وأشارت هذه الصحف إلى أن موافقة "الكابينيت" الإسرائيلي على التهدئة الإنسانية لمدّة 12 ساعة يوم الجمعة، ثم الموافقة على تمديدها بـ 12 ساعة أخرى كان دافعه الأساسي محو "الانطباع" السيء الذي خلفه رفضُ مقترحات كيري الأصلية، الخميس، وتلك المعدلة الجمعة، وكسب المزيد من الوقت، وضمان عدم تصوير إسرائيل بأنها تعارض وقف إطلاق النار.
وقالت الصحف الإسرائيلية إن المجلس الحكومي الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، كان غاضباً من كيري ومقترحاته، التي اعتبرها مقترحات "حماس"، التي صاغها رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، وتعطي "حماس" مكانة مماثلة لإسرائيل في الصراع، وتمنحها مكاسب سياسية واستراتيجية، خصوصاً أنها تتبنى بشكل واضح المبادرتين القطرية والتركية، وتمنح كلاً من قطر وتركيا مكانة لم تحظ بها مصر في المقترحات الأصلية التي قدّمها كيري الخميس.
وكان اللافت أن صحيفة "هآرتس" خصصت، دون غيرها، ثلاثة مقالات تحليلية للنيل من كيري ورفض مقترحاته. ووصف المراسل السياسي في الصحيفة، براك رابيد، المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده كيري الجمعة في القاهرة، بأنه أحد أكثر المناسبات إرباكاً وإحراجاً لكيري، مضيفاً "وبعدما كان الكابينيت الإسرائيلي أعلن قبل ذلك بساعات رفضه لمقترحات كيري، بدا الأخير وكأنه يعيش في عالم موازٍ، فأعلن أنه لم يقدم مقترحات رسمية لإسرائيل، وزاد على ذلك بالقول إن (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو سيعطي توضيحات للقرار الإسرائيلي".
وبحسب رابيد، فإن الاقتراح الذي أرسله كيري لإسرائيل الجمعة أصاب أعضاء المجلس المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) بالذهول، فقد بدا الاقتراح وكأنّه من صياغة خالد مشعل؛ فهو يعترف ويقرّ بمكانة "حماس" في قطاع غزّة، ويتعهد للحركة بتحويل مليارات الدولارات لها دون أن يحدد الاقتراح ما هو المطلوب منها في مجال نزع سلاحها، على سبيل المثال. ويضيف رابيد "بعد ذلك بيوم، عممت وزارة الخارجية الأميركية صوراً لكيري مع وزير الخارجية القطري (خالد العطية) ووزير الخارجية التركي (أحمد داوود أوغلو) في باريس".
ويكشف رابيد أن أساس المعارضة الإسرائيلية مردُّه إلى اعتبار إسرائيل أن "مسار كيري لوقف إطلاق النار يعزّز من مكانة المتطرفين في المنطقة، قطر وتركيا وحماس، من جهة، ويوجّه صفعة للمحور الآخذ بالتبلور من الدول والجهات المعتدلة، وفيه: مصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية والسعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة، التي تتعاظم المصالح المشتركة بينها". ويضيف أن "الأخطر من ذلك كله هو تداعيات هذه المبادرة على الساحة الفلسطينية لجهة تنصيب "حماس" على العرش وإصدار شهادة وفاة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس".
ويواصل رابيد هجومه على كيري ليخلص إلى أن "كيري ليس معادياً لإسرائيل، بل على العكس من ذلك، لكن ممارسته وتحركاته السياسية تثير تساؤلات حول صواب تفكيره وإدراكه لحقيقة ما يحدث في المنطقة؛ فهو يبدو ككائن غريب وصل للتو من الفضاء الخارجي إلى هذه المنطقة، لدرجة أنّه لم يكن هناك مفر في لحظات معينة يوم الجمعة من استحضار ما قاله عنه وزير الأمن موشيه ياعلون، عندما اتهمه بالهوس للتوصل إلى حل". ويضيف "إذا كان كيري قد حقق شيئاً يوم الجمعة، فهو عرقلة التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وإذا اضطرت إسرائيل بفعل تحركاته هذه إلى توسيع نطاق عملياتها في القطاع، فإنه يتحمل شخصياً مسؤولية كل قطرة دماء جديدة سيتم سفكها".
ولم يقف الأمر عند رابيد، فقد تابع حامي شاليف هو الآخر، وفي نفس الصفحة، الهجوم على كيري، موضحاً أن الكابينت الإسرائيلي أهان كيري عملياً، عندما أعلن رفض مقترحاته.
وعلى غرار رابيد، أقرّ شاليف أن كيري مشحون بالنوايا الحسنة والطاقات العالية، "لكنه يبدو مع ذلك تعيس الحظ". واستدل إلى ما تم تسريبه من مداولات الكابينيت الإسرائيلي يوم الجمعة، ليؤكد أن "لدى الحكومة (الإسرائيلية) ضغينة ضدّ اقتراب كيري أكثر من اللزوم لمواقف كل من قطر وتركيا"، وذلك إلى جانب "الاستهانة والاستخفاف المتواصل بقدرته على السيطرة على شبكة اللاعبين التي تؤثر على حماس".
وانضم المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى جوقة التشهير بكيري، معتبراً أن وقف إطلاق النار للأغراض الإنسانية الذي أعلنته الحكومة الإسرائيلية لـ12 ساعة كان في واقع الحال بديلاً مؤقتاً للمحاولات الفاشلة للأمم المتحدة والولايات المتحدة بإقناع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بالتوصل إلى وقف إطلاق نار طويل الأمد. وقال إنّ وزراء الكابينيت الإسرائيلي وصفوا مقترحات كيري بأنها "فظيعة"؛ فهي تساوي بين المقاومة وإسرائيل، وتمنح المقاومة ضمانات وشرعية دولية كطرف محاور، بل أيضاً ضمانات بقبول غالبية الشروط التي وضعهتا المقاومة، من قبل مصر. إذ تعهد كيري بتأمين تسهيلات في المعابر الحدودية، وفتح معبر رفح، وتوسيع مناطق الصيد للفلسطينيين في غزة، وتنظيم مسألة رواتب موظفي سلطة "حماس" في القطاع.
وفي السياق نفسه، أقرّ المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، أليكس فيشمان، أنّ الحكومة الإسرائيلية تحاول حالياً قيادة إسرائيل إلى موقع يمكنها من تحسين شروطها التفاوضية في اتفاقية وقف إطلاق النار؛ فإسرائيل تعتبر أن كل وقف لإطلاق النار، مهما كان قصير الأمد، يتيح لجيش الاحتلال مواصلة عملياته، هو وقف إطلاق نار مثالي. ولذلك، سيعمل "الكابينت" بكل مناورة ممكنة، وكل حيلة دبلوماسية، ويمارس كل ضغط عسكري، يخدم الهدف الأساسي، وهو كسب المزيد من الوقت.
وبحسب فيشمان، فإن الصراع القادم سيكون على شروط وقف إطلاق النار، ولكن وفي غضون ذلك، فإن كل يوم إضافي يستطيع فيه الجيش مواصله عملياته العسكرية هو إنجاز سياسي لإسرائيل.
ومع إقرار المحلل العسكري الإسرائيلي، بأن "حماس" وإسرائيل لا ترغبان في توسيع نطاق الحرب، غير أنه يعتبر أن مبادرة كيري، تعرقل عملياً التوصل إلى وقف لإطلاق النار. ويرى أن كيري يسعى جاهداً لضمان المصالح الإسرائيلية، غير أن أداءه الفعلي يقود نحو العكس تماماً. وينقل عن مصدر يصفه بأنه متابع لتحركات كيري في الأيام الأخيرة، إن نشاط كيري في الأيام الأخيرة، ولقاءاته في باريس والقاهرة، تُظهر "عدم الاستعداد الصحيح، وعدم إدراك وفهم لحقيقة الوضع في المنطقة، وقلة معرفة بالديناميكيات الداخلية لحركة "حماس"، وعدم حساسية لحدود الإهانة التي يمكن لمصر تقبلها، وكل ذلك مبهر بارتجال تحركات ساذجة". ويضيف أن "أحداً لا يفهم ما الذي يريده كيري، ولا أحد راض عن نشاطه، والآن يتم من وراء الكواليس تصحيح أخطائه".