ضربة قاصمة أوجعت ظهر "غزة"، التي يبلغ حصارها من الاحتلال الاسرائيلي عامه الثامن بعدما دأبت الجارة مصر، على إغلاق المعبر الحدودي الوحيد للقطاع الذي لا تديره إسرائيل، وهدّمت الأنفاق التي كان يعتمد عليها 1.8 مليون غزيٍّ في توفير احتياجاتهم.
وضمن إجراءات اتخذها الجيش المصري بعد الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو/ تموز الماضي، لذرائع قال إنها "أمنية"، هُدم أكثر من 90% من الأنفاق الحدودية مع غزة، وأوقفت السلطات المصرية دخول مواد البناء اللازمة عبر "معبر رفح" لاستكمال مشروعات تنموية تمولها قطر، وارتفعت حدة الاتهامات لحركة "حماس" التي تدير القطاع، كونها تنتمي للتيار الإسلامي.
ودمرت الحملة التي قادها الجيش المصري نحو ألف ممر أرضي كانت تمد غزة بشتى أنواع السلع الثقيلة منها والخفيفة، بدءا بالسيارات، والأجهزة المنزلية، ومواد البناء، وليس انتهاءً بالسلع الاستهلاكية، كالمكسرات والمسليات والمواد الغذائية، فيما كما كانت حركة "حماس"، تستخدمها في إدخال الأموال النقدية اللازمة لتمويل نفقاتها.
هذا المشهد دفع مراقبين دوليين وآخرين في غزة، للامتعاض من دعوة الرئيس المصري المؤقت، عدلي منصور، خلال كلمته بالقمة العربية في الكويت الأسبوع الماضي، لمنظمات حقوق الإنسان "القيام بدورها في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني في غزة"، على اعتبار أن النظام المصري شكّل، في الآونة الأخيرة، الطرف الآخر لـ "الكماشة" التي تبطق على غزة.
وخلفت الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة جراء الحصار الإسرائيلي - المصري وهدم الأنفاق، خاسرين ورابحين تتبعت "العربي الجديد" أكثر البيانات الرسمية والتقديرات الدولية، دقة، لرصد الفريقين.
الخاسرون:
الحكومة المقالة في غزة والتي تديرها حركة "حماس"
تأثرت حركة "حماس" التي تسيطر على قطاع غزة منذ عام 2007 بإغلاق الأنفاق، وانعكس ذلك على الأداء المالي للحكومة التي تدير مؤسساتها وشؤونها.
ويقول الخبير الاقتصادي حامد جاد من غزة، لـ"العربي الجديد"، إن إغلاق الأنفاق، ووقف جلب الأموال من الخارج عبرها، شكل تجفيفاً لأهم الموارد المالية لحكومة حماس باعتبار أن ما كانت تفرضه من ضرائب على الأنفاق كان يشكل ثلثي مواردها تقريبا.
ودفع انحسار هذه الموارد حكومة حماس إلى اتخاذ إجراءات تقشفية شديدة رغم أنها أقرت موازنة مالية للعام الجاري بمبلغ 784 مليون دولار مع عجز مالي يصل إلى 589 مليون دولار.
وتعاني حكومة غزة المنتخبة من ضائقة مالية، دفعتها للتأخر خلال الأشهر الستة الماضية في صرف رواتب الموظفين الذين يعملون في دوائرها الحكومية والبالغ عددهم 42 ألف موظف.
وبحسب بيانات لوزارة المال في حكومة غزة، فإن فاتورة الرواتب الشهرية للموظفين التابعين لها تبلغ حوالي 37 مليون دولار شهريا.
وتفرض حكومة غزّة على البضائع الواردة عبر الأنفاق ضرائب تدرّ عليها دخلاً شهرياً، وتعمل لجنة تابعة للحكومة على ترخيص ومراقبة تبادل البضائع والسلع عبر الأنفاق.
وكشف وزير الاقتصاد في الحكومة الفلسطينية بغزة، علاء الدين الرفاتي، في حوار سابق مع "العربي الجديد" أن إيرادات الضرائب المفروضة على البضائع التي تدخل عبر الأنفاق كانت تشكّل حوالى 40% من مجموع إيرادات حكومة غزّة.
ويقدر اقتصاديون ربح الأنفاق بحوالى 365 مليون دولار سنوياً تدخل لحكومة حماس.
مالكو وتجار وعمال الأنفاق
انتقلت تفاصيل حياة هؤلاء من حالة الانتعاش إلى حالة الركود، وانغلق باب الرزق الوحيد لآلاف العمال.
ويقول عيسى النشار، مستشار رئيس الوزراء في غزة، لـ" العربي الجديد"، إن الأنفاق التي تم حفرها منذ العام 2008 لا يمكن حصر عددها لأنها لم تكن مسجلة لكنها تقدر بألف نفق، والفاعل منها بحدود 400 نفق، وكان يعمل منها قبل الأزمة الأخيرة 250 نفقاً فقط، "وبسبب الحملة الأمنية المصرية ضد الأنفاق فقد توقف أغلبها".
ويعمل في الأنفاق قرابة 10 آلاف شخص، ويتقاضى العامل الواحد أجراً يتراوح ما بين (20 إلى 25 دولار).
أما من يملك الأنفاق فهم الأكثر تضرراً من بين هذه الفئات لفقدانهم مبالغ طائلة تقدر بملايين الدولارات، كانوا يجنونها كرسوم لإدخال البضائع.
ويشير أحد ملاّك الأنفاق إلى أنه منذ إغلاقها بات هو ورفاقه يعانون من عجز مالي حاد، جعلهم لا يستطيعون تلبية متطلباتهم اليومية كونهم كانوا يعتمدون عليها كمصدر رزق أساسي.
ويضيف أنهم من أكثر الفئات التي "تدمرت اقتصاديا"، جراء الإغلاق لأنهم اختفوا تماماً من طريق التجارة والربح، وباتوا يبحثون عن لقمة العيش، مبيناً أن ما جنوه طيلة السنوات الماضية لم يكفهم للعيش لأشهر قليلة، لأنهم لم يضعوا في حسبانهم أن الأمور ستصبح على ما هي عليه الآن.
قطاع الإنشاءات بغزة
يعدّ قطاع الإنشاءات من أهم القطاعات التي تضررت وتوقفت كلياً بفعل إغلاق الأنفاق، وفق ما أكده رئيس اتحاد المقاولين بغزة نبيل أبو معيلق، إذ يعتمد هذا القطاع، بالدرجة الأولى، على مواد البناء الواردة عبر الأنفاق في ظل منع الاحتلال دخولها عبر المعبر الرسمي.
ويشير أبو معيلق، في مقابلة هاتفية مع "العربي الجديد"، إلى أن قطاع الإنشاءات من أكبر القطاعات المشغلة للعمالة ويساهم بنسبة 27% من الناتج المحلى الإجمالي، أي ما يعادل 135 مليون دولار.
ومنذ يونيو/ حزيران 2013، نفد المخزون الاستراتيجي للمواد الإنشائية الرئيسية، وهي الاسمنت والحديد والحصمة (الزلط)، ما أدى إلى توقف الكثير من المشاريع، وتوقف عجلة اتحاد المقاولين وشركات المقاولات وهم جزء من عجلة قطاع الإنشاءات في قطاع غزة ومحور مركزي رئيسي لاقتصاد غزة، كما يقول أبو معيلق.
وأضاف أن إغلاق الأنفاق أدى إلى انضمام 70 ألف عامل إلى صفوف البطالة، منهم 30 ألفاً فقدوا أعمالهم من شركات المقاولات المباشرة و40 ألفاً من الشركات المساندة للصناعات الإنشائية ووسائل النقل والشركات الخدماتية والحرف مثل الألمنيوم والخشب والزجاج.
ويشير أبو معيلق إلى أن 280 شركة مقاولات عاطلة من العمل من أصل 300، منوهاً إلى أن 20 شركة فقط تعمل في المشروع القطري، وبضعة مشاريع صغيرة أخرى.
القطاعات التي تعتمد على الوقود المصري
يمثل الوقود أحد أساسيات حياة المواطنين الغزيين لكونه يعمل على تشغيل مركبات القطاع ومحطات توليد الكهرباء ويساعد في تقديم العديد من الخدمات للمواطنين.
وشكلّت الأنفاق، على مدار سنوات الحصار السبع، المتنفس الوحيد للقطاع المحاصر، إذ منحت الغزيين ما مكنّهم من البقاء على قيد الحياة، وفي مقدمة أهم البضائع الواردة من الأنفاق: الوقود المصري والذي بغيابه توقفت حركة 50% من مركبات القطاع.
وانعكس الوقود المهرب عبر الأنفاق على محطة توليد الكهرباء الوحيدة بغزة، ما ضاعف من أزمة انقطاع التيار، ورفع ساعات الانقطاع عن المواطنين.
وعطل غياب الوقود الخدمات المقدمة للمواطنين مثل المياه والصرف الصحي وخدمات النظافة.
مدينة رفح
بعد ظاهرة الأنفاق، أصبحت مدينة رفح تمثل مركز الحركة والنشاط والبيع والشراء، وكانت هناك حركة أعمال تجارية قوية للعمال ولأصحاب الأنفاق وللمنتفعين من تلك البضائع المهربة، وباتت تشكل أكثر المناطق انتعاشاً، غير أن توقف تهريب البضائع سبب الركود لأسواق رفح وأصاب حركتها التجارية بالشلل.
وفي أحدث أرقام الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فقد سجلت رفح أعلى معدلات البطالة في قطاع غزة بنسبة 32%.
الحركة التجارية في شمال سيناء:
يؤكد مالكو الأنفاق توقف مصنع للإسمنت كان يعمل بكل طاقته في شمال سيناء، ويضم آلاف العمال المصريين، وهو مخصص لبيع الاسمنت لغزة.
كما أن الحركة التجارية في منطقة العريش والشيخ زويد تضررت بشكل كبير خاصة لمن يعمل في نقل وتهريب البضائع.
الرابحـون من إغلاق الأنفاق
اقتصاد غزة:
لعل من المفارقات أن يرى الخبير الاقتصادي الفلسطيني عمر شعبان، أن اقتصاد غزة، سيكون من أبرز الرابحين على المدى البعيد، من إغلاق الأنفاق، مرجعا السبب في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى "غياب أشكال التجارة غير الشرعية والمفتقدة لقوانين التجارة والرقابة".
وقال شعبان، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن تجارة الأنفاق، وما رافقها من احتكار، استنزفت الاقتصاد الفلسطيني، وأدت إلى اضطراب الحالة الاقتصادية المرهونة بموارد الأنفاق.
وبحسب، المقدم أيوب أبو شعر، الناطق باسم جهاز الشرطة في حكومة غزة، فإن تجارة وتعاطي المخدرات والعقارات والحبوب المهلوسة في قطاع غزة شهدت انحساراً ملحوظاً بعد هدم وإغلاق الجيش المصري الأنفاق، التي كانت تشكل المصدر الأهم لتهريب المواد المخدرة.
وأدى إغلاق الأنفاق إلى شح المواد المخدرة والحبوب المهلوسة، وارتفاع أسعارها بنسبة تزيد على 50%.
اقتصاد الضفـة الغربية:
بعد إغلاق الأنفاق شرعت إسرائيل في التخفيف الجزئي من حصارها الخانق والمفروض على غزة، وشيئاً فشيئاً بدأت أسواق غزة تعج بمنتجات الضفة وفي مقدمتها الألبان والأجبان والمنتجات الزراعية.
ومع أن غزة محرومة من تصدير منتجاتها إلى الضفة منذ سبع سنوات، كما يؤكد مدير المعابر والتسويق بوزارة الزراعة في حكومة غزة المقالة تحسين السقا، إلا أن دخول منتجات الضفة الزراعية لأسواق القطاع يعود بالنفع على مزارعي الضفة.
المستهلك (غياب المنتجات المقلّدة والفاسدة)
تدفقت عبر الأنفاق الكثير من المنتجات المقلّدة التي تحمل شكل وعلامة المنتج الأصلي، لكنها غير مطابقة لذات المواصفات والمقاييس العالمية.
ويجري جلب هذه البضائع بسعر أرخص ويسارع المستهلك إلى شرائها معتقداً أنها ماركة عالمية، خصوصاً الشامبوهات وكريمات الوجه.
لكن اليوم، سيحظى المستهلك في غزة بمنتج يخضع للرقابة ويتمتع بجودة ومواصفات عالية.
الوكالات التجارية والشركات العالمية
تصنف الوكالات التجارية ضمن الفئة الرابحة جراء قرار إغلاق الأنفاق، حيث أصبحت منتجاتها الأجنبية تجد طريقها لأسواق القطاع، وفي السابق كانت البضائع المصرية تأتي على حسابهم أما اليوم فهم المستفيدون من هذا القرار.
إسرائيل
يجمع الاقتصاديون على أن الميزان التجاري بين فلسطين وإسرائيل سيزداد ميلا لصالح الثانية، إذ ستسوق منتجاتها إلى غزة دون أن تحظى الأخيرة بتصدير منتجاتها إلى أسواق إسرائيل كما كان عليه الحال قبل سبع سنوات.
ويوضح الخبير الاقتصادي عمر شعبان أن إسرائيل تعتبر طرفاً رابحاً من قرار إغلاق الأنفاق لأن البضاعة التي كانت تُشترى من مصر أصبحت تشترى الآن من السوق الإسرائيلية.
وأضاف أن 90% من واردات القطاع باتت تأتي من إسرائيل.