أدرك صادق جلال العظم أنّ الأفكار النظرية المجرّدة، من دون وجود عيون سياسية أخلاقية لها، قابلة لأن تصبح سنداً ممتازاً للقتل والفتك والإقصاء؛ فعمل على جعل الفلسفة وسيلة وأداة تطبيقيّة لفهم الصالح العام؛ فكان تسييس الفكر وأخْلَقة السياسة من سمات عمله الأساسية.
أسعفته طاقته السياسية، وضميره الأخلاقي، وتمكَّن عبر مختلف مراحل مسيرته الفكريَّة، من أن يختار الموقف السياسي والأخلاقي الصحيح في القضايا السياسية والفكرية الإشكالية. دافع عن سلمان رشدي في وجه فتوى الخميني. ولم يساند في مسيرته أيّ نظام استبدادي، وبقي مُخلصاً لمفهوم الحرية.
أعطى العظم موقفاً صريحاً وواضحاً من الانتفاضات والثورات العربية، والثورة السورية على الخصوص منذ بداياتها، من دون اشتراط أو تلعثم أو "تنوير" فوقي. لا ادّعاءات نخبويَّة، ولا خوف من "الرعاع"، ولا تأصيل لمسألة التخلف في بنية المجتمعات وذهنيّاتها وعقولها، بل ربطها بشكل وثيق بممارسات الأجهزة السياسية الحاكمة في النظم العربية ما بعد الاستقلال، ولا تقسيم للمجتمع إلى "عامّة" و"نخبة"، كما اعتاد قسم لا بأس به من مثقّفي جيله على الفعل، جيل "الحداثة" و"التنوير".
يرحل عنا صاحب "في الحب والحب العذري"، تاركاً وراءه كتباً تستحق أن تقرأ. يرحل ولم يشهد تحقّق حلم الحرية والكرامة في بلده سورية.