مضت أكثر من ثلاث سنوات، تراجع فيها حضور القضية الفلسطينية عن حراك الشارع الأردني، الذي انشغل بالربيع العربي الذي لم يدخل المملكة رغم طرقه لأبوابها مراراً، وهي السنوات التي غابت فلسطين فيها أيضاً، عن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن المعروفة بأنها الامتداد الوجداني للوطن المحتل.
خلال تلك السنوات، أعلت أحزاب المعارضة الأردنية، التي كانت القضية الفلسطينية وجبتها الدسمة وشغلها الشاغل، من أولوية الشأن الداخلي متحالفة مع الحراك الساعي لتحقيق إصلاحات سياسية لم تتحقق بحسب رغبته. حتى المخيمات انخرطت في الأمر محاولةً إيجاد ربيع خاص يهدف إلى تحقيق جملة من المطالب الخدمية والسياسية الخاصة التي لم تتحقق.
خلال تلك المدة، لم تحضر فلسطين سوى ومضات سريعة كردود فعل على أحداث بعينها في الفترة الماضية، على غرار الاحتجاجات المحدودة التي رافقت جولات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إلى المنطقة، وحادثة اغتيال القاضي رائد زعيتر، حتى ظن مراقبون أن فلسطين سقطت عن سلّم أولويات الاحزاب الأردنية وحتى اللاجئين الفلسطينيين.
المخيمات الفلسطينية في الأردن، البالغ عددها 13 مخيماً، والتي تحضر القضية الفلسطينية على جدرانها لوحات وشعارات، نفضت عن نفسها غبار الصمت. في البداية، عبّر قاطنو المخيمات عن فرحتهم بنبأ اختطاف المستوطنين الثلاثة الذين عثر عليهم جثثاً هامدة، ومع انطلاق العدوان الاسرائيلي، تحرك اللاجئون في المخيمات بصخب من دون تنظيم في مسيرات احتجاجية كانت هي باكورة الاحتجاج على العدوان الاسرائيلي على غزة في الأردن.
خرج المتظاهرون بدايةً في مخيم الوحدات، في قلب العاصمة عمّان، تبعه مخيم مادبا، جنوب العاصمة، ليلحق بالركب مخيم البقعة، أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن.
يشعر الناشطون في المخيمات أن التألّق عاد الى المخيمات. كتب أحدهم من مخيم البقعة على صفحته الشخصية على "الفيسبوك"، معبّراً عن ذلك: "مخيم البقعة جزء لا يتجزأ من فلسطين، فإن خذلتنا الجغرافيا والسياسة، ينصرنا التاريخ بأننا لا زلنا فلسطينيين".
في المخيمات تحولت الجدران إلى منشورات ثورية تتضامن مع غزة، وتتغنى بصواريخ المقاومة، وتدعو إلى عودة الكفاح المسلح، وفيها مساحة لشتم الصمت الرسمي العربي تجاه الجريمة.
اليوم، دخلت المخيمات منافسة في ما بينها على أيها أكثر انتصاراً للقضية والتصاقاً بها، فتعيش غالبيتها مسيرات ليلية تطرّزها الاعلام الفلسطينية، وتغيب عنها أعلام الفصائل، التي كانت تحضر بقوة في مسيرات سابقة.
الاحزاب تعود من بوابة غزة
خرج الحراك التضامني من إطار المخيمات الفلسطينية سريعاً، وعمّ مدن المملكة التي أصبحت غزة عنوانها، ووجدت الاحزاب السياسية التي غابت عن الشارع، منذ تراجع الحراك الاصلاحي الأردني قبل أكثر من عام، في العدوان الاسرائيلي فرصة مناسبة لعودتها الى الشارع.
الحركة الاسلامية (حزب جبهة العمل الاسلامي وجماعة الاخوان المسلمين)، سارعت الى تنظيم سلسلة مهرجانات خطابية للتضامن مع غزة، أكدت فيها أن عدوها الأول إسرائيل، وهي التي قالت، قبل عامين، في مسيرة تطالب بإصلاح النظام، إن "عدونا الأول هو الفساد".
ولرفع حرارة مشاركة الجماعة في تضامنها مع غزة، نظمت اعتصاماً على مقربة من السفارة الاسرائيلية في عمّان، أكثر المناطق إثارة لحساسية النظام.
وحتى لا تخطف الحركة الاسلامية المشهد، نظمت أحزاب المعارضة القومية واليسارية فعاليات رمزية، ودعت الى فعالية يوم الجمعة أمام السفارة الاسرائيلية في عمّان، تسعى لأن تكون حاشدة.
وبين إعادة الروح للمخيمات الفلسطينية، وما بدا أنه تنافس بين الاحزاب السياسية، خرجت فعاليات تضامنية في المدن الأردنية بشكل عفوي، لتؤكد أن القضية الفلسطينية لا تزال تشغل بال الأردنيين رغم تراجعها في السنوات الأخيرة.