رغم أن حالته الصحّية تدهورت سريعاً في الأيام الأخيرة، ورغم أن الأطباء أبلغوا المقربين منه بصعوبة وضعه، جاء خبر رحيل فاروق الفيشاوي (1952) مفاجئاً وصادماً. الفنان المصري تعهّد أمام جمهوره وزملائه أثناء الدورة الأخيرة من "مهرجان الإسكندرية السينمائي" بأنه سيحارب بشجاعة وسينتصر على السرطان. لكن يبدو أن المرض انتصر في النهاية فرحل الفيشاوي فجر اليوم.
الفيشاوي الذي ينتمي إلى أسرة بسيطة، كرّر مراراً أنه منقسم إلى نصفين: فلاح وصعيدي. فمسقط رأس والده ووالدته هو سرس الليان في المنوفية، بينما وُلد ونشأ هو في بني مزار في محافظة المنيا الصعيدية. لذا فهو مختلط العادات والتقاليد، وكان يحرص على زيارة البلدتين بشكل مستمر لارتباطه بعلاقات جيدة مع بعض من جيرانه وأصدقاء طفولته.
لم يدرس الفنان الراحل التمثيل في بدايته. بل مثله مثل القسم الأكبر من الشباب التحق بكلية ليحصل على مؤهل عالٍ ومن ثم يحصل على وظيفة. هكذا اختار كلية الآداب، قسم اللغات الشرقية في جامعة عين شمس. وعلى الرغم من شغف الفيشاوي باللغات واختياره التخصص في لغتين هما التركية والفارسية، إلا أنه غيّر مساره ومشواره وخططه الحياتية تماماً بعدما التقى بالممثل والمخرج الراحل عبد الرحيم الزرقاني. هذا الأخير شاهده في بعض العروض المسرحية التي كانت تقدم على خشبة مسرح الجامعة، ونصحه أن يدرس التمثيل، وبالفعل التحق بمعهد الفنون المسرحية.
وقد بدأ مشوار الفيشاوي الشاب الذي اشتهر بوسامته، من خلال المخرجة القديرة إنعام محمد علي في مسلسل "حصاد العمر" الذي كتبت قصته الكاتبة فتحية العسال، وشاركه البطولة وقتها كل من الفنانين صلاح السعدني، ومحمود المليجي، وكريمة مختار، وحسن عابدين. وعُرض المسلسل عام 1978، وحقق نجاحاً جماهيرياً كبيراً.
وتوالت أعماله المهمة بعد ذلك من خلال مسلسل "أبنائي الأعزاء شكراً" (1979)، مع الفنان عبد المنعم مدبولي، ويحيى الفخراني. وقد قدم الفيشاوي في العمل شخصية الابن العاق "ماجد"، وجاء ترشيحه للدور بعدما اعتذر عنه تسعة فنانين خوفاً من أن يكرههم الجمهور نظراً لسوء علاقة الابن بوالده. وعلى الرغم من أن الفيشاوي كان هو المرشح الأول لدور "ماجد"، إلا أن مخرج المسلسل محمد فاضل رفض في البداية خوفاً من أن يقدم فاروق نفس تفاصيل الشخصية التي قدمها في مسلسل "حصاد العمر"، خصوصاً أن الشخصيتين تجمعهما تفاصيل مشتركة عدة. ولكن موهبة الفيشاوي استطاعت أن ترفع سقف التحدي، فقدّم دوراً ناجحاً ومختلفاً.
وقدم الفيشاوي أعمالاً عدة أخرى على المستوى التلفزيوني والسينمائي والمسرحي، وكان واحداً من أهم الأسماء الفنية في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، وأسعفه الحظ أن يكون من أوائل أدواره شخصية الضابط "طارق" مع الفنانين عادل إمام وسعاد حسني في فيلم "المشبوه". وقد كان هذا الشريط هو العمل السينمائي الثالث في مشوار الفيشاوي، بعدما قدم فيلميه الأول "الباطنية" (1980) مع الفنانة نادية الجندي، وفيلم "غاوي مشاكل" (1980) مع عادل إمام ونورا.
ولكن كان للفيلم الشعبي "المشبوه" (1981) نجاح ذو طابع خاص، علماً بأن الفيشاوي كان قد اعتذر عن المشاركة فيه خوفاً من الفنان عادل إمام، إذ كانت بعض المشاهد تفرض عليه صفع إمام، فخاف أن يتعرض لانتقادات من جمهور "الزعيم"، لكن أقنعه المخرج سمير سيف بقبول الدور، مؤكداً أنه سيكون علامة فارقة في حياته الفنية. وهو ما حصل. ونتيحة النجاح الكبير للفيلم عاد الفيشاوي وإمام وقدما معاً فيلم "حنفي الأبهة".
عام 1983 قدم الفيشاوي فيلمه الكوميدي "تجيبها كده تجيلها كده هي كده"، مع كل من الفنانين سمير غانم والمنتصر بالله، وحقق هذا الفيلم نجاحاً جماهيرياً كبيراً وقت عرضه. وتوالت الأعمال بعد ذلك، فقدم فيلم "قضية عم أحمد" (1985) مع الفنان فريد شوقي الذي قدم معه أيضاً قبل ذلك وبعده، أفلاماً عدة مثل "الخادم" (1990)، و"الخونة" (1984)، و"وحوش الميناء" (1983)، و"مرزوقة" (1983)، و"السطوح" (1984)، و"فتوة الجبل" (1980)، و"الأستاذ يعرف أكثر" (1985)، وغيرها.
أنتج الفنان الراحل على مدار مشواره الفني فيلمين هما "استغاثة من العالم الآخر" (1985)، للمخرج محمد حسيب، ثم فيلم "مشوار عمر" للمخرج محمد خان عام 1986. وكان قرار الإنتاج بمثابة مغامرة من الفيشاوي لكون السينما كانت تمر وقتها بأزمة في الإنتاج، ولم يحقق الفيلم الأول وقت عرضه سينمائياً نجاحاً مقارنةً بالنجاح الذي حققه، بعدما عرض على القنوات التلفزيونية.
قدم الفيشاوي عدداً كبيراً من الأدوار التلفزيونية الناجحة، أولها من خلال مسلسل "أبنائي الأعزاء شكراً"، وتبعها بأعمال عديدة مثل "صيام صيام" (1981)، و"ليلة القبض على فاطمة" (1982)، و"علي الزيبق" (1985)، و"الدوائر المغلقة" (1997)، و"الحاوي" (1997)، وغيرها من المسلسلات. وكانت آخر محطة تلفزيونية له من خلال مسلسل "الشارع اللي ورانا" الذي عُرض في موسم درامي ثانٍ في رمضان سنة 2018.
كان للفنان الراحل كذلك بصمة في عالم المسرح، إذ قدم عدداً كبيراً من المسرحيات مثل "البرنسيسة" (1984) مع ليلى علوي، و"اعقل يا دكتور" (2000).
على نطاق الحياة الشخصية تزوّج الفيشاوي ثلاث مرات، واحدة منها من خارج الوسط الفني، أما الزيجتان الأخريان فكانتا من سهير رمزي ومن الفنانة سمية الألفي التي أنجب منها ولدين هما الممثل أحمد الفيشاوي وعمر. واستمر زواج فاروق وسمية 16 عاماً. وكان هناك مشروع زواج بينه وبين الفنانة ليلى علوي لكنه لم يتم.
عاش الفيشاوي أزمات عدة في حياته، أولاها مع إدمانه المخدرات لسنوات طويلة، ولكن وقفت إلى جانبه ودعمته زوجته السابقة الفنانة المعتزلة سمية الألفي وساندته حتى يتعافى تماماً.
أزمة أخرى عاشها الفيشاوي أثناء قضايا إثبات النسب التي أقامتها مهندسة الديكور هند الحناوي ضد نجله أحمد. إذ بعدما ساند الفيشاوي نجله نافياً أبوّته للطفلة، أثبتت اختبارات الحمض النووي العكس، فتراجع عن موقفه هذا، وبات يقضي أياماً طويلة مع حفيدته.