عديدين. ولا يبدو أن هناك خلافاً حول إمكانية عودة التنظيم، ولكن الخلاف هو كيف ومتى سيعود، فهذا
رئيس وزراء العراق الأسبق، إياد علاوي، يقول أمام منتدى أربيل السنوي حول الأمن والسيادة في الشرق الأوسط، إن الأوضاع في المنطقة تشجع على الإرهاب، وليس على محاربته، وإن العراق أصبح مرتعاً للقوى الإقليمية والدولية التي تعيث فيه كما تشاء، وإن هناك بطالة مقنعة، وأخرى واضحة، بسبب سوء الإدارة الاقتصادية والفساد في العراق.
الظلم والإقصاء والتهميش والفساد وسوء الإدارة وغياب الدولة القادرة على فرض سلطتها، ناهيك عن تحول هذه الدولة إلى جزء من المشكلة، كلها أسبابٌ أسهمت في ظهور التنظيم المتشدّد في العراق، والذي، إن شئنا الدقة، ما هو الا امتداد فكري لتنظيم القاعدة في العراق الذي ظهر عقب الغزو الأميركي عام 2003، نجح في السيطرة على عدة مناطق ومدن، منها محافظة الأنبار غرب العراق.
ما بين عامي 2006 و2007، وبعد الضربات الموجعة للمقاومة العراقية التي وجهتها للقوات الأميركية المحتلة، لجأت واشنطن لتعزيز وجودها في العراق، من خلال زيادة عدد قواتها، لتصل إلى نحو 170 ألف جندي، وأيضاً بدأت تستميل عشائر غرب العراق وشماله الذين تضرّروا من سياسات تنظيم القاعدة، فشكلت الصحوات العشائرية التي نجحت في طرد تنظيم القاعدة، قبل أن يعاود الظهور مع تفجر الثورة السورية، حيث وجد له موطئاً خصباً، ثم عودته إلى العراق بعد أحداث 2013 و2014، عندما عمد رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، لمهاجمة ساحات الاعتصام في المحافظات الست المنتفضة، ما أشعل ثورة غضب شعبية استغلها "داعش".
عقب طرد تنظيم القاعدة من مدن الأنبار عام 2007، لجأ مقاتلوه إلى الصحراء. كان يمكن أن ينتهي ذكرهم، لو أن حكومة بغداد تعاملت بمهنية واحترام، وبعقلية الدولة مع سكان المناطق التي كان تنظيم القاعدة يتواجد فيها، غير أن ما جرى كان عكس ذلك، وهو ما سهل على التنظيم أن يجد مقاتلين ومؤمنين بأفكاره كثيرين.
اليوم، لا يبدو أن أحوالاً كثيرة قد تغيرت؛ فعلى الرغم من اعتراف أغلب صناع القرار في العراق بأن تنظيم داعش وفكره لا يُحاربان فقط بالقوة العسكرية، إلا أن ما تلمسه من ترجمةٍ لتلك الأفكار على الأرض يكاد يكون منعدماً، ولك في الموصل عبرة، فعلى الرغم من مضي أكثر من عامين على تحرير المدينة من قبضة التنظيم، إلا أن واقع الحال هناك يشي بصور كثيرة تؤكد أن لا جدية كبيرة لدى سلطة بغداد في معالجة الأسباب التي أدت ذات صيف إلى سقوط المدينة بيد التنظيم.
الظلم والإقصاء والتهميش والفساد وسوء الإدارة وغياب الدولة القادرة على فرض سلطتها، ناهيك عن تحول هذه الدولة إلى جزء من المشكلة، كلها أسبابٌ أسهمت في ظهور التنظيم المتشدّد في العراق، والذي، إن شئنا الدقة، ما هو الا امتداد فكري لتنظيم القاعدة في العراق الذي ظهر عقب الغزو الأميركي عام 2003، نجح في السيطرة على عدة مناطق ومدن، منها محافظة الأنبار غرب العراق.
ما بين عامي 2006 و2007، وبعد الضربات الموجعة للمقاومة العراقية التي وجهتها للقوات الأميركية المحتلة، لجأت واشنطن لتعزيز وجودها في العراق، من خلال زيادة عدد قواتها، لتصل إلى نحو 170 ألف جندي، وأيضاً بدأت تستميل عشائر غرب العراق وشماله الذين تضرّروا من سياسات تنظيم القاعدة، فشكلت الصحوات العشائرية التي نجحت في طرد تنظيم القاعدة، قبل أن يعاود الظهور مع تفجر الثورة السورية، حيث وجد له موطئاً خصباً، ثم عودته إلى العراق بعد أحداث 2013 و2014، عندما عمد رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، لمهاجمة ساحات الاعتصام في المحافظات الست المنتفضة، ما أشعل ثورة غضب شعبية استغلها "داعش".
عقب طرد تنظيم القاعدة من مدن الأنبار عام 2007، لجأ مقاتلوه إلى الصحراء. كان يمكن أن ينتهي ذكرهم، لو أن حكومة بغداد تعاملت بمهنية واحترام، وبعقلية الدولة مع سكان المناطق التي كان تنظيم القاعدة يتواجد فيها، غير أن ما جرى كان عكس ذلك، وهو ما سهل على التنظيم أن يجد مقاتلين ومؤمنين بأفكاره كثيرين.
اليوم، لا يبدو أن أحوالاً كثيرة قد تغيرت؛ فعلى الرغم من اعتراف أغلب صناع القرار في العراق بأن تنظيم داعش وفكره لا يُحاربان فقط بالقوة العسكرية، إلا أن ما تلمسه من ترجمةٍ لتلك الأفكار على الأرض يكاد يكون منعدماً، ولك في الموصل عبرة، فعلى الرغم من مضي أكثر من عامين على تحرير المدينة من قبضة التنظيم، إلا أن واقع الحال هناك يشي بصور كثيرة تؤكد أن لا جدية كبيرة لدى سلطة بغداد في معالجة الأسباب التي أدت ذات صيف إلى سقوط المدينة بيد التنظيم.
تعيش الموصل اليوم واقعاً مأساوياً، فما زال الجانب الأيمن منهـا الذي تعرّض لأعنف عملية قصف في أثناء المعارك مع التنظيم، يعيش واقعاً أقلّ ما يقال عنه إنه مؤلم، فالصور الآتية من هناك تؤكد أن المدينة تعيش تحت ركام أنقاضها، بل أن جثث كثيرين من أبنائها ما زالت تحت الركام، وكل ما تشاهده من عملية لإعادة إعمار ما دمرته وخربته سنوات الموت، إنما كان
يجري، في أغلبه، بمبادرات فردية أو مؤسسية من هنا وهناك، في وقتٍ تغيب فيه الدولة التي استكثرت حتى تخصيص مبلغٍ يوازي حجم دمار ثاني مدن العراق في موازنة 2019.
اليوم، لا يبدو أننا بعيدون عن تكرار ذاك السيناريو الذي جاء بـ"داعش" عام 2014.
فالعراق الذي يُفترض أنه دولة ديمقراطية، ما زال يدور في فلك المصالح الإقليمية والحزبية الضيقة، ولم تنجح كل محاولات تشكيل حكومة وطنية قادرة على استيعاب الجميع. يكفي أن نعلم أنه قد مضت خمسة أشهر على تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، وما زالت أربع وزارات شاغرة، بينها وزارتا الداخلية والدفاع، والسبب هو تنافس الفرقاء السياسيين.
نعم سيعود "داعش" الذي لم ينته أصلاً مع وجود ما بين 20 و30 ألف مقاتل بين العراق وسورية، ولكن لن يعود بالفكرة نفسها التي انبثق منها، وهي دولة الخلافة، وإنما سيلجأ إلى تكتيكات "القاعدة"، أي زرع عبوات ناسفة وتنفيذ اغتيالات وتفجيرات، وخصوصاً أن صحراء الأنبار وجبال حمرين ومناطق محيط الموصل، ما زالت تشهد، بين وقت وآخر، عمليات لمسلحي التنظيم. ما سيسهل عودة "داعش" استمرار تلاقي مصالح الأطراف الإقليمية والدولية، وحتى المحلية، المختلفة، على وجود مُهددٍ يسمح للجميع أن يرسّخ حضوره بطريقة أكبر وأوسع.
اليوم، لا يبدو أننا بعيدون عن تكرار ذاك السيناريو الذي جاء بـ"داعش" عام 2014.
فالعراق الذي يُفترض أنه دولة ديمقراطية، ما زال يدور في فلك المصالح الإقليمية والحزبية الضيقة، ولم تنجح كل محاولات تشكيل حكومة وطنية قادرة على استيعاب الجميع. يكفي أن نعلم أنه قد مضت خمسة أشهر على تشكيل حكومة عادل عبد المهدي، وما زالت أربع وزارات شاغرة، بينها وزارتا الداخلية والدفاع، والسبب هو تنافس الفرقاء السياسيين.
نعم سيعود "داعش" الذي لم ينته أصلاً مع وجود ما بين 20 و30 ألف مقاتل بين العراق وسورية، ولكن لن يعود بالفكرة نفسها التي انبثق منها، وهي دولة الخلافة، وإنما سيلجأ إلى تكتيكات "القاعدة"، أي زرع عبوات ناسفة وتنفيذ اغتيالات وتفجيرات، وخصوصاً أن صحراء الأنبار وجبال حمرين ومناطق محيط الموصل، ما زالت تشهد، بين وقت وآخر، عمليات لمسلحي التنظيم. ما سيسهل عودة "داعش" استمرار تلاقي مصالح الأطراف الإقليمية والدولية، وحتى المحلية، المختلفة، على وجود مُهددٍ يسمح للجميع أن يرسّخ حضوره بطريقة أكبر وأوسع.