نتأمل في مجامعنا العيدية هذه الأعوام، فنرى تغيرًا فيها عن أعياد سنين ألفناها. ففي كل أسرة هناك المأسور والمفقود والمقتول والملاحق والمهاجر، وهذا ما لم يكن معتادًا بهذه الكثافة من قبل، فقد حصل التغيير ولا شك في ذلك، بل ثمرة هذا التغيير جمرة في صدر كل فرد منا، جذوة تُلهبها ذكريات وتضحيات ومشاهد لن تنطفئ من أفئدتنا ما حيينا.
الطغاة يعدون العدة ليقهروا الشعوب، ويلغوا وجودها في مهدها الجديد، فلا يقبلون وجودًا غير وجودهم، فهم الذين رأوا في أنفسهم آلهة تعبد، فوجود الشعوب من وجود الطغاة حتى تكون تبعًا لهم تنطق بما يقولون، وما الوجود إلا كلمة. وإن كلمة الوجود اليوم في وجدان الشعوب، لا في أيادي الطغاة، وإن يقهروا كل حواسنا فلن يقهروا أفئدتنا وبصائرنا وأرواحنا، فلا سلطان لهم عليها.
لقد تعلّم الشباب اليوم ما لم يكن على باله أن يتعلمه في يوم ما. أصبحت تلك الأفكار التي كان يتجاوز صفحاتها في الكتب لعدم أهميتها هي واقعه اليوم الذي يعيشه. وتدور في منتديات الشباب نقاشات حول كيف تقوم الدول وتُبنى وكيف تُهدم وتندثر.
الطغاة يعدون العدة ليقهروا الشعوب، ويلغوا وجودها في مهدها الجديد، فلا يقبلون وجودًا غير وجودهم، فهم الذين رأوا في أنفسهم آلهة تعبد، فوجود الشعوب من وجود الطغاة حتى تكون تبعًا لهم تنطق بما يقولون، وما الوجود إلا كلمة. وإن كلمة الوجود اليوم في وجدان الشعوب، لا في أيادي الطغاة، وإن يقهروا كل حواسنا فلن يقهروا أفئدتنا وبصائرنا وأرواحنا، فلا سلطان لهم عليها.
لقد تعلّم الشباب اليوم ما لم يكن على باله أن يتعلمه في يوم ما. أصبحت تلك الأفكار التي كان يتجاوز صفحاتها في الكتب لعدم أهميتها هي واقعه اليوم الذي يعيشه. وتدور في منتديات الشباب نقاشات حول كيف تقوم الدول وتُبنى وكيف تُهدم وتندثر.
وتطور الحديث في الأفكار السياسية، وصار أعمق بكثير مما كان يتخيله أغلب الذين تحدثوا عن الديمقراطية وإشكالياتها قبل ثورات التغيير.
تحول الجمود الذي يخيم على كل شيء في واقعنا العربي، من رتابة الأحداث السياسية، والملل في نشرات الأخبار، وانحطاط الفن على كافة مستوياته، والتقليدية المقيتة في الصروح التعليمية، والسجالات التي يخوضها المثقفون خارج الزمان والمكان، ما عدا فئة كانت ترعى جذوة الأمل في النفوس كأنها ابنة لهم، فآثرها الله لتكون محط الأنظار من كل صوب وفي كل منبر، ورؤاهم محل الانطلاق لمواجهتها أو مسايرتها.
إن كانت تلك الفئة التي ظلت متماسكة ومؤمنة بالتغيير في زمن الجمود والمستحيل قد خالفت قواعد القانطين وحطمت أصنامهم وغيرت ما لم يكن يخطر على بال أحد؛ فإننا اليوم أمام مجتمعات بأكملها قد انصهر في وجدانها كل دوافع التغيير وستقوم به رغم كل الولادات المتعسرة.
المجتمعات اليوم تعيد تشكيل نفسها، وعلاقات ترابطها تختلف عن سابقها، وتتشكل عصبيتها على ما يحدث الأرض وليس الإرث القديم الجامد، فصار الإرث تابعًا للواقع وليس العكس، وبزغ وجدان جديد لم يكن العرب يعرفونه من قبل، يصنعونه بأنفسهم، ولم يُصنع لهم من الزعماء والرؤساء أصحاب الشعارات الجوفاء، فأصبح كل فرد يرى نفسه فاعلًا يستطيع التغيير، وهي لحظة تحرر حقيقية لم يكن يحلم بها أكثر المتفائلين.
نعم، لقد ظن العرب أن طغاتهم أرفق بهم من كل طغاة العالم والتاريخ، وأن المجتمعات ستتجاوز عقباتها كما لم يشهد مجتمع من قبل، ولكنّ الطغاة أبوا إلا أن يكون التغيير معركة صفرية لا تقبل القسمة على اثنين. وهم يسجلون في ذاكرتنا مشاهد نراها رأي العين قد حكانا الله عنها في القرآن، حتى رأى الثائر من نفسه عذابًا على الظالمين والذين سكنوا مساكنهم.
شهادة الوفاة لم تكتب بعد، فالأمل شعلة الحياة في جوف كل فرد، فلم يعد حديثًا مترفًا، بل هو الذي يصنع وجود الشعوب اليوم، فالذين جعلوا من وجودهم إلغاء وجود هذه الشعوب، جعل من الشعوب لا ترى وجودها إلا في سقوط كل الأصنام المستكبرة في الأرض، وهو ما يبقيها على قيد الحياة حتى اليوم. أما شهادة الوفاة فسنكتبها على رفات الطغاة.
هكذا الأعياد، تعيد ترميم مشاعرنا، وتُشير نحو أسباب الحياة، فهي تمدنا بإرادة جديدة، وتنهض بعزائمنا نحو أفق حدد مساره الطغاة قبل أن تحدده الشعوب، وإن دمعة يسكبها مكلوم في يوم عيد المسلمين، ستكون لعنة ونارا على قصورهم إلى يوم الدين.
(السعودية)
تحول الجمود الذي يخيم على كل شيء في واقعنا العربي، من رتابة الأحداث السياسية، والملل في نشرات الأخبار، وانحطاط الفن على كافة مستوياته، والتقليدية المقيتة في الصروح التعليمية، والسجالات التي يخوضها المثقفون خارج الزمان والمكان، ما عدا فئة كانت ترعى جذوة الأمل في النفوس كأنها ابنة لهم، فآثرها الله لتكون محط الأنظار من كل صوب وفي كل منبر، ورؤاهم محل الانطلاق لمواجهتها أو مسايرتها.
إن كانت تلك الفئة التي ظلت متماسكة ومؤمنة بالتغيير في زمن الجمود والمستحيل قد خالفت قواعد القانطين وحطمت أصنامهم وغيرت ما لم يكن يخطر على بال أحد؛ فإننا اليوم أمام مجتمعات بأكملها قد انصهر في وجدانها كل دوافع التغيير وستقوم به رغم كل الولادات المتعسرة.
المجتمعات اليوم تعيد تشكيل نفسها، وعلاقات ترابطها تختلف عن سابقها، وتتشكل عصبيتها على ما يحدث الأرض وليس الإرث القديم الجامد، فصار الإرث تابعًا للواقع وليس العكس، وبزغ وجدان جديد لم يكن العرب يعرفونه من قبل، يصنعونه بأنفسهم، ولم يُصنع لهم من الزعماء والرؤساء أصحاب الشعارات الجوفاء، فأصبح كل فرد يرى نفسه فاعلًا يستطيع التغيير، وهي لحظة تحرر حقيقية لم يكن يحلم بها أكثر المتفائلين.
نعم، لقد ظن العرب أن طغاتهم أرفق بهم من كل طغاة العالم والتاريخ، وأن المجتمعات ستتجاوز عقباتها كما لم يشهد مجتمع من قبل، ولكنّ الطغاة أبوا إلا أن يكون التغيير معركة صفرية لا تقبل القسمة على اثنين. وهم يسجلون في ذاكرتنا مشاهد نراها رأي العين قد حكانا الله عنها في القرآن، حتى رأى الثائر من نفسه عذابًا على الظالمين والذين سكنوا مساكنهم.
شهادة الوفاة لم تكتب بعد، فالأمل شعلة الحياة في جوف كل فرد، فلم يعد حديثًا مترفًا، بل هو الذي يصنع وجود الشعوب اليوم، فالذين جعلوا من وجودهم إلغاء وجود هذه الشعوب، جعل من الشعوب لا ترى وجودها إلا في سقوط كل الأصنام المستكبرة في الأرض، وهو ما يبقيها على قيد الحياة حتى اليوم. أما شهادة الوفاة فسنكتبها على رفات الطغاة.
هكذا الأعياد، تعيد ترميم مشاعرنا، وتُشير نحو أسباب الحياة، فهي تمدنا بإرادة جديدة، وتنهض بعزائمنا نحو أفق حدد مساره الطغاة قبل أن تحدده الشعوب، وإن دمعة يسكبها مكلوم في يوم عيد المسلمين، ستكون لعنة ونارا على قصورهم إلى يوم الدين.
(السعودية)