المرأة الداخلية
جميلة
مثل صاعقة تتوقف في منتصف السماء
لتختار شجرتها
مجهولة
قريبة إلى حد تثير فيه الخوف
رغم أنها مُطَمْئِنة
مثل استراحة في بلدٍ معتدل
إنارة خافتة
تمسك في بؤبؤها
وِجهة الليل
هشّة
مثل مصافحة
بين كائنين بلا مستقبل
قاسية
مثل بداية الكون
وجهٌ مغلق
نراه مرة في الحياة
حين نضغط على الزناد
*
انتحار مؤقّت
في قلب الأدراج الزرقاء
التي ذهبت مفاتيحها نحو أقفال برّية
وضاعت رسائلها في صخب الاعترافات
في قلب أدراج تلميذة
بين سيجار ذابل وصفعتين
تعودان إلى آخر فضيحة
يحدث أن نلتقط
شفاهاً مريرة
تُدلي بكلمات قريبة
تنزل كحجارة
منحدَر الصوت
شفاهاً نادرة ومختصَرة
تنفتح لتمرير
جاسوس متنكر على شكل أوركسترا
لم أعد أدري أية سيمفونية
تتشبّث بطوق من النيران
والآن تنتصب النافذة
بلا عمر ولا نور
أخت الشفاه المريرة
منها يدخل العُصاب
مرتدياً أكفّة من أيدٍ بشرية
تُقطِّع النساء
بعد الحب
على طاولة
شيء يبتسم من خلال كل نعاس العالم
إنه وجهٌ
لم نره أبداً
وأبداً لم ننسه
وجهٌ يُرجّحه
ثلج الذاكرة اللامتناهي.
*
أبعاد
(إلى أندريه بروتون)
لماذا لا نلتقي على عبّارة ممدودة فجأة بين كارثتين امرأةً بعينين مسرعتين تخبركم اسمها الذي يحلو عبوره أكثر من هوةٍ مكسوة بأقمشة سوداء؟
لماذا لا نُنظّم غروباً كبيراً من شَعرٍ ملوّن داخل مشهد الأفق الخالي أبداً؟
لماذا لا نزيّن منحدرات الجبال بمخلوقات ذات أعضاء مشعّة، تقترن بالمناظر وتحرقها عند كل عناق فتبقى وحيدة داخل وضوحٍ دوّامي؟
لماذا لا نحرر دفعة واحدة آلاف المرايا المسمّرة على صدر الأرض؟
لماذا نجعل الحياة صالحة للسكن؟
لماذا لا نهجر الأجساد المألوفة والأقدار التي عشناها بما يكفي؟
لماذا لا نُزيح أجفان الطرق الملعونة ونتوارى في الليلة العصيّة على الذوبان جالبين معنا كمستقبلٍ وحيدٍ جسد امرأةٍ مجهولة قطّعها إلى أشلاء رقيقة حلمٌ نشحذه دون مجازفة باليقظة؟
*
إلى الغد
سيكون ذات مرة أميرة ممزَّقة
مراهقة في طريق نيّر
عاشقان منسيان في صهريج
عاشقان ستغرف حقبة بكاملها من فيضهما
نداها أو قدرها السيئ
قيثارة في حقل نفل
سيكون ذات مرة دوارات هواء سمعية لا تطيع
إلا الملامسات النمّامة للسواقي
ولن يُعاد الكلام عن رياح البداية
ستكون الفصول من "حرير صخري"، من سمادٍ، من "أسبيدج" ومن زنجبيل
وستصبح الخِزانات من جديد خِزانات رجالٍ جميلة
تحمي نفسها من فراغ كل يوم
سيكون ذات مرة أسبابٌ جدّية للحياة، الرأس
على حضن الجلاد
بين الرسالة والعناق، سيكون ذات مرة عبور
الرمال وزوال الينابيع.
*
غرفةٌ تعصى على أي دار
غرفةٌ تعصى على أي دار...
أيّ شيء أثقل لمظهر الغائبة الجانبي من هذا الوشاح الذي أهملته الريح...
أيّ شيء أوفى لصورتها من هذه البصمة الشمسية حيث وضعت للمرة الأخيرة رجلها البعيدة...
هذه الغرفة الرقيقة مثل نَفَس يبحث عن خدّ، تكتشف فجأة ـ عند مقدَّمة كل كينونة ذات قيمة ـ قوانين الجمود الغريبة...
هذه الغرفة حيث لا ينقص سوى امرأة، وليس حركاتها المستقرّة بين الأثاث كغبار يقظة...
حيث لا ينقص سوى حبٍّ، وليس مشاريعه المذهلة التي تصطدم بجميع الجدران بحرّية...
حيث لا ينقص سوى لذة التردد وهامش بسيط من الضعف لمعاينة الحياة على قدم المساواة، برأسٍ مُضبَّب..
هذه الغرفة تنتمي إلى عالم الصمت الذي لا نفضّه إلا مرة واحدة...
*
غفران الملامسات
في الغربة حيث أنا
يمتد النظر بموتٍ رتيب
الذي هو غير العمى
في الغربة حيث أنا
الدمُ قريةً رمادية
تتوارى في موسم الزرع
في الغربة حيث أنا
لا أرى أحداً يمارس
غفران الملامسات
وكأن العاصفة استردّت كل شيء
الذبيحة رُفضت
صولجان العاج جمد
داخل شحوبٍ متزايد
لم يعد الخبز اليابس يعبر حلق الطفل
ما كان يجب عبور هذه الساحة
لكن امرأة تتقدّم
وحيدة بوجه الزمن الأسود
لا شيء مهم
إنها عابرة متعبة
تضع رأسها على قاعدة فارغة
لا شيء مهم
إنها صفاوة الساعة الأخيرة
تتأمّل ذاتها بعيونٍ مريبة.
*
هبة الحياة
أنا الشخص الجالس على حافة الطريق
إنها الساعة المناسبة لمراسلة الأصدقاء
للكتابة حابساً الكلمات
سالخاً الأصوات
رامياً الذين يكتفون بالنظر
على رأس الذين يكتفون بالفهم
وهذا يُسبّب زرقاً كبيراً
لا يزول
أنا ذلك الذي يجلس على حافة الطريق
الذي يضع أعداءه تحت رحمة تعبه
وكل شيء بالنسبة إليه لا يزال قيد التدقيق
إن طالت الحياة أم قصُرت
لا أهمية لذلك
لا أهمية للإنسان الذي ينتقم
من قلة أهمية الإنسان
*
كان زمنٌ آخر
كنا جالسين تحت ساعة حائط بلا غيوم،
كما لو أننا عند مصدر الزمن القصير.
الفتاة الأقرب كانت تتكلم السنسكريتية
سألها شخصٌ عن طريق لم تكن موجودة
وراءنا قرية
بعيونٍ وسّعها اللهو.
كنا ندعك ملامسات
حُبست طويلاً خلف زجاج المطر
وكان الصدأ يغزو أطراف أصابعنا.
أطفالاً متأخّرين وكسولين
بوجوهٍ لا تنفع أحداً،
كنا نترك العشب يعلو حولنا
مثل حاجة مذنبة
وكنا نحلم بالاختفاء
وها هي النزوة ذات الأهداب الطويلة تحجبنا،
تعفينا من أي حضور أو مكان.
كان نهارٌ مرصّع بالنسيان
مثل مُصلى غريب،
نهارٌ لا يقوى على النهوض
والنظر إلينا ونحن نمتقع.
*
ريحٌ منتصبة
نرفع التنّورة فتُبحر سفينة
يقودها القبطان بإصبعه الصغيرة
بين صخورٍ غريبة
ـ إنهم أصدقاء البارحة الذين
أصبحت أشكالهم مجهولة منا
إنها كُدس علفٍ قارصٍ، جزمات مطرٍ على طريقٍ ذي أصداءٍ طفولية
ـ أغنية ريفية تلاحقكم مثل قط
ـ رسائل مدسوسة من تحت الباب تقول بأننا في العشرين من العمر ولا وقت لنا للتوقف
كلّموني بالأحرى عن تلك المرأة ـ النبرة ترتفع لدى اقترابها ـ عن تلك التي تمرّ من يدٍ إلى أخرى بدون أن تفقد شيئاً من سعادتها
والتي نسمّيها "الريح المنتصبة" ـ الريح المنتصبة مع رؤية على المستقبل وفي صوتها النشوة المتهاونة للشجار الأول.
*
فيكِ
فيكِ
يقيم كسلي
بلدي الكبير الكسول
كأفعى
داخل جذع أجوف
فيكِ
تدور عجلة الماضي المنقبضة
تحدّقين بنظرة متساوية
إلى البعيد والحالي
فترفع المنارات تنانيرها المُزبدة
لتنطفئ في البحر
مجرّدة من الحرّاس
فيكِ
يستنطق الطيش الأشرعة
فيكِ
يرتدّ منفى القبلة الطويل
فيكِ
أكون أخيراً
تحت رحمتي
*
الخبز اليومي
بين هزّة رأسٍ وضربة رأس
بين تحيةٍ وانتفاضة
بين تأثير اللياقة وتأثير المقصلة
الفارق بالكاد محسوس
"بالكاد" يقولون:
بالكاد يتخبّط الباشِق
في متاهة الاحتضار النِفاسية
امرأة بالكاد تولد، وبالكاد وُلدت
ها هي بالية
بالية وحاسمة
جافة كالعاطفة
نديّة في الأيام الجميلة
ساكنة مثل "تعويذة" خلف شرفات الكلام
تقول إن الأشياء "بالكاد" ابتدأت
إن بخار الماء ينشرح كسريرٍ
إن الرجل ـ النافع خسر رهانه
وكل شيء
تقول إنها لا تطلب أن نستمع إليها
لأنها ليست من غيومٍ
يُصنع منها الأنبياء
*
استراحة الفضاء الكبيرة
هنا، لا صوت لقول الرغبة،
جميع الأشياء ممنوحة
بلا إفراط وبلا حساب في الوقت ذاته
طفلة تلقي نظرتها الزرقاء
على غبطةٍ مرئية لها فقط
ورأسها المنحني قليلاً
يجعل أي خلاص آخر عبثاً.
*
القدرة على التحية
نحن جيران العار.
لا نقترفه بأنفسنا. لسنا سوى جيرانه.
ولزمنٍ طويل، كفانا ذلك.
لكن النفوس تتغيّر.
في يومٍ من الأيام، اقترح أحدٌ ما زرْع الوهم وسحْق تلك العشبة الخبيثة والعيش مع الآخرين.
فكانت بداية طقسٍ مغمّ ادّعى فيه الناس المطارَدون داخل قصور رخامية التحرُّر من الوحدة.
وحين سُمح لهم بالعودة إلى ديارهم، أُرشِدوا إلى طرقات منسية. هنا يتشكّل الصوت خارج الفم والصور خارج العينين والكلمات خارج الإنسان.
لا دواء لهذه الهجرة من ممتلكاتنا الأخيرة.
وحين يظهر المحتوم على عتبة منازلنا، بالكاد تبقى فينا القدرة على التحية.
ترجمة عن الفرنسية: أنطوان جوكي