أشّر اعتماد شركة الاتصالات التابعة للحكومة الجزائرية، أخيراً، بعضاً من الأغاني الرياضية كنغمة انتظار، على بلوغ هذا النمط من الغناء شأناً لا يُستهان به في العقلية الجزائرية، ويكشف أيضاً عن اتجاه شعبوي للحكومة في السنوات الأخيرة.
من حيث الشكل، فإن هذه الأغاني كانت تُؤدّى سابقاً داخل الملاعب من طرف الجمهور، وتتّخذ لحناً أحادياً مع قليل من التنويعات، وتُؤلف كلماتها أيضاً بارتجالية واضحة، مستعينة بأسماء لاعبين ومباريات بعينها.
تسرّب هذا النمط خارج الملعب وتبلور على أيدي فرق موسيقية نقلته من دون ترشيح أو "فلترة"، إذ لا شيء في هذه الأغاني تربطه علاقة ما بالفن.
يمكن التأريخ لهذه الظاهرة -السوسيوثقافية- بتأسيس فريق "مولودية الجزائر" في العشرينيات، ومعه بدأت معه أغاني الملاعب. ثم عادت الحمّى وتأجّجت إثر المواجهة بين مصر والجزائر في تصفيات كأس العالم 2010، وكانت هذه الأغاني ذات الطابع الحماسي زاداً وحطباً ساهم في تغذية تلك الحمّى التي أحسنت السلطة استغلالها إلى غاية اليوم.
رغم أن هذا النمط من الغناء ليس وليد الساعة، إلا أنه كان في السابق حصراً على الملاعب وما يحيط بها، ولم يسبق له أن احتل مساحة رسمية بهذه السِعة. فزيادة على اعتماده في شركة حكومية، ازداد بثّه في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الرسمية.
ويدل هذا التوجه على تفطن الحكومة للوزن الذي تحوزه كرة القدم ونفوذها الجماهيري، ناهيك عن قدرتها على خلق إنجازات وهمية يتزين بها سجلّها.
عزّزت هذه الأخيرة من هذا الاتجاه عندما دعمت شركة البترول الجزائرية "سوناطراك" عدداً من الفرق ذات الشعبية الكبيرة وأغدقت عليها من خزائنها، بشكل ارتفعت معه أجور اللاعبين بشكل غير مسبوق، وزادت من شعور الغبن لدى بقية الفرق.
في مقابل ذلك، تغض السلطات الطرف عن الجانب المظلم لهذه الأغاني، تلك التي تخاطب "الألتراس" وتتسم بطابع يحرض على العنف الذي صار أزمة مؤرقة تعاني منها الملاعب الجزائرية، خصوصاً بعد أن سهّلت مواقع التواصل الاجتماعي انتشارها، وزادت من فرص وصولها إلى فئات واسعة من الجمهور.
كما تتبنّى أخرى خطاباً "ثورياً" في الاتجاه الخاطئ، إذ تعزّز من قيم شعبوية وتدفع بها إلى ساحة فنية تعاني من الفراغ.
لعل هذا الانتفاع المتبادل في الجزائر بين حكومة واهنة وفن رديء، فصل من فصول توظيف الفن في خدمة السلطة، التي برعت أغلب الحكومات العربية في الاستفادة من شكله الشعبي لتمرير توجهاتها.