كذلك تأتي هذه الدعوة في سياق إحراج تركيا، وتنصُّل المجتمع الدولي، وكأنه متأكد من أن المدينة ستسقط، إضافة إلى استجداء أنقرة بما يراه البعض الحد الأدنى المطلوب، المتمثل بتسليح اللاجئين بعد محاولات فاشلة لإقناعها بالدخول في التحالف بشكل مباشر، واستمرار الأخيرة بالتعنت في موقفها من عين العرب والتدخل المشروط في سورية، إذ وصف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، دعوة دي مستورا إلى السماح للأكراد السوريين بالعودة إلى عين العرب لمواجهة التنظيم، بأنها "غير مسؤولة وغير إنسانية"، موضحاً أن هؤلاء اللاجئين "مدنيون فروا من الحرب ولا يمكن إعادتهم إليها ولا يمكن لتركيا أن تعطيهم السلاح"، مشيراً إلى أن الضربات الجوية فشلت في وقف "الدولة الاسلامية" وأنه ينبغي وضع استراتيجية أوسع عبر المنطقة.
ويظهر من كلام جاويش أوغلو أن تركيا تدرك جيداً تخبط المجتمع الدولي، ولا ترغب في الانجرار للمجهول، وتكتفي بالجمود العسكري على الرغم من أن تنظيم "الدولة" لا يبعد سوى مئات الأمتار عن حدودها، مقابل نشاط سياسي تسعى من خلاله إلى استغلال هذا العجز الدولي في فرض تدخلها المشروط بالمنطقة العازلة، وإطاحة النظام السوري، والتضييق على حزب العمال الكردستاني.
وتأتي سياسة الائتلاف الوطني السوري مؤيدةً للسياسة التركية، إذ اعتبر الناطق الرسمي باسم الائتلاف الوطني السوري، سالم المسلط، عدم استجابة تركيا لطلب المبعوث الأممي بتسليح المتطوعين من اللاجئين وإرسالهم للقتال ضد "داعش"، بمثابة "تصرف واقعي ومبرر"، لافتاً إلى أنه "من غير المنطقي زج المدنيين بالصراع المسلح بشكل مفاجئ ومن دون تدريب مسبق، في الوقت الذي تتجاهل فيه القوى الدولية دعم الجيش السوري الحر كقوة عسكرية مستعدة من الناحية التدريبية لطرد داعش من المناطق التي يسيطر عليها".
وفي ترجمة لكلام المسلط، فإن "الجيش الحر" هو الوحيد الذي أثبت قدرته على طرد "داعش" مما يزيد عن 14 منطقة سورية خلال أيام معدودة، في حين لم يتمكن التحالف حتى الآن من تحقيق حتى جزء بسيط مما حققه "الحر"، بل على العكس تماماً، إنّ ما تشهده عين العرب (كوباني) من تراجع عسكري وميداني، حصل في ظلّ تحالف 40 دولة أو ربما ضد "داعش".
كل ذلك يظهر أن استراتيجية "المجتمع الدولي" لمواجهة خطر "داعش" لا تزال قاصرة إلى حد بعيد عن تحقيق هدفها، وأنها خطة غير متكاملة لمكافحة "الإرهاب" في المنطقة، إذ يرى كثيرون، ومن بينهم أنقرة، أن التغاضي عن نظام الرئيس بشار الأسد، والإبطاء في عملية تسليح "الحر"، على الرغم من صدور القرار الأميركي بذلك، هو السبب الرئيسي لتقدم تنظيم "الدولة"، وهو ما يحاول المجتمع الدولي تحميل مسؤوليته المعنوية إلى تركيا، وفاتورته البشرية للأكراد، كونهم الطرف المختار دولياً لمواجهة تنظيم "الدولة" في سورية، كما في العراق، حيث يظهر أن الأميركيين سيحاربون تنظيم "الدولة" حتى آخر جندي كردي.