لم تحسم الآراء حول إعادة طباعة المصحف وفق الرسم الكتابي المتوافق عليه عند جميع الناطقين بالعربية، وعلاقة الرسم في تنويعات كتاباته بالدلالة، ومواضيع أخرى تناولها أستاذ اللغة العربية والمحقّق العراقي غانم قدوري الحمد في محاضرته التي نظّمها "معهد المخطوطات العربية" على قناته على يوتيوب الخميس الفائت.
يعود الباحث إلى المصاحف التي نُسخت في القرون الهجرية الأربع الأولى لأهميتها كموضوع للدراسة جذب إليه المستشرقين منذ مئات السنين، بينما لا تزال دراستها في بداياتها في العالم العربي من خلال جهود بعض المؤسسات التي فهرست ما يقارب عشرة آلاف مصحف من أصل مئتي ألف نظراً لصعوبة الوصول إليها في المكتبات العالمية قبل أن تبدأ في عرض محتواها رقمياً.
ويشير لحمد إلى الجدل المستمر حول اعتماد هذه المصاحف المنسوخة بالخط الكوفي لطباعة المصحف في زمننا المعاصر، موضحاً أنها قد لا تكون مرجعاً لكنها مفيدة في اختيار الرسم المناسب، أو مراجعة بعض الرسوم، أو في فهم بعضها الآخر.
ويبيّن الباحث العراقي أن كل مصحف يحتوي خمسة عناصر، ما عدا القديمة منها ثلاثة أو أربعة فقط، هي: الرسم، والضبط، والعد والتحزيب، والوقف وعلامات الوقف، والقراءات، ويرتبط بكل عنصر علم أو أكثر من علوم القرآن يقوم عليه، حيث يركّز في محاضرته على الظواهر الكتابية المتعلقة بالرسم، لافتاً إنه من أقدم العلوم التي كتب فيها العديد من العلماء منذ القرن الثاني الهجري والتي تسمّت بالتهجئة أو الهجاء.
الرسم يبوّب إلى خمس ظواهر، بحسب المحاضر، الذي يوضّح كيف تناول الدارسون لها الحذف والزيادة الإبدال ووصل الكلمات وفصلها، والهمزة، في مؤلّفاتهم التي اعتنت بكل ما يختلف نطقه من الحروف عن رسمه قرآانياً.
ويؤكد الحمد أن المصاحف الأولى تتطابق في رسمها مع المصاحف التي يعتمدها المسلمون اليوم وأغلبها نسخت في القرنين الخامس والسادس الهجري، وفق الدراسات التي دقّقتها، حيث يفصل العديد من الشواهد والأمثلة في مصحف طشقند، ومصحف جامع الحسين في القاهرة، ومصحف صنعاء وغيرها.
يُذكر أن الحمد وضع مؤلّفاً مشتركاً بعنوان "ظواهر كتابية في مصاحف مخطوطة" يتضمّن دراسة ومعجم لأربعة مصاحف خطية قديمة، وهي مصحف طشقند، ومصحف جامع عمرو بن العاص، ولوحات من مصاحف صنعاء، ومصورة من مصحف أبي الأسود الدؤلي، ودرس فيه الظواهر الكتابية في تلك المصاحف التي يعرّفها ويصفها، ويأخذ رسوماً منها، ويبرز المواضع والحروف والكلمات التي سقطت من كل منها ويؤرخ لها ويذكر مزاياها، وما خالف فيه بعضها بعضاً، ويذكر الظواهر التي لم ترد فيها وذكرتها بعض كتب الرسم، ثم يضع معجماً لظواهر الرسم فيها يبين فيه اسم السورة ورقم الآية ونوع الظاهرة في كل منها، مما يتيح للدارسين معرفة الكثير من الظواهر التي تخرجها من مرحلة الندرة والحيرة والشك إلى حالة الكثرة والاطمئنان.