05 أكتوبر 2024
عون ـ جعجع... ورقصة الفالس
الحرب الأهلية اللبنانية (1975 ـ 1990) لا تنتهي. لا يُمكن أن تزول، لا من الذاكرة ولا من يومياتنا الصغيرة. تجدها في الحكايات الليلية، أو الصور المعلّقة على جدران المنازل، أو في الأغاني الصادحة في بعض الزوايا. تراها في القصص المأساوية الحزينة لشباب وعائلات. ربما يعود ذلك لصغر الجغرافيا اللبنانية (10452 كيلومتراً مربّعاً)، أو للتكدّس السكاني الكبير في تلك الجغرافيا، أو لبقاء أمراء الحرب لاعبين أساسيين في السلم. كلها مسبباتٌ لذاكرةٍ لا تموت، وإنْ حاولنا قتلها ببرودةٍ غرائزية، عبر أجيال وُلدت بعد تلك الحرب. لكل يوم من أيام حرب السنوات الـ15 خصوصية أو قصة أو ذكرى، لكنها تُجمع على السقوط العبثي لضحايا، لم يختر معظمهم الموت، كما تخضع لتغييرات سياسية، تناقض الأسباب التي وقعت بسببها الحرب وما تلاها من إفرازات.
هنا، تبرز القصة التي صاحبها ضجيج إعلامي قلّ نظيره، لارتباطه بنهاية القوة السياسية لطائفة لبنانية في البلاد، وللانتحار الذاتي التي عرفته، وللنهاية التعيسة لأبطالها. قصة يدركها جيداً جزء كبير من قاطني مناطق شرق بيروت في العام 1990، يوم وقعت الحرب بين الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون (النائب الحالي ورئيس تكتل التغيير والاصلاح النيابي)، والقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع. قصة انتهت إلى نفي عون 14 عاماً (1991 ـ 2005)، وسجن جعجع 11 عاماً (1994 ـ 2005).
26 عاماً بعد هذه الحرب، يعود بطلاها إلى الواجهة. معاً هذه المرة. جعجع يرشّح عون للرئاسة. اتفقا بعد كل هذه المعارك. بالطبع، هناك أسباب وموجبات لهذا التحالف، لكنه لا يُقرأ سوى من زاويتين. الأولى أن الصدام بينهما كان سينتهي في يوم من الأيام، كحتمية تاريخية أبرَزَتَها سوابق أخرى في بلدان عدة. ربما ظنّ أكثر المعنيين بهما، مباشرة أو غير مباشرة، أن "الحتمية" مرتبطة بمسألة غير اختيارية، كحالة وفاة مثلاً، بعد فشل كل المحاولات السابقة للتقارب بينهما. الزاوية الثانية، متعلقة بالشقّ الاجتماعي، فقواعد عون وجعجع متداخلتان إلى حدّ كبير، في أماكن السكن والعمل والجامعات والمدارس، ما يعني "إنهاء الحرب الباردة" بين قواعدهما، وإن استلزم الأمر بعض الوقت.
الآن، يستعدّ عون وجعجع للانتقال للمرحلة الثانية من تحالفهما، سيكون فيها جعجع منتصراً على المدى البعيد، وهو الذي يبدو أقرب إلى شخصٍ حالم، وفق ما تفيد محاضرات حصار دير القمر (منطقة الشوف، غرب بيروت) 1983. تلك المرحلة سينتصر فيها عون أيضاً، الأقرب إلى اعتماد الواقعية السياسية، على المدى القريب.
الأدهى في ذلك كله أن منطقاً طبقياً جديداً يفرض نفسه في تاريخ لبنان، فهي المرة الأولى التي يقرّر فيها "فلاحان" مساراً رئاسياً، في سابقة تجاوزت "العائلات البرجوازية" أو "الإقطاعية" التي أنتجت ما تدعى "المارونية السياسية"، بعد استقلال لبنان (1943)، وقبل نشوب الحرب الأهلية. الفلاحان، عون وجعجع، وإن باتا أقرب إلى البرجوازيين في يومياتهما، بعد صعودهما من أسفل الطبقات الاجتماعية، منعا سابقاً في سبتمبر/أيلول 1988، فرض أي مرشح رئاسي غير موافقين عليه، وعطّلا النصاب النيابي لانتخاب رئيس.
حالياً، بمَ يُفكّر جعجع؟ قد لا يُفكّر بأكثر من "مهمة" تأمين أصوات انتخابية لعون، لكنه فعلياً لا يزال مؤمناً بتعاليم الكاهن الفرنسي اليسوعي بيار دي شاردان (1881 ـ 1955)، الذي يختصر المسار التاريخي التطوري للبشرية بـ"التصاعد"، والاقتراب من نقطة "أوميغا". وهو أمر يظهر في أدبيات جعجع، حين يتحدث عن "التاريخ". أما عون فلا يُفكّر سوى بـ"الثأر" مما خسره، يوم أُطيح في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990 من قصر بعبدا، حين كان رئيساً للحكومة الانتقالية. أنهى عون وجعجع رقصة التانغو الدموية بينهما، لينتقلا إلى الفالس، قبل الانتصار معاً أو الخسارة معاً.
هنا، تبرز القصة التي صاحبها ضجيج إعلامي قلّ نظيره، لارتباطه بنهاية القوة السياسية لطائفة لبنانية في البلاد، وللانتحار الذاتي التي عرفته، وللنهاية التعيسة لأبطالها. قصة يدركها جيداً جزء كبير من قاطني مناطق شرق بيروت في العام 1990، يوم وقعت الحرب بين الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون (النائب الحالي ورئيس تكتل التغيير والاصلاح النيابي)، والقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع. قصة انتهت إلى نفي عون 14 عاماً (1991 ـ 2005)، وسجن جعجع 11 عاماً (1994 ـ 2005).
26 عاماً بعد هذه الحرب، يعود بطلاها إلى الواجهة. معاً هذه المرة. جعجع يرشّح عون للرئاسة. اتفقا بعد كل هذه المعارك. بالطبع، هناك أسباب وموجبات لهذا التحالف، لكنه لا يُقرأ سوى من زاويتين. الأولى أن الصدام بينهما كان سينتهي في يوم من الأيام، كحتمية تاريخية أبرَزَتَها سوابق أخرى في بلدان عدة. ربما ظنّ أكثر المعنيين بهما، مباشرة أو غير مباشرة، أن "الحتمية" مرتبطة بمسألة غير اختيارية، كحالة وفاة مثلاً، بعد فشل كل المحاولات السابقة للتقارب بينهما. الزاوية الثانية، متعلقة بالشقّ الاجتماعي، فقواعد عون وجعجع متداخلتان إلى حدّ كبير، في أماكن السكن والعمل والجامعات والمدارس، ما يعني "إنهاء الحرب الباردة" بين قواعدهما، وإن استلزم الأمر بعض الوقت.
الآن، يستعدّ عون وجعجع للانتقال للمرحلة الثانية من تحالفهما، سيكون فيها جعجع منتصراً على المدى البعيد، وهو الذي يبدو أقرب إلى شخصٍ حالم، وفق ما تفيد محاضرات حصار دير القمر (منطقة الشوف، غرب بيروت) 1983. تلك المرحلة سينتصر فيها عون أيضاً، الأقرب إلى اعتماد الواقعية السياسية، على المدى القريب.
الأدهى في ذلك كله أن منطقاً طبقياً جديداً يفرض نفسه في تاريخ لبنان، فهي المرة الأولى التي يقرّر فيها "فلاحان" مساراً رئاسياً، في سابقة تجاوزت "العائلات البرجوازية" أو "الإقطاعية" التي أنتجت ما تدعى "المارونية السياسية"، بعد استقلال لبنان (1943)، وقبل نشوب الحرب الأهلية. الفلاحان، عون وجعجع، وإن باتا أقرب إلى البرجوازيين في يومياتهما، بعد صعودهما من أسفل الطبقات الاجتماعية، منعا سابقاً في سبتمبر/أيلول 1988، فرض أي مرشح رئاسي غير موافقين عليه، وعطّلا النصاب النيابي لانتخاب رئيس.
حالياً، بمَ يُفكّر جعجع؟ قد لا يُفكّر بأكثر من "مهمة" تأمين أصوات انتخابية لعون، لكنه فعلياً لا يزال مؤمناً بتعاليم الكاهن الفرنسي اليسوعي بيار دي شاردان (1881 ـ 1955)، الذي يختصر المسار التاريخي التطوري للبشرية بـ"التصاعد"، والاقتراب من نقطة "أوميغا". وهو أمر يظهر في أدبيات جعجع، حين يتحدث عن "التاريخ". أما عون فلا يُفكّر سوى بـ"الثأر" مما خسره، يوم أُطيح في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990 من قصر بعبدا، حين كان رئيساً للحكومة الانتقالية. أنهى عون وجعجع رقصة التانغو الدموية بينهما، لينتقلا إلى الفالس، قبل الانتصار معاً أو الخسارة معاً.